في اليوم العالمي لمناهضته.. المرأة السورية ضحية عنف غير محدود

camera iconصورة لامرأة تعرض بيتها للقصف والدمار في حلب المصدر (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدينينار خليفة

ماذا أقول لك؟

“اغتصبوا ابنتي قبل خروجها من المعتقل.

لقد اغتصبوا البلد بمن فيه، كلنا مغتصبون، لم يعب ابنتي ما حدث معها، فهي ماتزال جميلة، إنها تتعافى، ومعنوياتها تتحسن، لقد بقيت كما كانت كلها أمل وحياة.

أحيانًا تبكي كثيرًا، وتقول لي: أنا لا أبكي على نفسي، كثيرات مثلي عذبن وتم الاعتداء عليهن، أنا أبكي على البلد، أبكي على الضحكة التي سرقوها منا ولم أعد أراها في عيونك”.

“ذات يوم من عام 2012، اتجهت بسيارتي المليئة بمواد طبية، وأكياس دم، وحرامات، وأدوية أطفال، باتجاه دوما.

اقتربت من الحاجز، كنت مطمئنة، فأنا ابنة المنطقة، ومن الأقليات، ما يعني أنه لن يتم تفتيش سيارتي، عند الحاجز، انفتح باب سيارتي، وامتدت أياد قوية شدتني من شعري، أدخلت رأسي في كيس أسود، أخرجتني، وضعت في يدي القيد، ودفعتني إلى داخل سيارة أخرى. استغرقت العملية دقيقة ونصف، لم يبقَ خلالها عسكري على الحاجز لم يمد يده علي، أو لم يسمعني كلامًا بذيئًا”.

انتهاكات لا يمكن حصرها، تلك التي تعرضت لها المرأة السورية على مدار السنوات السبع الماضية وماتزال تتعرض.

القتل جراء القصف والمعارك الدائرة، الاحتجاز التعسفي، الموت ضمن مراكز الاحتجاز، الاختفاء القسري، التعذيب، الاغتصاب، اتخاذها رهينة أو درعًا بشريًا.

هكذا وصفت مسؤولة البرامج في منظمةأورنموالمعنية بتوثيق الانتهاكات ضد الأشخاص المحتجزين وخاصة النساء، سيما نصار، الانتهاكات بحق المرأة السورية، مضيفة أنه خلال السنوات الأخيرة زادت بشكل ملحوظ مخاطر الألغام، والتشريد، والتهجير القسري، والعنف الإلكتروني وغيرها.

وأدى امتداد رقعة النزاع على مساحات جغرافية كبيرة، وطول أمده فضلًا عن بروز مجموعات مسلحة مختلفة، إلى خلق سياق ملائم للعنف ضد النساء بما فيه العنف الجنسي.

سيما نصار، أوضحت أنه خلال الحرب فرضت الإساءات ضد النساء كأسلوب مقصود من قبل أطراف النزاع لهزيمة الطرف الآخر من منظور رمزي ونفسي، الأمر الذي جعل من النساء هدفًا مرغوبًا فبقين دائمًا الحلقة الأضعف رغم تعاقب سلطات وقوى مختلفة على السيطرة.

صعوبة حصر حالات العنف ضد النساء السوريات

من الصعوبة بمكان حصر حالات العنف التي طالت المرأة السورية خاصة في ظل ظروف الحرب، وتؤكد نصار، أنه مازال من الصعب رسم صورة شاملة لظاهرة العنف ضد النساء في السياق السوري وذلك لاعتبارات عدة، إذ يطغى صوت السلاح فوق كل الأصوات، وبينما توجد إحصائيات عديدة للضحايا النساء، لا يمكن أن نرى إحصائية لأولئك اللواتي تعرضن للابتزاز الجنسي خلال محاولاتهن الحصول على معلومة عن زوج أو ابن أو أخ مختفٍ قسرًا، أو معرفة كم هي عدد المرات التي تعرضت فيها الفتيات للتحرش عند حاجز الحي الذي تقطن فيه بمناطق تخضع لسيطرة النظام، أو كم سيدة قررت عدم الخروج من منزلها بسبب التضييق على تحركاتها ولباسها في مناطق تخضع لجماعات متشددة.

كما يغيب بشكل مقصود العنف الذي تتعرض له النساء في المخيمات سواء في الداخل أو بدول اللجوء.

وأرجعت نصار صعوبة الإحصاء والتغييب لتحديات مهمة تتعلق بالسياق الاجتماعي والثقافي السوري، وبمنهجية توثيق العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي، فالعائلات تظل مترددة بالإبلاغ عن اختطاف واعتقال النساء، كما يصعب إجراء مقابلات مباشرة مع الضحايا فمعظمهن يرفضن التحدث، خاصة عندما يكون للإساءات التي تعرضن لها بعد جنسي.

ويضاف ذلك إلى تحديات أخرى تشمل الظروف الأمنية العصيبة، وضعف الثقة بأهمية وفائدة توثيق الانتهاكات، ونقص الخبرات والموارد لدى جماعات حقوق الإنسان السورية، وغير ذلك من التحديات.

وبالتالي تجد النساء أنفسهن ضحايا مرتين، أولًا من خلال الجريمة ذاتها، وثانيًا من خلال تحمل الصمت الذي يحيط بالجريمة، وما يرافقها من إفلات من العقاب وضغط اجتماعي متصل بها.

إحصائيات حول العنف ضد المرأة السورية

في ورقة “حقائق حول العنف ضد النساء”، التي أصدرتها مجموعة من المنظمات السورية (شملت كلًا من منظمة أورنمو، الرابطة السورية للمواطنة، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، المركز السوري للإحصاء والبحوث، والمحامية دعد موسى) بالتعاون مع الشبكة الأورومتوسطية للحقوق، إحصائيات حول حالات الاعتقال التي تعرضت لها المرأة السورية منذ آذار 2011 إلى تشرین الثاني 2017.

ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” اعتقال 8289 امرأة مازلن محتجزات لدى قوات الأمن السورية في جميع أنحاء سوريا، بینھن ما لا یقل عن 599 فتاة تقل أعمارهن عن 18 عامًا، وما لا یقل عن 107 سیدة اعتقلن مع أطفالھن، 57 امرأة على الأقل لقین حتفھن أثناء الاحتجاز وبسبب التعذيب.

وقد وثقت منظمة “أورنمو” اعتقال 4398 سيدة، بينهن 299 فتاة تقل أعمارهن عن 18 عامًا، منهن 3149 لا تعرف أي معلومة حول أماكن وجودهن، كما قتلت منھن 109 امرأة و14 فتاة تقل أعمارهن عن 18 عامًا.

ووثق “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” اعتقال 2271 سیدة و111 فتاة كما قضت 139 سیدة تحت التعذيب أو خلال الخطف أو الاختفاء القسري و15 طفلة لذات الأسباب.

كما وثق “المركز السوري للإحصاء والبحوث في سوريا“ 427 احتجزن تعسفيًا، بينهن 14 فتاة تقل أعمارهن عن 18 عامًا، إضافة لثلاث غير محددات العمر، وقضت 78 امرأة حتفهن داخل مراكز الاحتجاز وبسبب التعذيب، بينهما قتلت اثنتان تقل أعمارهن عن 18 عامًا، وواحدة غير محددة العمر.

وأكدت الورقة أنه من الصعب معرفة الأرقام الدقیقة للمحتجزين، إذ لا يتيح النظام السوري للمراقبين المستقلين إمكانية الوصول إلى مراكز الاحتجاز.

نصف المجتمع “المحطَّم”

أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرًا بعنوان “المرأة السورية… نصف المجتمع المحطَّم”، بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وثقت فيه أبرز الانتهاكات المرتكبة بحق الإناث السوريات من قبل الجهات الرئيسية الفاعلة في النزاع السوري منذ آذار 2011.

ووثق التقرير مقتل ما لا يقل عن 24746 أنثى على يد أطراف النزاع السوري حتى تشرين الثاني 2017 يتوزعون إلى 13344 أنثى بالغة و11402 أنثى طفلة. 

وأكد التقرير أن جميع أطراف النزاع ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق الإناث في سوريا، لكن النظام السوري ارتكب وبشكل متعمّد وممنهج الحجم الأكبر من هذه الانتهاكات.

الدستور السوري لم يحظر التمييز ضد النساء

الباحثة وعضو مجلس الإدارة برابطة النساء السوريات، صباح حلاق، تحدثت لعنب بلدي حول “ورقة الحقائق عن العنف ضد المرأة السورية” التي تم إصدارها بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة المصادف 25 تشرين الثاني، والتي ستستمر 15 يومًا حتى 10 كانون الأول، وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان.

وأوضحت حلاق أنه تم التركيز في هذه الورقة على العنف قانونيًا، وأشارت إلى أن الدستور السوري لعام 2012 لم ينص على المساواة بين النساء والرجال، ولا على مادة تحظر التمییز ضد النساء، ولا على تجريم العنف ضد النساء، لافتة إلى أن قوانين الأحوال الشخصية التي تحكم الأسر السورية ماتزال تحتكم إلى الشرائع، ولذلك مايزال تشريع العنف بين الرجال والنساء موجودًا في القوانين وفي الدستور.

وبينت حلاق أن الورقة تطرقت إلى العنف الموجود أثناء النزاعات المسلحة، وعن وضع المرأة السورية خلال النزاع، مع تغطية حالات من معظم المدن السورية ومن اتجاهات مختلفة.

كما قدمت الورقة توصيات إلى الجهات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي، وإلى النظام السوري، وتم الاتفاق على أنه يفترض أن تعامل النساء السوريات معاملة المواطنات بذات الحقوق والواجبات، كما تم التأكيد على أهمية مساهمة النساء بعمليات بناء السلام لاستدامته، وذلك عبر وجودهن على طاولة مفاوضات الحل السياسي، أو كمستشارات جندريات، أو في المجتمع المدني بغرفة المجلس الاستشاري، وأن يشاركن في العملية الانتقالية من الألف إلى الياء لضمان حقوق النساء وحمايتهن.

مراكز حماية تلجأ إليها المرأة المعنّفة

ولمعرفة إلى أين يمكن أن تتوجه المرأة السورية في حال تعرضها لأي نوع من أنواع العنف، أشارت حلاق إلى اختلاف فعالية المنظمات الحقوقية المختصة بحماية المرأة بحسب المناطق.

ففي دمشق توجد ثلاث دور لإيواء المعنفات وهي دار إيواء “الراعي الصالح”، ودار إيواء “المحبة”، ودار إيواء “واحة الأمل”.

وتستقبل هذه الدور النساء اللواتي تعرضن للعنف من جميع المحافظات السورية، ومن جميع الأعمار والخلفيات السياسية، واختلاف الجھة التي تسببت لھن بھذا الجرم (أسرة، أطراف متحاربة)، ولكن لا یتم التطرق للجانب الحكومي عندما یكون ھو الجاني غالبًا وذلك بسبب حساسیة الأمر والخوف من عملیة انتقامیة جدیدة. وتقدم هذه المراكز المأوى والاستشارات القانونية.

وبيّنت حلاق أنه في لبنان يتم التعاون في هذا الصدد مع منظمتي “كفى” و”أبعاد” و”المفوضية السامية لحقوق الإنسان”، وتوجد أيضًا منظمات سورية تقدم الدعم النفسي وكل الحماية.

كما أن كل النساء السوريات المقيمات في لبنان ينطبق عليهن قانون “حماية النساء من العنف” ويحق لهنّ اللجوء إلى الأمن أو إلى أي منظمة لتقدم لهن هذه الخدمات.

مسؤولة البرامج في منظمة “أورنمو”، سيما نصار، وفي سياق حديثها عن المراكز المخصصة للمرأة المعنفة قالت “للأسف نفتقد لوسائل الحماية قبل حصول الانتهاك وبعده”.

وأشارت إلى أن أحد الاقتراحات المتوفرة في حال تعرض السيدة لعنف أسري أو غيره، هو الاتصال بهاتف الثقة لضحايا العنف الأسري والمهجرين والمنكوبين 0119219، وهو خط مجاني يقوم عليه مجموعة من القانونيين في دمشق لمساعدة السيدة في الداخل، وكذلك لتقديم مشورات للنساء في الخارج حول أمورهن القانونية.

أما في دول الجوار فتوجد بعض منظمات المجتمع المدني المعنية بحماية النساء.

لكن وبحسب نصار تبقى السيدة المعنفة عاجزة أغلب الوقت عن الوصول لمقدمي الخدمات وإن توفرت، إما لجهلها بها أو بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية والانتقام.

اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

يحتفل العالم سنويًا في الخامس والعشرين من تشرين الثاني، باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، والذي أقرته الأمم المتحدة منذ العام 1999.

والعنف ضد المرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان تعاني منه أكثر من 70% من النساء في العالم ينتج عنه التمييز ضد المرأة قانونيًا وعمليًا، ويعكس استمرار نهج اللامساواة بين الجنسين، ويعد واحدًا من انتهاكات حقوق الإنسان الأوسع نطاقًا في العالم، لأنه يتخطى الحدود والعرق والثروة والثقافة والجغرافيا، ويحدث في كل مكان في المنزل أو في العمل، في الشوارع أو في المدارس.

 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة