داعش والثور الجالس

tag icon ع ع ع

أحمد الشامي

الثور الجالس Sitting Bull هو أحد زعماء قبيلة «السيوكس» في القرن 19، وقد شارك في آخر الحروب التي خاضها الهنود ضد الحكومة اﻷمريكية وانتصر في معركة على الجنرال «كوستر»، قبل أن ينتهي به اﻷمر في «محمية» هندية وبالظهور في استعراضات جوالة حول الغرب اﻷمريكي…

حين شاهدت «الخليفة إبراهيم» في جامع الموصل، بلباسه اﻷسود ولحيته الكثة وساعته «الرولكس» وخطابه المتحجر، تخيلت الرجل وهو يؤدي وصلة ترفيهية لسياح يأتون لرؤية «الظاهرة» الداعشية ومثيلاتها في «محمية» تشبه حدائق الحيوان يزورها المتنزهون لرؤية كيف كان يعيش الناس قبل خمسة عشر قرنًا…

في هكذا محمية، سيرى الزائر هؤلاء الرجال ذوي المظهر الكاريكاتوري واﻷسماء الحركية العجيبة والخطاب المتقعر والممارسات الهمجية. سيتمتع الفضوليون بمشاهدة ظروف عيش النساء «ناقصات العقل والدين» ويزورون مقار «داعش» كمتاحف للتعذيب.

بحسب الخليفة الداعشي وأتباعه، علينا إن أردنا السير إلى اﻷمام…أن نعود ألفًا وأربعمائة عام إلى الوراء، مثل الهنود الحمر في انتظار أن ننتهي، جميعًا، مثل هؤلاء التعساء، معروضين كظواهر مسلية وراء قضبان، في محميات نقوم فيها بممارسة «الدين الحنيف» على السنة الداعشية مع تمثيليات قطع رؤوس وبتر أطراف وصلب مرتدين وما شابه ذلك…

من تصدمه المقارنة بين وضع العرب والمسلمين والهنود الحمر عليه أن يتذكر أن سكان أمريكا اﻷصليين كانت لديهم حضارة وشعائر دينية متطورة، وكانوا يعيشون «على الفطرة» تمامًا كما ترغب لنا «داعش» ومثيلاتها أن نعيش، بعيدًا عن «البدع والضلال» فلا ديمقراطية ولا ليبرالية ولا تحضر ولا من يحزنون…

من يتصور أن بإمكانه التشبه بالهنود الحمر والتشبث مثلهم بماض عريق رحل إلى غير رجعة ثم يتوقع أن يكون مصيره مختلفًا عن مصيرهم إنما يخدع نفسه ومحيطه، فعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء.

في النهاية، وحين يصل المشروع الداعشي إلى نهايته المحتومة، سوف يجد «الخليفة إبراهيم» نفسه، هو وأشباهه، في وضع «الثور الجالس»، وسيكون مكانهم داخل قفص كظاهرة مسلية للعالم المتحضر، الذي يراها الآن عبر شاشات التلفزة في انتظار إقامة «محميات» بالحجم الطبيعي لهذه المستحاثات التي تعيش خارج التاريخ والزمن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة