القيود عن الحرمون لم تنكسر

ميليشيات “حضر” تنحاز للأسد

camera iconرجال دين من الطائفة الدرزية على الحدود الفاصلة مع الجولان المحتل - تشرين الثاني 2017 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – درعا

مثلت محافظة السويداء، بتركيبتها التي تغلب عليها طائفة الموحدين الدروز، حالة جدلية في مشهد الثورة السورية، إذ لم تعلن الولاء المطلق للأسد، ولم تلتحق بالمدن السورية الأخرى التي ناهضت النظام السوري.

لم تكن السويداء بعيدة عما يحصل في عموم سوريا، إذ شهدت قراها الشمالية والشرقية تبادلًا للسيطرة بين أطراف الصراع المختلفة، ودارت على حدودها الغربية معارك عنيفة انتهت بسيطرة المعارضة على ريف درعا الشرقي المتاخم لريفها الغربي.

حياد أقرب إلى الأسد

حافظت السويداء طوال السنوات الماضية على نوع من “الحياد”، الأقرب للأسد منه للمعارضة، وأبعدت نفسها عن أي تنسيق مع المناطق التي خضعت لسيطرة المعارضة، لكنها استقبلت النازحين منها.

في حين استطاعت إرغام قوات الأسد على تحييد أبناء المحافظة عن التجنيد الإلزامي وإرسالهم إلى قتال معارضيه على جبهات باقي المحافظات، كما أنها شكّلت فصائل مسلحة لا تغيب عنها “الصبغة العشائرية”، اصطدمت تارة بفصائل المعارضة وتارة أخرى بقوات الأسد، لأسباب مختلفة.

لكن هذا الواقع كان له منحى آخر، إذ أنقذ أبناء المحافظة النظام السوري من خسارة قواعد عسكرية مهمة، كما حصل إبان هجوم فصائل المعارضة على مطار الثعلة العسكري، حزيران 2015، حين اعتبرت هذه الفصائل أن دخول المعارضة للسويداء خط أحمر، حتى لو اقتضى ذلك القتال بجانب قوات الأسد.

ميليشيات حضرتنحاز للأسد

لم ينطبق الحال في السويداء على المناطق الأخرى ذات الغالبية الدرزية، وخاصةً في بلدة حضر بريف القنيطرة الشمالي، التي، رغم انخراط أبنائها في فصائل درزية الطابع، اختارت الانحياز الكامل لقوات الأسد في مواجهة فصائل المعارضة.

ووقفت هذه الفصائل رأس حربة في المعارك ضده المعارضة، بحسب اتهامات وجهت لها من قبل الأخيرة في أكثر من مناسبة، حتى تحولت البلدة وفصائلها إلى عقبة رئيسية في وجه المعارضة، التي حاولت مرارًا المرور منها باتجاه ريف دمشق الغربي، وأصبحت جزءًا من معادلة الحصار التي تفرضها قوات الأسد على منطقة بيت جن في جبل الشيخ.

وأجبرت الأحداث السابقة فصائل المعارضة على الاصطدام المباشر مع حضر وفصائلها، في معركة أسمتها “كسر القيود عن الحرمون”، والتي هدفت لفك الحصار عن المنطقة، التي تشهد منذ عدة أسابيع هجومًا شرسًا من قوات الأسد.

التأكيدات والتطمينات التي نشرتها غرفتا عمليات “جيش محمد” و”جبل الشيخ”، التابعتان للمعارضة، لأهالي بلدة حضر بأن المعركة لا تستهدفهم، وأن القتال ليس موجهًا ضد طائفة معينة، لم تمنع المئات من أبناء الطائفة الدرزية من التوافد إلى ساحة المعركة من أكثر من منطقة، ليسهموا بشكل كبير في قلب الموازين لصالح قوات الأسد.

واعتبرت أطراف في المعارضة أن ما حصل “قطع آخر شعرات معاوية بين الثوار وكل الفصائل الدرزية مجتمعة”.

القيادي الميداني في المعركة، “أبو جابر الجولاني”، قال لعنب بلدي إن الدعم الذي وفرته فصائل السويداء لمعركة حضر “يجب أن يؤخذ بعين الحسبان، ففكرة أن السويداء محايدة لم تعد مقبولة”.

وعزا القيادي فشل المعركة في المقام الأول إلى تشتت المقاتلين مع اتساع الجبهات، موضحًا أن “التعزيزات الكبيرة لقوات الأسد والفصائل الدرزية أدى لتوسع رقعة الاشتباكات، كما أن طريق الإمداد الذي تم فتحه لساعات قليلة كان طريقًا للمشاة فقط وإرسال الدعم إليه صعب”.

وألقى “الجولاني” اللوم على الفصائل المقاتلة في ريفي درعا والقنيطرة بسبب “التخاذل عن مؤازرة المعركة، والتذرع بعشرات الحجج لعدم المشاركة”، محذرًا في الوقت نفسه من خطر حقيقي يهدد بسقوط منطقة بيت جن بيد قوات الأسد في حال استمرت الفصائل بأخذ موقف المتفرج أمام تساقط المناطق المحاصرة في ريف دمشق الغربي الواحدة تتبعها الأخرى”.

“لا حلول أمام فصائل المعارضة لإنقاذ بيت جن، إلا بتكرار محاولات فك الحصار عنها”، بحسب القيادي، الذي اعتبر أن على الفصائل “التعلم مما حصل في المعركة الأخيرة بشكل حقيقي”، في إشارة منه إلى المشاركة الواسعة لميليشيات حضر في صد الهجوم.

واقع مأساويفي بيت جن

على الجانب الآخر، تعاني منطقة بيت جن من واقع “مأساوي”، وبات ارتفاع وتيرة الغارات الجوية والقصف الصاروخي والمدفعي على المنطقة يهدد حياة ما يقارب ألفي مدني محاصرين فيها، وسط محاولات حثيثة لقوات الأسد اقتحام المنطقة، يقابلها دفاع “مستميت” من فصائل المعارضة المنضوية في غرفة عمليات “جبل الشيخ”.

وخلفت المعركة الأخيرة عشرات الجرحى، بينهم من يعاني من جراح خطيرة، لا يجد سبيلًا لعلاجها إلا في مشافي الجولان المحتل، والتي أصبحت غير متاحة حاليًا، فيما يبدو أنه “إجراء عقابي من سلطات الاحتلال على خلفية المعركة الأخيرة، أو كرسالة تطمين للدروز في الجولان أن إسرائيل تقف إلى جانبهم ولن تقدم العلاج لمحاصري بيت جن”، بحسب ما تحدث مصدر طبي إلى عنب بلدي.

وأشار المصدر إلى أن أعداد الجرحى في ازدياد بشكل يومي، جراء القصف العنيف، وسط تراجع حاد في المستلزمات الطبية، وغياب كامل للتجهيزات المناسبة لعلاج الجرحى.

وناشد المصدر المنظمات الدولية، ومنها “الصليب الأحمر” و”أطباء بلا حدود”، بضرورة توفير الدعم العاجل للمنطقة، وتسهيل إخراج الجرحى إلى مناطق آمنة وتوفير العلاج لهم.

دفع توسع نفوذ فصائل المعارضة في مختلف الجبهات في السنوات الأولى للثورة السورية، الكثير من الأطياف المتخوفة من الثورة أو المتذبذبة منها، إلى الانسحاب من المشهد أو اختيار موقف المحايد، فهل فتحت عودة نفوذ النظام من جديد الباب أمام أصحاب أنصاف المواقف لتبديل مواقفهم مرة أخرى؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة