من جبال تورا بورا.. إلى جبال قنديل

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

أصر الرئيس الأمريكي ريغان أن يحضر مقاتلو جبال تورا بورا حفل إطلاق إحدى المركبات الفضائية، وتصور معهم قبل الحفل، رغم أن المركبة تحطمت بعد بضعة دقائق من إطلاقها، وتحولت إلى كارثة أمريكية ودولية. تمامًا مثلما تحول وجودهم اليوم ووجود مشتقاتهم، من داعش وغيرها، إلى عبء على العالم، وعار على المسلمين.

واليوم مقاتلو جبال قنديل تدعمهم وتحميهم أمريكا، وتحرس تحركاتهم الطائرات الغربية وهم يحيلون المدن والقرى في الشمال والشرق السوري إلى خرائب، ويدمرون عقودًا من محاولات التقارب بين العرب والأكراد، ويخنقون محاولات التطلع إلى مستقبل تؤسسه الثقة والاحترام بين الشعبين.

مقاتلو جبال تورا بورا أنتجوا أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وداعش والنصرة، ومقاتلو جبال قنديل أنتجوا البيدا وقسد، وما رفعهم لصور عبد الله أوجلان في الرقة إلا إعلان عن انطلاق إرهاب جديد لا يقل عن إرهاب تنظم القاعدة ومشتقاته السامة. فمقاتلو الجبلين مدربون على التخريب والتدمير أكثر من تدريبهم على البناء والإعمار وتبادل المصالح، والأفكار الخلاقة.

يحتمي أنصار تورا بورا بالدين الإسلامي ويأسرونه ببنادقهم، ويعلنون امتلاك كل اجتهاداته ويكفرون كل من لا ينصاع إليهم، ولو كان بأخلاق صحابة رسول الله وتابعيهم، بينما يحتمي أنصار جبال قنديل بخلطة يسارية وماركسية، مع قليل من تعليمات الجماهرية الديمقراطية الشعبية التي أنتجها معمر القذافي في ليبيا، والتي تتحدث عن نصرة المرأة وحكم الشعب بالمجالس الجماهيرية المنتخبة، وما إلى ذلك من أكاذيب رسخته كنصف آلهة ووثن، وما ضخامة صور عبد الله أوجلان الهائلة إلا تأكيد على استفادة أنصار جبال قنديل من حكم القذافي، واستفادتهم من صور حافظ الأسد الذي كان عبد الله أوجلان مقيمًا في معسكرات مخابراته في سوريا وفي لبنان.

أنصار تورا بورا يتوجهون الى المتدينين المسلمين، ويتلاعبون بعواطفهم، ليضموهم إلى مافيات إرهابية تغسل أدمغة الشباب في العالم العربي، وفي أوروبا، وتلقمهم كوقود في حروب مأساوية وطموحات دونكوشيتية تتحدى الحضارة، وتتحدى التطور، وتوقف حركة الزمن والتاريخ، من أجل زعامات تنتظر السيطرة المضحكة على العالم، التي تشبه كوميديا سيطرة بينكي وبرين الفأرين الكرتونيين على العالم.

أنصار جبال قنديل يستندون على مظلومية الشعب الكردي، وضياع حقوقهم بين الدول الغربية، ودول المنطقة، عبر المئة عام الماضية، وتعتمد بشكل رئيسي على الشبان الأكراد لتضمهم في تنظيمات عسكرية، تحولت لاحقًا إلى مافيات مأجورة لدى الدول الأخرى، وتستعمل الابتزاز الذي يصل الى خطف البنات والشبان من العائلات كخوّة قتالية إجبارية، بحجة تحرير كردستان، وتخاطب اليسار، واليسار المتطرف في أوروبا لدعمها، وتستفيد من سمعة الإرهاب التي انتشرت حول نظرائهم أنصار تورا بورا، وتقدم نفسها على أنها يسارية، وماركسية، وتقدم عبدالله اوجلان كماو تسي تونغ الصيني الذي يغذي أخيلة بقايا الماركسيين، الذين استسلموا لعبادة القادة، والتخشب على مبادئ محدودة، ما انتهى بهم إلى مناصرة الدكتاتوريات بحجة الانتصار على الإمبريالية وعلى الإرهاب الديني.

شكّل ظهور مشعل تمو في سياق الثورة السورية ضد الاستبداد ظاهرة مدهشة، وأثارت إعجاب العرب قبل الأكراد، وعوّل أنصار الثورة السورية على تجربة الأحزاب الكردية واشتغالها في السياسة، وتنظيمها الذي مارسته، رغم وحشية النظام الأسدي، فيما كانت الأحزاب السياسية العربية تهترئ وتنضم إلى الجبهة الوطنية التقدمية، واحدًا بعد الآخر، لتستريح في ظل النظام الذي يلقي عليها بقايا الأسلاب، والأعطيات كشقة سكنية، أو كسيارة فارهة للقادة، وحق كتابة التقارير بالآخرين لجماهير تلك الأحزاب المناضلة ضد الإمبريالة، وفي سبيل الوحدة العربية، وانبعاث الأمة السورية على أيدي المخابرات، وحزب البعث، والحرس الجمهوري الطائفي.

لكن نجم مشعل تمو انطفأ بشكل مفاجئ بسبب اغتياله، والذي يتهم به أنصار جبال قنديل، الذين كانوا يعدّون العدة للهروب من تركيا، والاستيلاء على الشمال السوري بعربه وبأكراده، وفعلًا صارت السلطة الواقعية بيد مقاتلي جبال قنديل، واستطاعوا بكل جدارة وتنظيم أن يحولوا الأحزاب الكردية العريقة في النضال السياسي، إلى مجرد أحزاب مفككة ومتناقضة، وتشبه الى حد بعيد أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي أنشأها البعث، إذ قامت باعتقال الكثير من القادة، وأخرست أصواتهم، ودجنت صحفهم، ولم تجرؤ تلك الأحزاب على الإدانة الصريحة، والواضحة، لتحول أنصار جبال قنديل إلى محتلين للشمال سوري، وعملهم كتابعين للأمريكيين، وللتحالف الغربي، الذي ورطهم بتقديمهم للعالم كمساهمين معه بتدمير مدينة الرقة، التي كانت تضم مليون إنسان بين ساكن ولاجئ، ومن عرب وكرد ومن مختلف الأديان والطوائف.

اليوم انتصر مقاتلو جبال قنديل على مقاتلي تورا بورا في الرقة، وتوجه كلا الفريقين إلى ساحات جديدة للصراع والقتال ونشر الفوضى، فالمقاتلون من الطرفين الجبليين لا يؤمنان بالسياسة، ولا بحق البشر في الاختيار، ويختصران المعرفة والدين واليسار، ببضعة تعليمات مبسطة تستعمل لغسيل الأدمغة، واستخدام حامليها كوقود في حروب لا تنتهي، وتخدم الدمار والخراب في المنطقة على حساب التعايش، والنشاط السياسي والسلمي لنيل الحقوق، وبناء دول المواطنة، والعدل، التي تحترم آدمية البشر، ولا تصنفهم بناء على أعراقهم، أو على أديانهم أو طوائفهم.

هذا العصر في تاريخ المنطقة هو عصر اجتياحات تنظيمات تورا بورا وجبال قنديل، الذي يشبه عصر الاجتياحات التتارية والمغولية للمنطقة قبل ألف عام، وهو ليس عصر السلام وبناء البلدان والبشر، إنه عصر إرهاب المافيات المتعطشة للعنف وإذلال البشر وإخضاعهم بشتى وسائل السيطرة.

لقد تم تأسيس هذه الظاهرة الإرهابية في تورا بورا على يد الأمريكيين، وذاقوا منها الأمرين، وذاقت منها شعوب المنطقة مرارة الإرهاب على أيدي داعش والنصرة ومشتقاتهما، وذاقت الرقة منتجات الجبلين تورا بورا وقنديل، بأبشع وأقسى الأشكال، وحولتها إلى مدينة مدمرة، ومهجورة، وهي اليوم بوضعها الحالي، تعبر عن مستقبل مظلم للمنطقة إذا استمر هؤلاء في لعب أدوارهم الجهنمية، وبخدمة من يوظفهم، ومن يدفع لهم، ويغذي فيهم نزعة العدوان والعنف… فهل شعوب المنطقة وأهلها قادرون على تجاوز هذه المنتجات السامة التي تسببت بانتشارها الأنظمة الاستبدادية، والانغلاق العقلي، والديني، وعبادة الشخصيات المتورمة.

علينا جميعًا ألا نترك مستقبلنا، ومسقبل الأجيال القادمة، على أيدي هؤلاء القادمين من تورا بورا وجبال قنديل… علينا أن نبتكر طريقة تليق بنا وبتطلعاتنا، وتخلصنا من عنفهم ومن إرهابهم، ومن تبعيتهم التي تخدم الآخرين على حساب التعايش والتطور والرفاه لشعوب المنطقة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة