tag icon ع ع ع

في وقت تتوقع فيه الدول المؤثرة في الملف السوري قرب انتهاء سنوات ”الحرب“ مع تثبيت نقاط ”تخفيف التوتر“، وتكرر التصريحات عن البدء بمرحلة الاستقرار وإعادة الإعمار، عادت قضية حصار غوطة دمشق الشرقية إلى الواجهة.

وتضخمت الأسعار في المنطقة المدرجة على اتفاقية ”تخفيف التوتر“ بضمانة روسية-تركية- إيرانية، لتعيد حالات الوفاة بسبب سوء التغذية إلى الأذهان سياسة حصار النظام السوري للمناطق الخارجة عن سيطرته على مدار السنوات السابقة، المعروفة بـ ”الجوع أو الركوع“.

لا منافذ للمنطقة التي يقطنها نحو 350 ألف شخص إلا بيد نظام مايزال يمطرها بالقذائف والغارات، في خروقات صريحة ومستمرة للاتفاق الموقّع في أستانة، على مرأى من ”الضامن الروسي“.

لكن استفسارات كثيرة تدور حول عودة الحصار: من المسؤول عن فقدان المواد الغذائية واشتعال أسعارها، لم اختار الأسد وقتًا يلمّع فيه حلفاؤه صورته عالميًا، وأين الروس من هذه الانتهاكات، وماذا يوجد في يد المعارضة التي وقعت اتفاق ”أستانة“ للاعتراض على غياب التنفيذ، وكيف يمكن لخزان دمشق الزراعي أن يجوع أبناؤه؟

فريق التحقيقات في عنب بلدي

لا يتقدم على الأرض.. “ينتقمبالحصار

دخلت الحملة العسكرية من قبل قوات الأسد والميليشيات المساندة لها على حي جوبر وبلدة عين ترما شهرها الخامس، دون إحراز أي تقدم على حساب فصائل المعارضة، والتي اتبعت خططًا عسكرية وكمائن قتلت المئات من عناصر الأسد، وأفشلت جميع محاولات تقدمه في المنطقة.

ولا يمكن الفصل بين تشديد الحصار والتطورات الميدانية على الأرض، خاصة في حي جوبر الدمشقي الذي يشكل عقدة أساسية يريد الأسد بدعم روسي فكّها وإغلاق ملفها، لإعادة أحياء العاصمة إلى قبضته، بعد إغلاق ملفي القابون وبرزة.

الحصار الفعلي على الغوطة الشرقية بدأ في آب 2014، بعد سيطرة قوات الأسد على بلدة المليحة القريبة من مطار دمشق الدولي، والبعيدة عن عمق العاصمة حوالي خمسة كيلومترات، وما تبعها من هدن وتسويات في المناطق المحيطة بها كبلدات عقربا وحتيتة التركمان وشبعا.

وازدادت وتيرته بعد السيطرة الكاملة على حيي القابون وبرزة، في أيار الماضي، والعملية العسكرية التي بدأتها فصائل معارضة (فيلق الرحمن، هيئة تحرير الشام، حركة أحرار الشام) تحت مسمى “يا عباد الله اثبتوا”، وصلت من خلالها إلى كراجات العباسيين وسيطرت على المناطق المحيطة بها وصولًا إلى عقدة البانوراما على أوتوستراد العدوي المؤدي إلى عمق العاصمة دمشق.

وتعد هذه المعارك نقطة مفصلية، إذ لم يمض شهر على انتهائها وانسحابها من المواقع الجديدة، حتى بدأت قوات الأسد عملية معاكسة للسيطرة على حي جوبر والأحياء المحيطة به، لفصلها عن بقية مدن الغوطة.

وتركز الهجوم الذي يستمر إلى الآن من ثلاثة محاور، الأول من جهة عين ترما، والثاني من حي عربين شمال جوبر، إضافةً إلى المحور الرئيسي على الحي بشكل مباشر.

وترافق الاقتحام تغطية جوية مكثفة من الطيران الحربي الروسي على الخطوط الأولى للاشتباكات، وعلى بلدات ومدن القطاع الأوسط الذي يسيطر عليه فصيل “فيلق الرحمن”.

ويعتبر حي جوبر أحد البوابات الرئيسية إلى وسط العاصمة، إذ تبدأ حدوده من المتحلق الذي يفصله عن مدينة زملكا وصولًا إلى ساحة العباسيين، وبين حيي باب توما والقصاع والتجارة غربًا، وعين ترما والدويلعة جنوبًا.

وبعد سيطرة قوات الأسد على منطقة المليحة (البوابة الثانية للغوطة) اكتسب الحي أهمية كبيرة كونه الممر الأخير تجاه عمق الغوطة.

لا يختلف الوضع في جوبر عن جبهات الغوطة الخاضعة لسيطرة “جيش الإسلام”، إذ تستمر محاولات الاقتحام أيضًا، وخاصةً على جبهات حوش الضواهرة والريحان والنشابية.

وتعتبر المحاولات التي تقودها قوات الأسد في القطاع الشرقي للغوطة استكمالًا لسيطرتها السابقة على كل من حوشي الفارة ونصري وميدعا، في آب وتموز من عام 2016، وإحكام القبضة على الميدعاني والبحارية، وعدد من التلال والمزارع المجاورة، إضافةً إلى توغلها الأبرز، في 30 تشرين الأول 2016، والذي سيطرت خلاله على مزارع الريحان ومنطقتي تل كردي وتل صوان وبلدة القاسمية، وصولًا إلى السيطرة على مشارف بلدة النشابية المجاورة، في26 كانون الثاني 2017.

مصور حربي يحمل طفلة مصابة بسبب قصف النظام على النشابية في الغوطة الشرقية 2015 (عنب بلدي)

تخفيف توترخلّبي يفشل في كبح الأسد

لم يفلح اتفاق ”تخفيف التوتر” الذي وُقّع مؤخرًا برعاية مصرية، وضم مدن الغوطة الشرقية في كبح العمليات العسكرية لقوات الأسد، بل زادت حدتها تحت ذريعة وجود “هيئة تحرير الشام” المستثناة من الاتفاق.

ويتضمن الاتفاق فك الحصار عن الغوطة وإدخال المواد الأساسية، دون أي إعاقات أو ضرائب أو أتاوات، بالإضافة إلى إطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين من الأطراف المعنية بهذا الاتفاق، لكن التنفيذ لم يبدأ حتى الآن.

وفي بيان وزارة الدفاع الروسية عقب الاتفاق، في تموز الماضي، قالت “لقد رسم الاتفاق حدود منطقة تخفيف التوتر في الغوطة الشرقية، وحُددت مواقع انتشار قوات الفصل والرقابة في الغوطة وصلاحياتها، كما رُسمت خطوط إيصال المساعدات الإنسانية وممرات عبور المدنيين”.

في حديث مع الناطق باسم “فيلق الرحمن”، وائل علوان، أوضح أن الروس لم يلتزموا بالاتفاق، ولا يوجد جدية من قبلهم للالتزام ببنوده، وأهمها فتح المعابر الإنسانية.

وقال علوان لعنب بلدي إن الاتفاق لا يختلف كثيرًا عن الاتفاقات السابقة، إذ اخترقها النظام السوري بشكل كامل ولم تُترجم بنودها على الأرض، مشيرًا إلى أن “الروس بقوا مدافعين عن النظام من خلال الغطاء السياسي والإعلامي، إضافة إلى الدعم العسكري واللوجستي”.

وبحسب علوان، فإن روسيا تدّعي العملية السياسية من أجل كسب الفرص لدعم الأسد، الذي يتبع عدة تكتيات في محاربة الشعب السوري، منها القصف واستخدام السلاح الكيماوي، واجتياح المناطق واقتحامها، إلى جانب سياسية الحصار والتجويع.

لكن التساؤلات تعدت سياسة الأسد في المنطقة، إلى سبب الانقطاع المفاجئ للمواد الغذائية والأساسية، رغم أن وتيرة الحصار زادت منذ إغلاق الأنفاق التي كانت تصل الغوطة الشرقية بالعاصمة، في أيار الماضي.

واعتبرت مصادر إعلامية من الغوطة الشرقية (رفضت ذكر اسمها) أن الوضع الحالي سياسة جديدة من الجانب الروسي والنظام السوري بدأت أولى خطواتها بإغلاق معبر مخيم الوافدين، الذي تعتمد عليه الغوطة بشكل رئيسي بعد إغلاق الأنفاق، ورافقه رفع الأتاوات المالية على البضائع من جانب النظام السوري.

وقالت المصادر لعنب بلدي إن الخناق على الغوطة يمكن ربطه بمحادثات “أستانة 7“، المقبلة كخطوة للتفاوض على ملف الغوطة، وورقة لفرض أمر واقع في حي جوبر لمصلحة الأسد.

وعلّق مدير المكتب السياسي في “جيش الإسلام”، محمد علوش، بالقول، عبر حسابه في ”تويتر“،  “كانوا يريدون تمرير الحل والدستور الروسي على الفصائل وبسرعة، لكن الفصائل رفضت ذلك فأفرغت أستانة من الهدف الذي أنشئت له”.

وأضاف أن “الغوطة الشرقية لم يتوقف قصفها ساعة، وتكلمت الفصائل العسكرية مع الضامنين ووثقت الانتهاكات، لكن لا فائدة والحصار الخانق مستمر”.

وبحسب علوش فإن “روسيا تبدي عجزها في تنفيذ اتفاق وقعته وأشهدت عليه دولة عربية كبيرة، ولو أرادت فك الحصار لفعلت لكنها متخاذلة متعاجزة“.

يتذرع النظام السوري لاستمرار حملته العسكرية بوجود هيئة ”تحرير الشام“ في الغوطة، وحول هذه القضية قال علوان إن “الفصائل أكدت في وقت سابق حل مشكلة الهيئة، عن طريق خروج مقاتليها من المنطقة بشكل كامل، إلا أن الروس لم يفتحوا أي معبر لإخراجهم“.

تحرك سياسي.. لا يُسمن ولا يُغني

وأضاف أنه يتم التواصل حاليًا مع منظمات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، للضغط على الروس والنظام السوري من أجل السماح بإدخال المواد الغذائية والأساسية إلى المدنيين المحاصرين.

ويجري الائتلاف السوري المعارض تحركات سياسية وقانونية أيضًا لفك الحصار عن الغوطة.

وقال أحمد رمضان، مدير الدائرة الإعلامية بالائتلاف الوطني، إن الائتلاف يتابع سياسيًا ما آل إليه الوضع في الغوطة جراء اشتداد الحصار عليها، مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجانب الأمريكي.

وأوضح، في حديث إلى عنب بلدي، أن الائتلاف طالب المجتمع الدولي بفتح المعابر، وإدخال المساعدات إلى الغوطة، خاصة أنها أُدرجت ضمن مناطق “تخفيف التوتر”، موضحًا أن الأمم المتحدة كانت تتذرع دائمًا بصعوبة إدخال المساعدات، نظرًا لرفض النظام و”حزب الله” اللبناني والميليشيات الإيرانية، والتي تسيطر على المنطقة المحيطة بالغوطة، وتمنع دخول المساعدات إليها، كما تعمد إلى تفريغ الشاحنات من محتواها في أحيان أخرى.

وكإجراء قانوني، رفع الائتلاف مذكرة قانونية للأمم المتحدة لاعتبار الحصار ونتائجه “جريمة حرب”، واعتبار منطقة الغوطة الشرقية “منطقة كوارث” و”منطقة منكوبة” وفق القانون الدولي الإنساني، لتتصرف الأمم المتحدة على هذا الأساس وليس على أساس أنها منطقة نزاع فقط، وفقًا لرمضان.

وأشار إلى أن الائتلاف طرح مسألة الحصار على ممثلي 17 دولة من مجموعة “أصدقاء سوريا”، ممن التقاهم في اسطنبول، كاشفًا عن مؤتمر خاص سيعقد في واشنطن، يوم الخميس المقبل، بحضور وفد من الائتلاف، وحضور كبير من المسؤولين الأمريكيين.

وعن الجهات المسؤولة التي يُلقى عليها اللوم في تردي الوضع الإنساني في الغوطة ووصوله إلى هذه المرحلة المتأزمة، قال رمضان إنه “لا يمكن إعفاء المجرمين الأساسيين وهم النظام والميليشيات الإيرانية وروسيا”.

بنفس الوقت يعتبر رمضان أن الأمم المتحدة تتحمل المسؤولية، وأضاف ”هذا الأمر طرحناه في لقاءاتنا بجنيف مع المبعوث الخاص، ستيفان دي مستورا، وهناك أكثر من مذكرة طرحت بهذا الشأن، وطرحت أيضًا في لقاءات مباشرة مع ممثلي الاتحاد الأوروبي، ومع المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين“.

لا أنفاق.. لا وافدين

منتصف 2014 عندما سيطرة قوات الأسد على مدينة المليحة في عمق الغوطة، بدأت معها عملية فصل الغوطة الشرقية عن محيطها ونشر الحواجز، ومنع دخول وخروج المدنيين إضافة إلى منع إدخال المواد الغذائية، فارتفعت الأسعار وساءت الأوضاع المعيشية للمواطنين وانتشرت الأمراض نتيجة سوء التغذية.

وبعد الحصار أصبحت الأنفاق التي حفرت بين الغوطة والمناطق المجاورة مثل برزة والقابون المنفذ الوحيد للأهالي لإدخال موادهم الغذائية، إذ تحولت هذه الأنفاق من وسيلة لنقل المقاتلين والذخيرة إلى طرق تدخلها سيارات وشاحنات محملة بالبضائع، وبإدارة مباشرة من قادة الفصائل الموجودة في المنطقة أو بغطاء من مؤسسات “مدنية” تابعة لها.

لكن بعد سيطرة قوات الأسد على حيي برزة والقابون، في منتصف أيار الماضي، واكتشاف الأنفاق وإغلاقها، عادت الأسعار للارتفاع وبدأت المواد الغذائية بالنفاد، ليصبح منفذ الغوطة الوحيد هو معبر الوافدين، الذي اكتسب اسمه من مخيم الوافدين قرب دوما.

ويخضع المعبر لسيطرة النظام السوري، ويتحكم من خلاله بإدخال المواد الغذائية والأساسية عن طريق رجل الأعمال السوري، محي الدين المنفوش، الذي كان يُدخل قافلتين يوميًا، بعد دفع “أتاوة” 500 ليرة لكل كيلو واحد يدخل.

وشهدت الأشهر الأخيرة الانتقال من احتكار المنفوش الفردي لإدخال البضائع إلى احتكار جماعي من تجار داخل الغوطة وخارجها يعملون تحت مظلة الفصائل والنظام السوري، لكن وتيرة دخول البضائع تراجعت، ما عجّل فقدان بعض المنتجات وارتفاع أسعار أخرى تدريجيًا.

أمل باتفاق أستانة

ومع ازدياد سوء الواقع المعيشي للأهالي في الغوطة، وقعت الفصائل المقاتلة، في تموز الماضي، على اتفاقية “تخفيف التوتر“، ليجد الأهالي بها أملًا ومنفذًا لفك الحصار وإدخال المواد الغذائية، خاصة وأن أحد بنودها ينص على فك الحصار وإقامة مفاهيم جديدة للتبادل التجاري بين مناطق المعارضة والنظام من دون أي قيود أو أتاوة، أي إنهاء عهد التجار الذين يتحكمون بالأسعار.

لكن بعد اتفاق أستانة رفع ضباط النظام في معبر الوافدين سعر الأتاوة على كل كيلو، ما دفع بعض المجالس المحلية في المنطقة لإصدر بيانات طالبت فيها النظام بالتطبيق الكامل للاتفاق وخاصة بند فتح المعابر وتحرير التجارة دون قيد أو شرط، كما طالبت الضامن للاتفاق (روسيا) بالضغط على النظام للالتزام بمضمونه.

وبالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار إلى أن النظام يحاول يوميًا السيطرة على جوبر وعين ترما، لكنه فشل وسط خسائر كبيرة في صفوفه، ما دفعه إلى حصار المنطقة اقتصاديًا، بحسب الناشط الإعلامي تيم السيوفي الذي قال لعنب بلدي إن النظام بعد عجزه عن اقتحام جوبر وعين ترما، لجأ إلى الحصار من خلال إغلاق معبر المخيم، ومنع أي تاجر من إدخال المواد الغذائية، كما رفع سعر الأتاوة التي وصلت إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية للكيلو الواحد.

ويتراوح دخل الفرد في الغوطة بين 500 وألف ليرة سورية يوميًا (كل دولار يقابل نحو 500 ليرة)، ويعتمد الأهالي على الحوالات الخارجية من ذويهم، في ظل ارتفاع ”جنوني“ للأسعار إذ يبلغ سعر

كيلو السكر 5500 ليرة وربطة الخبز 1100 ليرة، وكيلو البرغل ألفي ليرة، وكيلو العدس ألف ليرة، والحمّص 2500 ليرة، والفول 1200 ليرة، بينما تغيب مادتا البيض والبطاطا، بحسب نشرة أسعار منظمة ”أسس” المتخصصة، الجمعة 27 تشرين الأول.

سوريون يلقون اللوم على طرفي النزاع

طغى الانقسام على الشارع السوري حول تحديد المسؤول عن تجويع الناس في غوطة دمشق الشرقية، وبدا الخلاف واضحًا من خلال استطلاع الرأي الذي أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني.

وطرحت عنب بلدي سؤالًا على موقعها: برأيك، من المسؤول عن غلاء الأسعار وفقدان المواد الغذائية في الغوطة الشرقية؟

54% من المشاركين، وعددهم نحو 250، رأوا أن النظام السوري هو المسؤول عن ذلك، بسبب الحصار “الخانق” الذي فرضه على سكان الغوطة منذ أكثر من أربع سنوات.

وكتب عز الدين فارس عز الدين “عندما تفرض السلطة حصارًا وتمنع الغذاء والدواء عن مواطنيها، تأكد بذلك أنها فاقدة للشرعية، وعملها هذا جريمة حرب في كافة المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية”.

فيما حمّل 46% من المستطلع رأيهم المسؤولية لفصائل المعارضة السورية، بسبب الاقتتال فيما بينها والسماح لـ “تجار الأزمة” باستغلال المواطنين في لقمة عيشهم.

وكتب ممدوح البدوي “يتحمل المسؤولية جيش الإسلام وفيلق الرحمن، أقول هذا لا كرهًا للثورة بل كرهًا لتصرفاتهم”، وتابع “قتالهم مع بعضهم أضعفهم وقوى الحصار، لأن المواطن آخر ما يفكرون به، مثلهم مثل النظام”.

فيما حمّل آخرون الطرفين المسؤولية عن تجويع المدنيين في الغوطة، وكتب حساب “أبو هزاع”، “كل انتهازي ومجرم واستغلالي هو المسؤول، فلينظر كل شخص على نفسه بعين العدل، ويعرف أين موقعه مع هؤلاء المذكورين“.

ورفض بعض المتابعين الاستطلاع، واعتبروه مجحفًا ويضع الضحية والجاني بنفس الميزان، وعزا حسام الدين ذلك إلى سببين الأول هو أن النظام سبب الأزمة بلا شك، وكان بإمكان الموجودين في الغوطة إدارة مواردهم لتخفيف وطأة الحصار، إلا أن الإدارة مهما كانت جيدة لن تلغي كون الحصار موجودًا.

وأوضح السبب الثاني، من وجهة نظره، الذي يتمثل بأن هدف النظام من الحصار عادة ليس قتل الناس بالجوع بقدر ما هو تفكيك النسيج الاجتماعي المحاصر وكسر الإرادة القائمة على الشعور بالمظلومية ضده، مضيفًا ”في وقت الأزمات الجماعية يفتقر المجتمع للمنطق ويسعى للبحث عن أي كبش فداء يقدمه لينهي المعاناة، ودائمًا يبدأ بالتنازل عن الأقرب له، ولذلك أعتقد أن مثل هذه الطروح تخدم هدف النظام من الحصار“.

لكن إبراهيم خولاني اعتبر أن الاستطلاع غير مجحف ويتناسب مع سلوك الفصائل، فحين تصعد وتتدافع لأجل مصالحها وقد استمرأت معاناة الناس ودماء المقاتلين لأجل مصالحها الخاصة، فقد تضاءل لديها الحس الثوري كثيرًا واقتربت من منطق الأسد.

لكنه طالب في نفس الوقت بإضافة خيار ثالث يتمثل بكلا الفريقين إلى حصار النظام السوري وأصحاب المصالح في الفصائل

الوضع الصحي مرشح للانهيار قبل نهاية العام

تتنوع الحالات المرضية بين القلبية والسرطانات والأمراض المزمنة والفشل الكلوي والأورام.

ونصف المرضى لا يستوجب علاجهم الإخلاء بل إدخال أدوية فقط.

يواجه الواقع الصحي احتمال الانهيار خلال الفترة المقبلة، في ظل منع النظام السوري إخلاء الحالات المرضية المتوجب خروجها إلى دمشق، وصمت “غير مبرر” من المنظمات الدولية المعنية، بينما ترتفع معدلات الإصابة بسوء التغذية، وينتظر أصحاب الأمراض المزمنة والسرطانية مصيرًا مجهولًا.

وظهرت بعض الأمراض الفيروسية، كمرض الالتهاب الدماغي “العقبولي”، والذي توفي إثر الإصابة به، الطفل أسامة الطوخي (5 سنوات)، 24 أيلول الماضي، إثر إهمال نقله ليتلقى العلاج في دمشق، من أصل عشر حالات نسب شفائها “عالية” في حال أخليت، وفق ما أكدت مصادر طبية لعنب بلدي.

لا إخلاء للحالات.. الأمراض المزمنة والحادة تزداد

يمنع النظام السوري إخلاء الحالات المرضية من الغوطة، وقال الدكتور محمد كتوب، مسؤول المناصرة في الجمعية الطبية السورية الأمريكية “SAMS”، إن الجمعية أحصت 406 حالات بحاجة إلى إخلاء، حتى السبت 28 تشرين الأول.

أخليت حالة شاب بعمر 30 عامًا يعاني من المنغولية، الخميس 26 تشرين الأول، إضافة إلى ست حالات أخليت في وقت سابق، بمجموع سبع حالات فقط خلال الأشهر الماضية.

وتتفاقم الحالات بشكل مستمر في ظل نقص الأدوية والقدرة من الجهات الطبية على العلاج، في حين توقع كتوب ازدياد الوضع سوءًا، مع دخول فصل الشتاء، موضحًا “تزيد شريحة الأمراض غير القادرين على علاجها وتتحول المتوسطة إلى حادة، والأخيرة يمكن أن يكون أصحابها عرضة للوفاة بشكل أكبر”.

ووثقت الجمعية الطبية وفاة تسع حالات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بمعدل حالة كل أسبوع أو عشرة أيام، وأشار الطبيب إلى أنها “لا تشمل الإصابات بالأورام أو الوفاة الطبيعية أو القصف أو الحالات المتفاقمة، بل تتمثل بمرضى شفاؤهم مؤكد على الأقل نظريًا في حال إخلائهم نحو دمشق”.

وتوقع أنه  في حال استمر الوضع على ما هو عليه حاليًا، حتى بداية العام الحالي، “ستصبح حالات الوفاة يومية”، مؤكدًا أن المستشفيات في الغوطة “تتحمل العمل لمدة شهرين بعدها يصبح الانهيار كاملًا، وحينها ستصبح الحلقة ضيقة جدًا وتتمثل بإنقاذ الجرحى فقط“.

من المسؤول؟

خلال العام الحالي أخليت حالات شلل أطفال من الغوطة، بعد ضغوط وتنديد من الأطباء، وبحسب كتوب فإن منظمة الصحة العالمية “لا تخرج الحالات إلا وفق مصلحتها، كي لا يقال إنها تركت مرضًا وبائيًا ينتشر في سوريا”.

واعتبر أن المنظمة الدولية “تعمل لتلميع صورتها رغم أنها وكافة المنظمات الدولية تملك قوائم بأسماء الحالات ومطلعون على أوضاعهم بشكل كامل”.

تدرس المنظمات الدولية الحالات وتبقى على مدار أشهر، ووفق الطبيب فإنها “ليست بحاجة إلى آلية محددة فقد أخلت حالات، ولو كانت قليلة، دون أي عوائق أو عرقلة من الأطراف المحلية خلال الفترة الماضية”.

المشكلة تكمن في الإذن من النظام، وأكد كتوب أن الحالات “أخليت جميعها خلال ساعات قليلة، وهذا معيب جدًا باعتبار أنها لا تضغط لإخلاء البقية”.

تتواصل “SAMS” وجهات طبية محلية، مع المنظمات الدولية منذ شهرين، وأكد الطبيب “لم نجن أي فائدة حتى اليوم”، متهمًا المنظمات الدولية بأنها “ترتكب جرائم حرب عندما تترك الأطفال يموتون، كما أنها شريكة بقتل الناس كونها لا تحدد المسؤول عن وفاتهم“.

ارتفاع معدل حالات سوء التغذية والتقزم

لا يندرج سوء التغذية كحالة تستحق الإخلاء، إلا إذا كان المريض يعاني من سوء امتصاص أو هناك مشكلة أدت إلى سوء التغذية، الذي ارتفعت معدلات الإصابة به، كما ظهرت حالات تقزم، وخاصة لدى الأطفال داخل الغوطة.

وتحدث الطبيب محمد زاهد المصري، مدير التنسيق الدولي وشؤون منظمة “أطباء عبر القارات” في تركيا، حول مسح المنظمة لحالات سوء التغذية بدعم تقني من الأطباء في الداخل، من خلال قياس محيط أعلى العضد للأطفال والنساء الحوامل.

وأشارت بيانات المسح إلى أن نسبة الإصابة بسوء التغذية، تتراوح بين 10 إلى 20% بعد أن كانت أقل من 3% في بداية العام.

التقرير الذي مازالت تعمل عليه المنظمة، اعتمد على دراسة 110 حالات من الأطفال تبين أن 20 منها تعاني من سوء تغذية حاد قد ينتج عنه وفاة.

ولفت الطبيب، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن النسبة لا يمكن تعميمها على كامل الغوطة، إلا بعد الحصول على نتيجة مسح “السمارت”، الذي يشمل كافة المناطق، وتعمل المنظمة عليه حاليًا.

إلى جانب حالات سوء التغذية تحدث الطبيب عن نسب مرتفعة من حالات التقزم والتي تمثل مشكلة على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن الحالات ظهرت بنسبة تفوق 25%، وفق إحصائيات مثبتة علميًا بمسوحات شاملة في الغوطة، ونُفذت في عدة أماكن من سوريا.

وعزا الطبيب ازدياد حالات التقزم وسوء التغذية في الغوطة، إلى مجموعة من العوامل أهمها الحصار المستمر منذ سنوات، والذي بدوره أدى إلى سوء تغذية مزمن عند الأطفال تمثل بقصر القامة.

559 مصابًا بالسرطان مهددون بالموت

أسهم الحصار في تفاقم معاناة المصابين بالأمراض المزمنة، وظهرت تبعاته جلية على مرضى السرطان والأورام الخبيثة، بسبب فقدان الدواء ونقص المعدات الطبية التي تستخدم في علاجهم الطويل.

مركز “دار الرحمة لمعالجة الدم والأورام”، الوحيد والذي يقدم خدماته مجانًا في الغوطة، أعلن عن نفاد آخر جرعة لديه لعلاج المرضى، في 20 تشرين الأول، الأمر الذي يهدد حياة 559 مريضًا مصابين بالسرطان.

مديرة المركز الطبيبة وسام الرز، أوضحت لعنب بلدي أن عمله مهدد بالتوقف التام نتيجة عدم تمكنهم من تأمين الأدوية الكيميائية.

وخلال الأشهر الستة الماضية استنزف المخزون الدوائي، وتراجعت الحالة الصحية لكثير ممن تحسنوا سابقًا، بحسب الطبية.

وتشير إحصائيات المركز إلى أن أعداد الوفيات خلال ثلاثة أشهر مضت، بلغت 20 حالة، أعداد وصفتها الطبيبة بأنها “كبيرة” مقارنة بوفاة 120 حالة خلال السنوات الماضية، إلى جانب 40 حالة نكس (تدهور في صحة المريض)، من أصل 1200 مصاب (57% نساء و21% أطفال و24% رجال )، أحصاهم المركز منذ تأسيسه منتصف عام 2013.

من العدد الكلي شفيت بعض الحالات وتوفيت أخرى، ما خفض العدد إلى 559، وانتسكت بعض الحالات رغم أنه لم يتبق إلا جرعة واحدة لعلاجها.

طفل ينتظر في مركز طبي بالغوطة الشرقية – 2016 (عنب بلدي)

حملات وتقارير تحذر من تفاقم الوضع في الغوطة

أثار موت طفلين في الغوطة الشرقية، جراء سوء التغذية، السبت 22 تشرين الأول، حفيظة المنظمات الحقوقية التي حذرت من تفاقم الوضع في الغوطة وانتشار سوء التغذية الحاد بين الأطفال.

وانتشرت تقارير وحملات وتصريحات حقوقية تطالب المجتمع الدولي بكسر الصمت والتحرك لفك الحصار الخانق عن الغوطة، وتوفير العلاج العاجل لضمان بقاء الأطفال على قيد الحياة.

وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن ما يزيد عن 1100 طفل سوري يعانون من سوء تغذية في غوطة دمشق.

وفي تصريح لوكالة “فرانس برس”، الاثنين 23 تشرين الأول، قالت المتحدثة باسم المنظمة، مونيكا عوض، إن عمليات التقييم خلال الأشهر الثلاثة الماضية وجدت 232 طفلًا يعانون من سوء تغذية “حاد” في الغوطة الشرقية، ما يتطلب توفير علاج عاجل لضمان بقائهم على قيد الحياة.

وحذرت عوض من تهديدات بانتشار سوء تغذية “حاد” قد يطال 1500 طفل في الغوطة، خاصةً بين الأطفال حديثي الولادة.

وأضافت أن “الأمهات لا يحصلن على الغذاء الجيد، ما يجعلهن ضعيفات وغير قادرات على إرضاع أطفالهن”.

من جانبها، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرًا، في 24 تشرين الأول، وثقت فيه مقتل ما لا يقل عن 397 مدنيًا، منذ بدء الحصار على الغوطة عام 2012، بينهم 206 أطفال و67 امرأة، بسبب الجوع ونقص الدواء.

وأضاف التقرير، الذي حمّل النظام السوري المسؤولية، أن الحصار انعكس بشكل كبير على النساء الحوامل اللواتي عانين من فقر الدم، ولم توجد الرعاية الصحية الكافية لهن.

أما الأمم المتحدة فدعت جميع أطراف النزاع وأصحاب النفوذ لضمان وصول جميع العاملين في المجال الإنساني، بشكل مستمر ودون معوقات، إلى المناطق المحاصرة في الغوطة، والسماح لهم بتقييم الاحتياجات بشكل مستقل.

وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، في مؤتمر صحفي بتاريخ 25 تشرين الأول، إن آخر قافلة مشتركة للأمم المتحدة كانت قد وصلت إلى الغوطة الشرقية في 23 أيلول وذلك لمساعدة 25 ألف شخص فقط، محاصرين في بلدات شرق حرستا ومسرابا ومديرة.

وبدا الغضب الشعبي واضحًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع انتشار صور لأطفال من الغوطة يعانون من سوء تغذية حاد، ما أثار الرأي العام.

وأطلق ناشطون سوريون حملة إعلامية نصرةً للغوطة الشرقية المحاصرة من قبل قوات الأسد والميليشيات المساندة لها، منذ خمس سنوات.

وحملت الحملة اسم “الأسد يحاصر الغوطة”، ودعا القائمون عليها إلى المشاركة، استنكارًا للحصار المفروض على مدن الغوطة، والذي أدى إلى وفاة طفلين بسبب سوء التغذية.

سلاح الحصار الفتّاك.. بيد النظام السوري وتنظيم الدولة

عاشت محافظة ريف دمشق مرحلة وصلت خلالها فصائل المعارضة إلى أوج قوتها، حين سيطرت على معظم المحافظة، وباتت حركة النظام محدودة داخل عاصمته، وذلك من أيلول 2012 وحتى شباط 2013.

بعد هذا التاريخ بدأت قوات المعارضة بالانحسار، وشكلت سيطرة النظام على السبينة في تشرين الثاني 2013، نقطة تحول في تاريخ المحافظة، إذ سرعان ما سيتمدد النظام وحلفاؤه في الريف الدمشقي، ويطبقون حصارًا خانقًا على بعض المدن والبلدات.

وفي تشرين الثاني 2012 حاصرت قوات النظام وحلفاؤه مدينة داريا، وبعد أن انتشرت صور الحصار والقصف المتواصل منها إلى أنحاء العالم، كانت داريا أول مدينة يتم إفراغها من السكان.

ففي 26 من آب 2016، خرج سكانها المتبقون المقدر عددهم بخمسة آلاف إنسان، قرابة 1200 منهم توجهوا إلى إدلب، والبقية إلى بلدة حرجلة بريف دمشق.

وابتداءً من كانون الأول 2015 أغلق النظام مداخل مدينة معضمية الشام بالحواجز، ومنع دخول أي مواد غذائية أو طبية إليها، فضلًا عن وقف حركة السكان.

ولم ينته الحصار سوى باتفاق يقضي بتفريغ المدينة، فغادرها كل من لم يسوّ وضعه، وقُدر عددهم بألف شخص، في تشرين الأول 2016.

ومنذ تموز 2015 أحكم النظام وحزب الله حصارهما على الزبداني ومضايا، وكانت آخر مدينة تسيطر عليها المعارضة مع الحدود اللبنانية، وانتهى الحصار العام الجاري باتفاق بين فصائل معارضة والحرس الثوري الإيراني و“حزب الله”.

وأدى إلى تهجير 170 مقاتلًا مع عوائلهم من الزبداني، فيما هُجرت 50 عائلة من مضايا إلى بقين والمعمورة، إلا أن مصادر قالت لعنب بلدي إن المهجرين مصيرهم مجهول في بلدة قرب بلودان خاضعة لسيطرة النظام.

كما عانى وادي بردى من حصار امتد لسنوات، وشدده النظام وحلفاؤه العام الجاري، حتى انتهى بسقوط المنطقة عقب 36 يومًا من المعارك، استهدفت السيطرة على منطقة عين الفيجة الاستراتيجية، ما أدى إلى تهجير 1500 شخص، بينهم 500 عسكري.

أما مخيم اليرموك فقد تم حصاره في كانون الأول 2012 من قبل النظام وقوات أحمد جبريل، لكنه شهد عدة تطورات ميدانية، فتطور الأمر ليشارك بحصاره أيضًا تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو الوضع الذي مايزال قائمًا حتى الآن.

كذلك استخدم النظام سلاح الحصار والتجويع في محافظات أخرى لفرض سيطرته، فبعد 690 يومًا من حصار أحياء حمص القديمة، تم تهجير السكان في أيار 2014 مقابل الإفراج عن ضابط روسي، و20 إيرانيًا أسرى لدى فصائل المعارضة.

طرف آخر من الصراع استخدم الحصار كسلاح فعال لفرض نفسه كما فعل النظام، وهو تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث حاصر مدينة دير الزور منذ مطلع العام 2015، وحتى أيلول الماضي حين أنهاه النظام.

قُتل نتيجة الحصار المئات من المدنيين الذين عانوا سوء التغذية، في مناطق محاصرة قُدرت مساحتها بـ105 كيلو متر مربع، ومرر المحاصرون أجندتهم السياسية، وفاوض النظام السوري وحلفاؤه في مؤتمرات دولية، معتبرين حصار المدنيين بطاقة لعب قوية في وجه خصومهم السياسيين.

مقالات متعلقة