tag icon ع ع ع

جريدة عنب بلدي – العدد 19 – الأحد – 10-6-2012

 

شهدت سوريا أول انقلاب عسكري في الوطن العربي عام 1949م، حيث سيطر الجيش بقيادة حسني الزعيم على مقاليد السلطة. وبذلك فتح باب الانقلابات في سوريا والوطن العربي، وبعدها سيطر العسكر في مصر والعراق والجزائر وليبيا واليمن والمغرب وموريتانيا والسودان على الحكم بعد انقلابات عسكرية في هذه الدول، وجرت عدة محاولات انقلابية في دول أخرى مثل المغرب والأردن ولكنها باءت بالفشل. وبدأ تغوّل حكم العسكر في السلطة، حيث أصبح الرؤساء و قسم كبير من الوزراء والسفراء والمحافظين والإداريين من العسكريين, وحمّلتهم الشعوب العربية مسؤولية هذه الأوضاع وكل ما حدث للأمة في حقبة ما بعد الاستقلال. ولكن لو درسنا حقيقةً ما حدث في تلك الفترة لوجدنا أن السياسيين يتحملون جزءًا مهمًا من المسؤولية، لأنهم سيّسوا الجيش وساهموا في تدميره وتبعيته لأشخاص وأحزاب. ولعل أوضح مثال عن هذه الحالة، حالة الجيش السوري في الماضي وحالة الجيش السوري الحر في هذه الأيام، حيث يكرّر السياسيون الآن نفس أخطاء أسلافهم في الماضي.

تسييس الجيش

في الخمسينيات والستينيات

كان أكرم الحوراني من أوائل من عملوا على تسييس الجيش، حيث دفع بعض الشباب الاشتراكيين للانضمام إليه حتى يقوّي نفوذه السياسي في البلاد. وكانت نسبة الضباط الاشتراكيين لا تتجاوز الخمسة بالمئة، ولكنها كانت منظمة. أما باقي الجيش فكان غير مسيّس ولكنه يعمل بحرفية قتالية. صار الضباط الاشتراكيون يضعون أنصارهم في المواقع الحساسة ويحاولون جذب باقي الضباط للانتساب للحزب الاشتراكي، وصاروا يقومون ببعض الاضرابات في عام 1957م، بهدف الضغط لتقسيم المناصب العسكرية الحساسة بينهم وبين غيرهم من كوادر الجيش. ولكن خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر ضعفت هذه الحالة، نتيجة سيطرة الضباط المصريين على مقاليد السلطة في المؤسسة العسكرية. وبعد الإنفصال عاد الأمر إلى أشده، حيث انقسم الجيش الى كتل تسعى للتخلص من بعضها، مثل الناصريين والبعثيين والدمشقيين والشيوعيين، وكل طرف وراءه مجموعة من السياسيين تحرضه ضد الفئة الأخرى. ودخلت البلاد في حالة من الفوضى إلى أن استلم حزب البعث السلطة، حيث أقصى كل السياسيين عن الحياة السياسية في سوريا، وأولهم الذين شاركوا في عملية التسييس المبكرة، مثل أكرم الحوراني وميشيل عفلق ومعروف الدواليبي وناظم القدسي وآخرين. وبذلك قضى السياسيون على بعضهم، لأنهم بدلًا من الاحتكام الى صندوق الاقتراع لجأوا إلى المؤامرات ومحاولة كسب المؤسسة العسكرية للوصول الى السلطة. وتحول الجيش السوري لاحقًا بعد استيلاء حافظ الأسد بشكل كامل على السلطة إلى مؤسسة هدفها الأساسي حماية نظام أسرة الأسد الحاكمة.

الجيش السوري الحر

بدأ الجيش السوري الحر بالتشكل عندما قرر العشرات من الضباط الشرفاء والعسكريين عدم مشاركة النظام المجرم في قتل الناس الأبرياء الذين خرجوا ينادون بحريتهم وكرامتهم. رفضوا تلك الأوامر وانشقوا عن جيش النظام وبدوءا ينظمون صفوفهم ويقومون بالدفاع عن أنفسهم وعن المظاهرات السلمية. وحتى يصبح هذا الجيش الناشئ جيشًا وطنيًا، كان على مؤسسيه أن يكونوا واعين إلى أن هناك قواعد يجب أن يتأسس عليها جيشهم، كي لا تدخل البلاد في الفوضى كما حدث في ليبيا وكما قال محمود جبريل: (لو تمكنّا من إنشاء جيش وطني خلال المعارك مع القذافي، لما وقعنا في هذه المشاكل التي نقع فيها اليوم). الجيش الوطني هو الجيش الذي يضع هدفًا أساسيًا له وهو حماية الوطن والدولة، وعدم الارتهان لأي جهة كانت تحت ضغط التمويل والدعم بالسلاح. وها هو الجيش الحر يكسب شعبية كبيرة في الساحة السورية منذ انطلاقته، وهو شرط نجاحه الأول والأخير. ولكن كثر الحديث عن دعم وتسليح هذا الجيش، رغم أنّ هذا الدعم أخذ الطابع الشعبي والذاتي لعدة شهور. ولم يتخذ المجلس الوطني (الممثل الأكبر للثورة السورية في الخارج) قرارًا بدعمه حفاظًا على سلمية الثورة. ولكن بعض الشخصيات المهمة مثل الشيخ عدنان العرعور، صار ينادي بدعمه، مما أكسبه شعبيةً كبيرة وصار للشيخ دور كبير في تنظيمه. وبعد فترة زاد اعتماد الثورة على الجيش الحر وصار له دور فاعل على الأرض، وأصبح قوة لا يستهان بها مما دفع المجلس الوطني للتفاوض مع قيادته حول حاجياته وطريقة دعمه.

إعادة أخطاء الماضي

عندما ظهر أن الحل السلمي في سوريا غير ممكن بالتزامن مع الأداء الضعيف للمجلس الوطني، صارت القوى المختلفة تحاول أن تكسب تأييد الجيش الحر لكي تدعم موقفها ولكي تضمن لها موقعًا بعد سقوط النظام. وبدأت تظهر اتهامات لجماعة الإخوان المسلمين أنها تستخدم أموال التبرعات الخارجية لكسب ولاء بعض الكتائب العسكرية عن طريق تزويدها بالمال. كما حاول برهان غليون وبعض أعضاء المجلس الوطني إنشاء مكتب استشاري عسكري ليكون العمل العسكري تحت تصرف المجلس، ولكن لم يكتب لهذه الخطوة النجاح. كما استقالت مجموعة من الشخصيات مثل هيثم المالح و كمال اللبواني للمزاودة على المجلس، وقالوا أن الجبهة التي أسسوها هي لدعم الجيش الحر. وقامت بعض القوى بتأسيس هيئة حماية المدنيين وصارت تطلب الاعتراف بها من قبل الجيش الحر. وصدرت اتهامات من قبل بعض الشخصيات للمجلس الوطني أنه يتفق مع العميد مصطفى الشيخ لسحب الأمور من يد العقيد رياض الأسعد. وعندما قام نوفل الدواليبي بالإعلان عن نيته تشكيل حكومة مؤقتة، ظهر النقيب عمار الواوي لتأييد هذه الفكرة متجاوزًا القيادة الأعلى في اتخاذ القرار. في المقابل يبدو أن الشيخ عدنان العرعور غير مكترث بالمجلس الوطني لأن عدد من قيادات الجيش الحر تدعمه وتستمع لتوجيهاته. وفي الفترة الأخيرة شعر المقاتلون على الأرض السورية أن قيادة الجيش الحر في الخارج والسياسيون يتاجرون بهم دون تقديم دعم واضح، وهذا ما ظهر في كلام العقيد قاسم سعد الدين عندما قال: لا يحق لأحد إصدار أي بيانات أو اتخاذ قرارات إلا قيادة الجيش الحر في الداخل.

 وبذلك نجد أنه في الماضي كان السياسيون سببًا في انقسام الجيش وفي الوضع السيئ الذي وصلت إليه البلاد. وكذلك اليوم نجدهم يشكلون عبئًا على الجيش الحر بدلًا من أن يكونوا داعمين له وساعين لتوحيد صفوفه وجعله جيشًا وطنيًا، لا ميلشيات هدفها حماية مصالح كل جهة. كلٌ يحاول كسب طرف عسكري لصالحه، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة سوريا والشعب السوري.

علينا لأن نذّكر أن الجيش ليس طرفًا ولا ينبغي أن يكون مع طرفٍ ضد طرفٍ آخر، بل يجب أن يبقى مستقلًا ومحايدًا وبعيدًا عن التجاذبات وعن المعركة السياسية الداخلية الآن وفي المستقبل. فمهمته الأساسية تكمن في حماية أرض الوطن من التهديدات الخارجية والمساعدة في بسط الأمن الداخلي. فهل يتعلم السياسيون والعسكريون من أخطاء الماضي؟ و هل يدرك العسكريون أن مجالهم هو فقط الأمور العسكرية، وأن التدخل في السياسة يضرّ بهم قبل غيرهم. وهل يدرك السياسيون أنهم إن أرادوا الوصول إلى السلطة فطريقهم الوحيد هو صندوق الاقتراع ومقاعد البرلمان. هل سنتعلم، أم أن التاريخ سيعيد نفسه.

مقالات متعلقة