بيت الحكمة.. من تعليم المرأة إلى إشراكها في سوق العمل

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ريف إدلب

“أكبر مشكلة كنت أعاني منها بسبب الأمية هي عدم قدرتي على التواصل مع أصدقائي على مواقع التواصل الاجتماعي”، تقول الشابة سارة البيروني لعنب بلدي.

ثم تضيف الفتاة النازحة من مدينة حماة إلى إدلب، “عانيت من الأمية بسبب الحرب التي أبعدتني عن المدرسة في سنوات دراستي الأولى، اتبعت عدة دورات لمحو الأمية في مدينة إدلب وريف حلب الغربي، لكن أغلبها كانت دون فائدة”.

“العام الفائت اتبعت دورة في مركز بيت الحكمة”، تستدرك الفتاة ذات الـ 16 عامًا، “أعتقد أنني استفدت بشكل جيد هذه المرة، وحسّنت من قدرتي على القراءة والكتابة”.

تنطلق سارة في حديثها “لم أصل بعد إلى المستوى المطلوب، أحتاج لدقيقة لقراءة جملة معينة، وكتابتي تُفهم من جهة القارئ لكنها في الأغلب ليست صحيحة وينقصها أحرف”.

وتختم حديثها لعنب بلدي “قدّم لي بيت الحكمة القاعدة الرئيسية لأتمكن من تدريب نفسي وزيادة ممارستي للتخلص من الأمية تمامًا، وأنا اليوم لست كما كنت في السابق”.

ثلاثة أبواب يفتحها بيت الحكمة للنساء

لم يكتف مركز بيت الحكمة في بلدة أريحا بمحافظة إدلب بتضميد جراحه جرّاء القصف الجوي الذي تعرّض له العام الماضي، بل توجه لاستهداف فئة ضعيفة في المجتمع السوري، تحمّلت العبء الأكبر من آثار الحرب نفسيًا وجسديًا واقتصاديًا، النساء.

عضو مجلس إدارة بيت الحكمة، نور حلاق، قال لعنب بلدي إن المركز يعمل مع النساء على ثلاثة محاور، مهنية وطبية وعلمية.

فيما يتعلق بالجانب المهني يوفر المركز دورات تدريبية للنساء في مجالات مثل الكوافير، الحياكة، الصوف، المخرز، وغيرها من الحرف اليدوية.

يُشير حلاق إلى أن هدف المركز من هذا الجانب هو إدخال المرأة إلى سوق العمل، فبعد انتهاء التدريب يمنح المركز المتدربات أدوات للعمل ليفتتحن أعمالهن الخاصة، وهنا يأتي دور بيت الحكمة مرة أخرى في الترويج لهذه المنتجات لتأمين تصريفها، ويذهب المردود المادي للنساء.

أما فيما يتعلق بالتدريبات الطبية فيقول حلاق إنها تشمل التمريض والإسعافات الأولية والعلاج الفيزيائي الذي خصصت له دورة مرة واحدة، قدمتها ممرضة لديها خبرة تعود إلى 24 سنة، وانقسمت الدورة إلى ثلاثة أشهر نظرية، وثلاثة أخرى عملية.

ويضيف حلاق حول التدريبات العلمية، أنها تبدأ من دورات محو الأمية، وصولًا إلى إدارة الأعمال والمشاريع، وكل ما يتعلق بها من مهارات المتابعة والتقييم ينبغي للإداري أن يتمتع بها. فضلًا عن دورات مكثفة تتعلق بالتنمية البشرية، والدعم النفسي، ورعاية الطفولة.

من بيت الحكمة إلى سوق العمل

آخر مشروع نفّذه المركز كان بالتعاون مع منظمة “آرك”، وشملت خمسة مجالات، الصوف والمخرز، والكوافير، والأعمال اليدوية، والعلاج الفيزيائي، وإدارة المشاريع، واستهدف 150 امرأة.

يوضح حلاق أن أغلب النسوة اللواتي اتبعن تدريب العلاج الفيزيائي توظفن، أما الأخريات اللواتي تدربن على فنون الكوافير فحصلن على أدوات للعمل وبدأن مشاريعهن من منازلهن.

بالنسبة لإدارة المشاريع فقد توظف بعضهن بمركز بيت الحكمة، والبعض الآخر توظّف في مراكز أخرى، لكن هذه الفرصة لم تكن متاحة لجميع النسوة، كون التوظيف اعتمد على نتائج الاختبارات الجيدة، بحسب حلاق.

كذلك أسست النسوة اللواتي تدربن على الأعمال اليدوية ورشة خاصة بهنّ، يبعن منتجاتها لتجار الجملة الذين يتكفلون بتسويقها في بلدات أخرى خارج أريحا.

ويوضح حلاق أن المركز يستهدف بشكل أساسي فاقدات المعيل اللواتي يقمن برعاية أطفال، بالإضافة للفقراء، ويحاول المركز أن يعلمهن ما يستطعن من خلاله الحصول على مردود مادي.

صدى بيت الحكمة في أريحا

وبالرغم من كون المركز يفرغ جزءًا كبيرًا من طاقته لدعم المرأة في مجتمع “محافظ” ويعاني من الحرب، فقد حاز على تقبّل كبير في مدينة أريحا لا سيما مع مواجهة السكان لأزمة كبيرة في التعليم، وجاء بيت الحكمة ليسد هذه الفجوة.

عمل المركز على تغطية احتياجات النساء العلمية، ولم يطرح نفسه على أنه مدرسة، فتمكن من استهداف شرائح النساء المختلفة، خاصةً اللواتي تجاوزن سن الدراسة، وكان لهذه الميزة صدى كبير في المدينة.

لم يكتف المركز بذلك، بل أخذ على عاتقه القيام بحملة إعلامية في المدينة، لتوعية الناس بضرورة تعليم المرأة، ودعم مشاركتها في سوق العمل، معتمدين على لغة الدين الإسلامي بأمثلة من حياة المرأة في عصر الرسول (ص)، وإسهامها بالتجارة في الأسواق، ما دفع بالناس إلى تقبل الفكرة، بحسب حلاق.

لا يقتصر نشاط بيت الحكمة على دعم المرأة، فهناك مركز شبابي، وقسم دراسات وأبحاث أيضًا، يعمل على إنجاز الإحصائيات، مثل المشروع القائم حاليًا في أريحا وهو مسح الاحتياجات المتكامل لكل بيت في المدينة.

الدعم النفسي خارج المألوف

“صراحة كنا في السابق نحمل همومًا كبيرة في قلوبنا ولكننا اكتشفنا أنها بدون معنى، أنت الذي تختار طريقك في الحياة، سعادتك بيدك وتعاستك بيدك، فحدد أي طريق تختار”، تقول السيدة سحر حج حسن، لعنب بلدي.

وتضيف سحر، البالغة من العمر 50 عامًا، “حضرت عددًا من المحاضرات التي قدمها بيت الحكمة في مجال الدعم النفسي، في البداية كنت أحضرها من باب التسلية وملء الفراغ، لكن بعد عدة محاضرات تغيّرت نظرتي للحياة”.

وتوضح السيدة التي نزحت إلى أريحا من ريف حلب الجنوبي “أهم ما تعلمته هو كيفية التعامل مع الناس، بحال أخطأ أحدهم في حقك أو أخطأت في حق الآخرين (…) تعلمت كيف أعتذر وكيف أتقبل الاعتذار”.

يوضح نور حلاق أن الدعم النفسي عمومًا يكون عبر التعليم والتدريب وبناء القدرات، فـ “أي عائلة فقيرة تتعلم طريقة للحصول على عمل ومردود مادي نكون فعليًا قد دعمناها”.

أما فيما يتعلق بالنساء اللواتي تعرضن لأذى واضح نتيجة الحرب، كالبتر أو التشوه أو الإعاقة، فتعمل معهن اختصاصية في علم النفس بشكل منفصل وخاص.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة