الجمال كذبة

الكميت الحمد.. حين تتحول اللوحة إلى أرض معركة

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – علي بهلول

“أعتقد أنني كنت مخدرًا في سوريا”، يقول الفنان الشاب الكميت الحمد، ثم يوضح “الراحة والهدوء الذي وفرته لي السويد أثر بي بشكل سلبي، وبدأت تظهر علي أعراض الاكتئاب”.

يرى الكميت حياته التي قضاها في سوريا متنقلًا بين مدينته الرقة، واللاذقية التي نزح إليها بعد دخول تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى الرقة عام 2013، ومدينة حلب التي درس فيها الفنون الجميلة التطبيقية بدءًا من العام 2011، وكأنه كان في “شرنقة فراشة”.

“أنا محظوظ لأنني أجيد الرسم، خاصةً أنني لا أجيد التعبير عن مشاعري بالكلام كما أفعل بالألوان” يقول الكميت، لعنب بلدي، ويضيف “ترى في لوحاتي مثلًا الكثير من الفراشات لأنني أعتقد أن حياتي شبيهة بها، وفي السويد خرجت من الشرنقة حيث تتكون الفراشة إلى الحرية”.

يتحدث الفنان الشاب عن الحرية التي منحته إياها السويد لمناقشة قضايا سياسية عبر الفن التشكيلي مثل الثورة في سوريا، وحرية العبادة، وحرية الرأي، وغيرها من القضايا الاجتماعية المرتبطة بالمساواة والتمييز والعنصرية.

“أعمالي مليئة بالفراشات والعصافير وحشرات العث، وأحاول أن أعرضها بطريقة ليست جميلة”، يشرح الكميت لوحاته التي تتميز بالغرابة والموغلة في الخيال، ويعزو ذلك لأنه “يؤمن أن الجمال كذبة”.

ويمضي في إيضاح رؤيته “الموت والألم والحرب تعطي الجمال طعمًا خاصًا، هذه النظرة تجعل الشخص يقدر سلبيات وإيجابيات هذه التجارب”.

وبنفس الوقت يرى الكميت أن الطبيعة هي أجمل إطار يمكن أن يرى السويديون الموت من خلاله، هكذا تصطدم المتناقضات في لوحته لتبرز تفاصيل دقيقة من الحياة السورية تغيب عن نظر الأوربيين.

جبهات مع الحياة والفن والتجديد

في اللاذقية بدأ الكميت بإقامة معارض في مقاهي ومحلات صغيرة، ثم درّس طلابًا في مركز ثقافي في المدينة، وبقي في هذا الوضع بين عمل ودراسة حتى عام 2015، قبل أن يغادر البلاد عن طريق تركيا، متوجهًا إلى أوروبا.

وصل إلى السويد في شباط 2016، وأقام أول معرض له بالاشتراك مع فنانين سويديين في مخيم لاجئين بالقرب من العاصمة السويدية ستوكهولم، وتم بيع جميع اللوحات المعروضة له.

ثم انتقل إلى مالمو حيث بدأ بتطوير عمله الذي ظهرت فيه آثار الحرب بشكل أوضح، واعتمد على دراسة مستمرة لعالم الحيوان والإنسان والطبيعة، وكيفية دمج هذه العناصر في لوحة واحدة، لتقديم لوحة مكثفة تختصر الكثير من القصص.

قدّم الكميت حتى الآن ثمانية معارض، اثنان منها خاصان به بشكل كامل، ويعمل حاليًا على معرض في كوبنهاغن بالدنمارك في كانون الأول المقبل، فضلًا عن تحضيره لمعرض في نيويورك الربيع المقبل.

“كل معرض طور قدراتي، وأنا أيضًا حاولت أن أطور مما أقدمه في كل معرض”، يقول الكميت وكأن معارضه جبهات معارك مع الحياة والفن والتجديد.

الرمز كلغة للتفاهم

اكتشف السويديون قصصًا في لوحات الكميت كان من الصعب أن يصلوا إليها من خلال الأخبار المتداولة عن سوريا، ويقول “الحرب في سوريا دفعتني أنا نفسي أيضًا لاكتشاف هذه القصص (…) قضايا مثل التمييز والعنصرية لم تكن واضحة بالنسبة لي قبل ذلك”.

لكن نقل واقع الحرب الدامية في سوريا إلى مدن وبلدات سويدية هادئة يتطلب من الكميت أسلوبًا خاصًا يدفع من خلاله السويديين إلى الغرق في قضية اللوحة وليس النفور منها، ووجد باستخدام الرموز حلًا وافيًا لهذه المشكلة.

اللوحات مليئة بفراشات وطيور وحشرات عث، يأكل بعضها البعض فتسيل الدماء من تشققات أجسادها، وهو ما تفعله الحرب بالبشر إذ تردهم إلى قوانين الغاب، وفق رؤية الكميت.

هذا الأسلوب ساعد الفنان الشاب بالتغلب على مشكلة كبيرة يواجهها الفنانون السوريون في أوروبا، وهي تعاطف الأوربيين مع أعمالهم عوضًا عن تقديرها فنيًا.

ويعتقد أن السويديين تعاطفوا مع جميع السوريين الذين وصلوا إلى بلادهم كلاجئين، لذلك يعتمد على الرمزية لدفعهم إلى التفكير في اللوحة، وبالتجارب التي مرّ بها السوريون، وليس الإحساس بها، وبذلك تكتمل الصورة لديهم بشكل مجسد وحقيقي من العاطفة والفكرة، ليتيقنوا أن سوريا ليست مجرد نشرة أخبار، أو مقاطع فيديو متداولة على شبكة الإنترنت.

يريد الكميت أن تنقل لوحاته المسكوت عنه في سوريا، لا سيما في مدينة مثل الرقة وما فعله تنظيم “الدولة” فيها، من تطبيق قوانين “متخلفة” تصل إلى حد محاصرة الناس في التدخين، وجلدهم وتعذيبهم.

“جئنا من بلد منفتح، مثقفين وحملة شهادات، ولدينا قدرات فنية تمكننا من الإضافة للمجتمع الأوروبي”، يقول الشاب الرقاوي، الذي يسعى جاهدًا لكسر الصورة النمطية عن اللاجئ السوري في أذهان الأوروبيين.

هكذا يتحول الرسم إلى معالجة نفسية واجتماعية بالنسبة للكميت، وأداة يكتشف بها نفسه وبلاده، ويصنع منها جسرًا لمخاطبة ثقافات مختلفة، موائمًا بين المتناقضات في مساحة لوحته التي تختصر وتكثّف تجربته الإنسانية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة