حلـب.. تهجير ممنهج للطاقات الشبابية

tag icon ع ع ع

هنا الحلبي – حلب

تعاني مدينة حلب وأحياؤها المحررة، على وجه الخصوص، من نقص في الكوادر منذ عامٍ تقريبًا، نظرًا لحركة النزوح الكبيرة للطاقات الشبابية التي كانت تعمل في نشاطات المجتمع المدني وتردف العمل الثوري بخبراتها وجهودها، إلى المدن التركية أو غيرها من الدول.

فبعد تحرير أحياء واسعة من المدينة عقب دخول الجيش الحر إليها في رمضان 2012، بدأت نشاطات الحراك الثوري المدني تزداد بكافة أشكالها، الطبية والإغاثية والخدمية والتعليمية، حتى القضائية، ولو بشكل أقل وضوحًا. وتوجت هذه النشاطات بانتخابات شكلت على أثرها ما يعرف بمجلس المحافظة ومجلس المدينة بداية العام 2013، الذَيْن شكلا نواة لمؤسسات الدولة المستقبلية، بإشرافهما على هذه النشاطات من دفاع مدني وتنمية موارد بشرية وخدمات وما إلى ذلك، فصارت المدينة مثالًا مصغرًا للدولة السورية التي طمح الثوار إليها بعد سقوط النظام، وتعيش مخاضًا طبيعيًا لبداية حياة تتحقق فيها العدالة والحرية، دون إنكار وجود مظاهر فساد متكررة، تحاول تجمعات الثورة الحد منها وإيقافها، وهو ما جعل الحالة الاقتصادية تنتعش إلى حد ما، وتسترد الصناعة شيئًا من عافيتها.

من جهتها، رفضت «الهيئة الشرعية» أي حراك مدني غير تابع لها، لتفرض نفسها بقوة السلاح على هذه المؤسسات، وتضيق على عملها، تارة بوضع اليد على مراكزها، وتارة بمصادرة آلياتها، أو اعتقال عددٍ من الناشطين، بحجة عدم الالتزام بالقوانين التي وضعتها الهيئة، والتي لم تكن أساسًا واضحة المعالم.

بعد ذلك بدأ تنظيم “داعش” بملاحقة الناشطين والإعلاميين واعتقالهم أو تصفيتهم، فكان له دور بارز في تهجير القسم الأكبر منهم وتحجيم الحراك الثوري في حلب، بالتزامن مع إغلاق معبر كراج الحجز في بستان القصر، الذي يفصل حلب المحررة عن حلب المحتلة، بشكل تدريجي حتى تم إغلاقه بشكل نهائي منذ ستة أشهر، بعد أن كان هذا المعبر الشريان الرئيس الذي يغذي الكثير من المؤسسات في المناطق المحررة بالمساعدات من الجمعيات الخيرية والناشطين الموجودين في المناطق التي ما زالت تحت قبضة الأسد.

ومن العوامل المؤثرة على النشاط المدني في المدينة، التفاوت الكبير بين الرواتب خارج البلاد وبين التعويضات في حلب، سواء من قبل الجهات الرسمية المعترف بها كممثل عن الثورة، أو من منظمات المجتمع المدني الناشئة حديثًا، أو الأجنبية الداعمة لنشاطات المجتمع المدني.

واتسمت هذه المنظمات بأنها تعطي رواتب للمقيمين في تركيا أضعاف الرواتب المدفوعة لناشطي الداخل، على اعتبار أن المعيشة في تركيا مكلفة أضعاف المعيشة على الأراضي السورية، لكنها لم تعر اهتمامًا للمخاطر الأمنية التي يتعرض لها الناشطون في الداخل، وانقطاع مقومات الحياة الأساسية، والأجواء المشحونة التي تحكمهم، ما حمل الكثيرين منهم إلى الهجرة باتجاه المدن التركية هربًا من الأوضاع الأمنية المزرية وبحثًا عن حياة أفضل بعد طول فترة الثورة، لاسيما بعد أن بدأت هجمة البراميل الشرسة بداية العام 2014، والتي كان لها الدور الأكبر في تهجير السكان، ولم يبقَ في حلب إلا قلة من السكان أجبرهم على ذلك الفقر المدقع وعدم وجود بدائل أمامهم.

ومؤخرًا أضيف عامل تردي الوضع العسكري، واحتمال حصار الأحياء المحررة من قبل قوات الأسد، الأمر الذي يشكل تهديدًا حقيقيًا على المدينة، ما دفع المزيد من سكانها للنزوح عنها نحو الأراضي التركية.

يذكر أن عدد الذين يقطنون الأحياء المحررة من حلب الآن 400 ألف نسمة وفق إحصائية للهيئة الشرعية، بينهم عددٌ من الناشطين يريدون استكمال رسالتهم من خلال وجودهم بجانب المقاتلين وخدمة من تبقى من السكان، معتبرين معركة حلب معركة مفصلية في وجه نظام الأسد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة