سوريا.. بلد الجثث والكيماوي على أبواب اتفاقية المناخ

لوحة رسمها أطفال سوريون لاجئون على خيمة في اليونان - أيلول 2016 (SyriaUntold)

camera iconلوحة رسمها أطفال سوريون لاجئون على خيمة في اليونان - أيلول 2016 (SyriaUntold)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – علي بهلول

“وهذه الصواريخ والبراميل التي تضرب ليل نهار نباتية وصديقة للبيئة مثلًا؟”، تقول جنى كردي الشابة السورية في مدينة اسطنبول، تعقيبًا على خبر انضمام سوريا إلى اتفاقية المناخ العالمية الموقعة في باريس عام 2015.

شكّل الخبر الذي أكدته وكالة “فرانس برس”، الأسبوع الماضي، صدمة مضحكة للكثير من السوريين، وسرعان ما ألفوا الدعابات حول الحدث، “افصلوا المناخ عن السياسة يا شباب”، يردّ مؤمن على زميلته في العمل متهكمًا.

وكان اتفاق المناخ الذي رعته الأمم المتحدة يهدف إلى الحد من الاحتباس الحراري، وامتنعت عن الانضمام إليه كل من سوريا ونيكارغوا فقط، قبل أن تنضم إليهما الولايات المتحدة الأمريكية بعد وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة.

وفي 7 تشرين الثاني 2017، أعلن وفد النظام إلى قمة المناخ المنعقدة في مدينة بون الألمانية، أن سوريا ستشارك في الاتفاقية، لتكون الدولة 197 في الاتفاق بعد أن سبقتها نيكارغوا إلى الانضمام، تاركين بذلك ترامب وحيدًا خارج هذ الحلف العالمي.

إلا أن واشنطن لم تفوّت فرصة السخرية من طلب النظام السوري الانضمام لاتفاقية المناخ، فقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية، هيذر ناورت، “إذا كانت حكومة الأسد تهتم كثيرًا بما هو موجود في الجو، فالأحرى بها أن تبدأ بعدم قصف شعبها بالغازات السامة”.

وهذا ما أثار غضب العديد من الناشطين، الذين اعتبروا التصريح اعترافًا أمريكيًا باستخدام أسلحة كيماوية من قبل النظام السوري ضد المدنيين، وبدل أن تحرك الإدارة الأمريكية موقفًا دوليًا ضد النظام تكتفي بالسخرية.

أراضٍ من القرون الوسطى

يُعدل مؤمن نظّارته السميكة، ويحاول أن يتحدث بهدوء وبابتسامة لا تفارق وجهه، فيخبرنا عن الأوبئة المنتشرة بين المعتقلين في فرع 215 بدمشق، والذي سرّب منه الضابط “سيزر” صورًا هزّت العالم، ويتساءل ساخرًا إذا ما كان اتفاق المناخ العالمي سيضع نهاية للمعتقلات بوصفها “بؤر تلوث بيئي” هذه المرة.

“اعتُقلنا في العام 2013 أنا وأخي الصغير بسبب مشاركتنا بالمظاهرات، وكان نصيبنا أن نحتجز في فرع الأمن العسكري 215″، يُشعل مؤمن سيجارته “حين كان يموت أحدنا في الزنزانة المليئة بالأشخاص الملتصقين تمامًا ببعضهم البعض، لم نكن نجرؤ أن نخبر السجّان بذلك، فالتعليمات واضحة، قبل أن يصل عدد القتلى إلى خمسة أو ستة أشخاص لن يتعذب السجانون بنقل الجثث فرادى، وسنُعاقب على إزعاجهم”.

يتلفت مؤمن حوله لكنه يصرّ على الابتسام بشكل مربك إذ لا يتوافق هذا الوجه اللطيف مع التجربة التي يرويها “كنا ننام مع جثث، الأحياء منا كانت جروحهم متقيحة فما بالك بالأموات، أحيانًا (أستغفر الله) كنا ننتظر موت المزيد منا لنتخلص من الجثث، وصلنا إلى هذا الحد”.

عدة معتقلين نجوا من سجون مختلفة في دمشق أكدوا لنا ما قاله مؤمن، موضحين أنه بدءًا من نهاية العام 2014 ارتفعت نسبة القتلى في المعتقلات بسبب الأمراض والأوبئة والقذارة وحدها، دون أن يتعرض المعتقل لتعذيب مبرح جسديًا، وفق ما عاشوه من تجارب على أقل تقدير.

سامر.ن طالب جامعي (هندسة عمارة) وناشط في دمشق، شارك بمظاهرات ونظم بعضها مع أصدقائه، قال لعنب بلدي إن المعتقلات تحولت إلى أراضٍ من القرون الوسطى، حيث من السهل جدًا أن يفتك المرض بأعداد كبيرة من المساجين بسبب كثافتهم في مساحات ضيقة للغاية.

الجثث في الشوراع

وبالرغم من رفض النظام السوري الاعتراف بهذه الجرائم التي وثقتها تقارير دولية، بوصفه للصور المسربة وشهادات الناجين بأنها مزيفة، تبقى العديد من الدلائل واضحة للعين المجردة بحيث لا يمكن إنكارها.

ومن جملة هذه الدلائل الجثث التي انتشرت على أطراف الطرق المحاذية لمناطق ساخنة. جنى كردي عاشت تجربة “مرعبة” حين مرّ ميكرو كانت تستقله من العاصمة إلى إحدى بلدات الريف الدمشقي من أمام جثة ملقاة أرضًا.

تحاول جنى أن تتذكر بدقة “كان هذا عام 2013، وكان أكثر ما يخيفني أن أتعرض لمثل هذه المواقف، أن أرى جثثًا في الشوارع، فقد سمعت عدة مرات من زميلات لي في الجامعة، بينهن مواليات للنظام، أنهن رأين جثثًا في الطرقات، مهملة ويمنع الاقتراب منها”، وتردف “بالمناسبة كانت الجثة على مسافة قريبة من حاجز لقوات النظام، ويمرّ الناس من أمامها دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب منها”.

مخلفات الحرب على بازار المناخ

ويأخذ المتابعون بالحسبان تصرفات أخرى للنظام السوري وفق ما رصدت عنب بلدي، إذ أشار العديد من السوريين إلى تخلي مؤسسات النظام “المدنية” عن مهامها في المناطق الثائرة، ما سبب مشاكل في الصرف الصحي والتخلص من القمامة، ولم يختلف الوضع كثيرًا عن المناطق الخاضعة لسيطرته في دمشق، وكان آخر هذه الأحداث في الشتاء الماضي حين غرقت شوارع العاصمة بالمياه بسبب أمطار عادية، وفق الصور المتناقلة لصفحات إخبارية محلية على “فيس بوك”، فضلًا عن استهداف ينابيع مياه مثل “الفيجة” بالصواريخ في سبيل السيطرة على المنطقة.

ناشطون من محافظة حماة أفادوا عنب بلدي أيضًا عن مسؤولية النظام السوري عن حرق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي تُشكل مصدر دخل رئيسي للعائلات، أثناء انسحابه من مناطق سيطرته، مع كل تقدم لقوات المعارضة، وهو ما اعترفت به رئيسة التنوع الحيوي والمحميات الطبيعية في وزارة الإدارة المحلية والبيئة، ميادة سعد، التي صرحت رسميًا لوكالة “سبوتنيك الروسية” عن حرائق بالمئات في الغابات السورية، لكن هذه المرة مع تعديل طفيف باتهام “الإرهابيين”.

العميد زاهر الساكت، مدير مركز توثيق الكيماوي، أوضح لعنب بلدي أن تأثير الكيماوي على الأرض والبيئة والكائنات الحية يمكن أن يزول خلال عام إلى ثلاثة أعوام، بعكس المواد المشعة التي يستمر أثرها لنحو 15 عامًا.

ويضيف الساكت أنه لم يتوقع أن تكتشف لجنة حظر الأسلحة الكيميائية آثارًا لاستخدام غازات مثل السارين، لا سيما وأنها تأخرت ثلاثة أشهر بعد الهجوم الذي نفذه النظام حتى بدأ تحقيقها، لذلك فإن محاولة إشراك النظام في اتفاقية المناخ ليس أكثر من محاولة لتلميع صورته.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 207 هجمات منذ آذار 2011 وحتى نهاية تموز 2017، تسببت بمقتل ما لا يقل عن 1420 شخصًا، بين مدنيين وعسكريين، إضافة إلى إصابة ما لا يقل عن 6672 آخرين.

إلا أن متابعين لقضايا المناخ والبيئة يعتقدون أن المجتمع الدولي يسعى إلى الاستفادة من مخلفات المعارك في سوريا، والتي توفر مبالغ طائلة في عمليات إعادة التكرير، وبالتالي الحد من التصنيع الملوث للبيئة، وأنهم مقابل هذه الصفقة مستعدون لإرضاء طرف أساسي مشارك في الحرب فقط لمجرد سيطرته على هذه المخلفات.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة