أطفال سوريون بلا جنسية في لبنان.. شيفرة يصعب حلها

camera iconأطفال سوريون يعودون إلى المدرسة في وادي البقاع اللبناني (يونيسف)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رهام الأسعد

رغم اعتباره أدنى الحقوق التي يجب أن يحصل عليها الإنسان، تلقائيًا، حال قدومه إلى الحياة، أصبح تسجيل المواليد السوريين في لبنان إحدى المهمات المستحيلة التي على اللاجئين السوريين فك شيفرتها، وإضافتها إلى قائمة طويلة من المشكلات القانونية والإنسانية التي تواجههم، في لبنان تحديدًا.

عدم دخول معظم اللاجئين السوريين بصورة “شرعية” إلى لبنان، وعدم امتلاكهم لأوراق ثبوتية، وافتقار معظمهم إلى إقامات قانونية من الحكومة اللبنانية، عرقل مهمة الاعتراف الصريح بـ “سوريّة” أبنائهم المولودين على الأراضي اللبنانية، ليصبحوا مجرد أسماء بلا جنسية في مفوضية اللاجئين.

مع تجاوز عدد السوريين في لبنان حاجز 1.2 مليون لاجئ، حسب أرقام مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، زادت الأعباء الاقتصادية على الحكومة التي تعتبر نفسها عاجزة أمام هذا الكم من اللاجئين، بعد أن أصبحوا يشكلون ربع سكان لبنان.

تسجيل المواليد متاح.. ولكن

المحامية السورية صباح حلاق، عضو رابطة النساء السوريات، قالت لعنب بلدي إن تسجيل المواليد السوريين في لبنان متاح في حال كان وضع الأهل “قانونيًا” على الأراضي اللبنانية.

وتمنح السفارة السورية أوراقًا ثبوتية للمولود الجديد شرط امتلاك والديه إقامة، بالإضافة إلى أوراق قانونية تثبت زواجهما (عقد زواج أو دفتر عائلة).

وتابعت “معظم السوريين في لبنان يتزوجون زواجًا (شرعيًا) غير مثبت قانونيًا، ما يترتب عليه عدم قدرتهم على تسجيل أطفالهم في المستقبل”.

وتقدر مفوضية اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، أن 70% من السوريين المقيمين في لبنان لا يملكون إقامات رسمية، وبالتالي لا يستطيعون تسجيل أطفالهم حديثي الولادة لا في السفارة السورية ولا في دوائر وزارة الداخلية اللبنانية، الأمر الذي قد يحرمهم لاحقًا من الحصول على جنسية.

حلاق أشارت إلى أن صعوبات أخرى قد تواجه السوريين أثناء تسجيل أطفالهم، مثل الكلفة المادية، فبُعد السفارة السورية عن مركز تجمع اللاجئين السوريين وكلفة تصديق الأوراق الرسمية يُحمّل العائلات اللاجئة أعباء إضافية، خاصة أن مساعدات الأمم المتحدة بدأت تنقطع عنهم.

وعن الحلول، قالت حلاق إن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تعمل على تسجيل المواليد السوريين في لبنان، ولكن دون منحهم جنسية أي بلد، إلا أن ذلك قد يسهم بالاعتراف بهم لاحقًا.

كما أن بعض المنظمات، ومن بينها منظمة “كفى”، تقدم استشارات قانونية مجانية للاجئين السوريين، بما يساعدهم على تسوية أوضاعهم.

في حين بإمكانهم مراجعة السفارة السورية في حال فقدان أوراقهم الثبوتية، فالسفارة بدأت توفر هذه الخدمة رغم أنها مكلفة، وفق ما قالت حلاق.

لا إقامات ولا أوراق ثبوتية.. وأطفال بلا هوية

ومع ارتفاع وتيرة الولادات السورية في لبنان، تجاوز عدد الأطفال السوريين غير المسجلين حاجز 260 ألف طفل، وفق ما ذكر النائب في البرلمان اللبناني وعضو كتلة التنمية والتحرير، ياسين جابر، في حديثه إلى الوكالة الوطنية للإعلام، نهاية تشرين الأول الماضي.

نهى برهان، أم لطفلين اثنين ولدا على الأراضي اللبنانية، قالت لعنب بلدي إنها لم تستطع تسجيل طفليها (أحمد سنتان ونصف، ولجين سنة)، بسبب عدم امتلاكها إقامة قانونية هي وزوجها، أو حتى أوراقًا ثبوتية شخصية أو عقد زواج رسمي.

وأوضحت أن الأمن العام اللبناني أتلف كافة أوراق عائلتها الثبوتية عند دخولها إلى لبنان، كونها كانت ستسافر عن طريق الأمم المتحدة عبر برنامج إعادة التوطين، حسبما قالت.

وأضافت “إلا أن السفر ألغي بعد أن أُرسلت أوراقنا إلى الأمن العام اللبناني، الذي أتلفها ظنًا منه أننا سافرنا”.

أما الدكتور أحمد (اسم مستعار)، الذي لا يملك إقامة قانونية، فحاول تلافي الموضوع مع أطفاله عبر تسجيلهم في سوريا على دفتر العائلة عن طريق توكيل والده بذلك، وبناء عليه كان ينوي أن يستخرج لهم إقامات في لبنان.

إلا أنه تفاجأ بمشكلة لم يكن يتوقعها، وهي صعوبة إثبات أن ولديه دخلا إلى لبنان بطريقة شرعية، إذ أصبح وضعهما مخالفًا، وكأنهما ولدا في سوريا ودخلا إلى لبنان عن طريق “التهريب”، وفق ما قال الدكتور لعنب بلدي.

مشكلة أخرى قد تواجه الدكتور أحمد في حال لم يستطع استخراج إقامة لولديه، وهي عدم قبولهم في المدارس الرسمية في لبنان، ما يعني التحاقهم بمدارس “غير معترف” بها محليًا ودوليًا.

لذلك نصح السوريين في لبنان بعدم تسجيل أطفالهم في سوريا، وانتظار قرار رسمي لحل تلك المشكلة.

خوفًا من التوطين.. إنكار مقصود لأعداد اللاجئين

الحكومة اللبنانية تعتبر أن تسجيل المواليد الجدد في مفوضية اللاجئين بلبنان أو تسجيلهم في وزارة الداخلية المخولة بتسجيل الأجانب، يعني “توطينهم” في البلاد، لأن عدم حصولهم على جنسية أي بلد تخولهم بالنهاية الحصول على جنسية البلد الذي ولدوا فيه، بعد ضغوط عدة قد تمارسها منظمات دولية.

ومن هنا، بدأت صيحات رسمية، منذ عام 2015، على لسان وزير الخارجية اللبنانية، جبران باسيل، طالب فيها مفوضية اللاجئين بالتوقف عن تسجيل المواليد السوريين خوفًا من تغييرات “ديموغرافية” قد تشهدها المنطقة.

باسيل الذي رفض “إفراغ” سوريا من أهلها، على ما يقوله، شجع على إعادة توطين اللاجئين السوريين ولكن ليس في لبنان، بل في بلد آخر قادر على تحمل “أعبائهم”.

إلا أن المفوضية العليا للاجئين ردت على مطالب باسيل بقولها إنها لن تتوقف عن تسجيل أسماء المواليد السوريين في سجلاتها، بطلب من وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية المخولة بإصدار قرار إيقاف أو استمرار تسجيلهم.

ومع ذلك فإن التسجيل لدى المفوضية لا يغني عن التسجيل في دوائر الأحوال الشخصية اللبنانية، كي لا يصبح هؤلاء الأطفال “مكتومي القيد”.

خبير حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، فادي القاضي، قال لعنب بلدي إن القانون الدولي يجب ألا يتساهل مع فكرة أن هناك من يأتي إلى العالم، على تراب بلد معين، دون تدوين بياناته الخاصة وتوثيقها رسميًا.

واعتبر أن عدم تسجيل المواليد السوريين بحجة الخوف من التوطين، هو جزء من القيود “التعسفية” على وجود اللاجئين السوريين في لبنان بهدف “تطفيشهم”.

وتابع “لا يوجد أي تفسير قانوني لذلك، هي مجرد ممارسات ذات طابع تعسفي في ظاهرها، تهدف إلى وضع عراقيل وقيود على السوريين دون أي مبرر”.

وانتقد القاضي مفوضية اللاجئين لعدم اتخاذها إجراءات سريعة تدفع بمشكلة تسجيل المواليد السوريين إلى الأمام، وقال “مسألة مثل هذه لا ينبغي أن تضع حرجًا أو عبئًا على المفوضية، التي يعاب عليها بطء إجراءاتها”.

دعوات لعودة من لا يعترف النظام بسوريتهم

زادت التوجهات الرسمية، في الأشهر الأخيرة، نحو دعوة اللاجئين السوريين إلى العودة لبلدهم، وسط تجميل هذه الدعوة بالتأكيد على ضرورة أن تكون العودة “آمنة”.

إلا أن ما غفل عنه المطالبون بعودة السوريين هو عدم قدرة عائلات 260 ألف طفل، ولدوا في لبنان دون تسجيل، على العودة إلى سوريا، لعدم امتلاكهم وثائق تثبت نسبهم.

وهو ما أشار إليه النائب في البرلمان اللبناني، جابر ياسين، بقوله إن وجود مواليد سوريين في لبنان غير مسجلين في دوائر الأحوال الشخصية سوف يعرقل الجهود الرامية إلى عودتهم لبلادهم.

وتابع، في حديثه للوكالة الوطنية للإعلام، “إن أراد أهالي المواليد غير المسجلين العودة إلى سوريا، دون وثائق تثبت نسبهم، ستتم إعادتهم من الحدود السورية، وبالتالي ستبقى العائلة كلها في لبنان”.

ومن المتوقع أن تنقلب دعوات ترحيل السوريين، لاحقًا، إلى مطالب بتصحيح وضعهم القانوني، بما يكفل عودتهم في حال أُخذت تلك الدعوات على محمل الجد.

وأصدرت السلطات اللبنانية، في أيلول الماضي، قرارين لتسهيل الأوضاع القانونية للمواطنين السوريين المقيمين في لبنان.

الأوّل صدر عن المديرية العامة للأمن العام لتسهيل شروط تجديد الإقامة للسوريين من خلال إعفائهم من شرط مغادرة لبنان لتغيير الكفيل.

والثاني صدر عن مديرية الأحوال الشخصية ويهدف إلى تبسيط إجراءات تسجيل وثائق الزواج والمواليد الجدد من خلال إعفائهم من شرط سند الإقامة في بعض الحالات.

إلا أن القرارين لم يدخلا حيز التنفيذ حتى الآن، وفق ما أكده سوريون في لبنان لعنب بلدي.

وزارة النازحين السوريين تنفي

تعتبر وزارة النازحين السوريين في لبنان أن تسجيل المواليد الجدد “قائم”، إذ قال وزير الدولة لشؤون النازحين، معين المرعبي، إن المشكلة تكمن فيمن تجاوز أطفالهم العام، دون تسجيل رسمي في السفارة السورية أو دوائر الأحوال الشخصية.

وأكد المرعبي، في حديثه إلى موقع “المشارق” الإلكتروني، أن الوزارة “تسعى لتعديل قانون الأحوال الشخصية، لا سيما البند المتعلق بمن هم بعمر السنة وما فوق، لتحريرهم من لائحة مكتومي القيد، ووضعهم على لائحة خاصة”.

وحث اللاجئين السوريين على ضرورة تسجيل أطفالهم خلال عام من ولادتهم، بما يضمن حصولهم على أوراق ثبوتية ويمهد الطريق لعودتهم مع ذويهم إلى سوريا، وفق ما قال.

ولم يتطرق المرعبي إلى مشكلة فقدان عدد كبير من السوريين في لبنان لأوراقهم الرسمية، وهو ما يعيق تسجيل أطفالهم قبل سنة من ولادتهم.

المرعبي ختم بالحديث عن الجهود التي تبذلها وزارته لتذليل بعض المشاكل، عبر التعاون مع وزارة الداخلية، لإيجاد حلول قانونية تسهل تسجيل مواليد السوريين، بما يتناسب مع السياسة العامة للحكومة اللبنانية، حسبما قال.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة