المكان "الأكثر غموضًا" لدى "تحرير الشام"

معتقل سابق في سجن العقاب بإدلب يروي خفاياه

camera iconساحة سجن حماة المركزي - 4 كانون الأول 2016 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – إدلب

مغارات كبيرة تضم مهاجع ومنفردات وغرفًا للسجانين والمحققين، تبدو سجنًا عاديًا، إلا أنها وصفٌ لسجن “العقاب”، الذي تديره “هيئة تحرير الشام” في إدلب، جاء على لسان أحد المعتقلين السابقين فيه.

لا يخفى سجن العقاب على أهالي إدلب، إلا أن التفاصيل اليومية التي يعيشها المعتقلون ونموذج الحياة داخل السجن، ربما يكون الأمر الأكثر غموضًا حتى اليوم، منذ تأسيسه أيام “جبهة النصرة”، ليردع من يعارض سياستها في محافظة إدلب.

 يضم السجن الكائن في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، العشرات من المعتقلين بتهم مختلفة، وأغلبهم من المناهضين لتوجه “تحرير الشام.

استطاعت عنب بلدي الوصول إلى معتقل سابق في السجن (أ.ز)، الذي طلب عدم ذكر اسمه كاملًا، واكتفى بالقول إنه اعتقل في وقت سابق من العام الحالي، خلال اقتتال بين فصيله و”الهيئة”، وقضى داخل السجن شهرًا كاملًا داخل مهجع (غرفة) مساحته 175 مترًا، مع 80 شخصًا آخرين.

ويقول المعتقل السابق إن “العقاب” ليس سجنًا فقط، “فهو لواء كبير يتبع للهيئة التي توكل له مهمة أمنية باعتقال كل من يعارض فكرها أو يأتي على الأفعال التي تحرمها”.

يوم في “العقاب”

يستيقظ المعتقلون عند صلاة الفجر يوميًا، “أحيانًا لا تتوفر المياه، فيطلبون منا التيمم بالجدران، ولا أعلم إن كان الأمر جائزًا شرعًا”، وفق المعتقل السابق، الذي يتحدث عن صعوبة العودة إلى النوم بعدها “بسبب الرطوبة المرتفعة والحرارة العالية والازدحام الشديد”.
ويروي “نبقى على هذه الحالة حتى صلاة الظهر وحينها يأتي طعام الفطور المتكرر (شوربة عدس، زيت وزعتر، مربى بندورة)، وتوزع يوميًا أربعة أرغفة من الخبز، قسم للغداء والباقي يحتفظ به المعتقل لفطور اليوم التالي”.

طعام الغداء “فريكة، رز، أو مجدرة”، ويشرف على التوزيع عادة عساكر من النظام معتقلون من مطار “أبو الظهور” العسكري في ريف إدلب، ويديرون الخدمات في السجن منذ سنوات، وفق المعتقل، الذي يشير إلى أن 12 منهم استطاعوا الهرب العام الماضي، “كانوا ينسقون للانشقاق مع قيادي في الهيئة، قتل لاحقًا، ما دعا لسجنهم كأسرى حرب”.

الفسحة “عشوائية” وقدوم الشرعي “عرس”

حوارات متكررة بين المعتقلين وأحاديث للتعارف مع القادمين الجدد، ويوضح المعتقل أن “التنفس في فسحة السجن ليس منتظمًا، فقد يجري كل ثلاثة أو أربعة أيام لمرة واحدة”، واصفًا قدوم الشرعي إلى السجن بأنه “عرس”.

وصول الشرعي إلى السجن يعني الإجابة على كافة الأسئلة التي تراود المعتقلين، وفرصة لطلب تحسين الخدمات، “فعليًا لا أحد يهتم لدرس الشرعي، والذي يكون موجهًا حصرًا حسب فكر الهيئة ومنهجها، لذلك نهتم بلقائه لكي يخبرنا ما يجري خارج السجن، ونحصل على إجابات قد تبث الأمل في قلوبنا اليائسة”.

التعذيب

ينتقل المعتقل للحديث عن التعذيب داخل السجن، الذي لم يعايشه خلال فترة سجنه، “لأنه معتقل لمشكلة فصائلية وسبب احتجازه الضغط على فصيله”، كما يقول، موضحًا “الفلقة الشهيرة والجلد أمر طبيعي، وكذلك الدولاب وبساط الريح (طرق تعذيب في سجون النظام)”.

وينقل المعتقل روايات لأشخاص تعرضوا للتعذيب، “أصعبه الشبح عن طريق ربط اليدين ورفعها خلف الجسد”، متابعًا حديثه بحركة يديه المرتجفة، “أشد أنواع التعذيب تتمثل بالتابوت، وهو عبارة عن صفائح حديدية تشبه بتشكيلها البراد المنزلي، يوضع المعتقل بداخله وهو مشبوح، ويحرك السجان الصفائح للتضييق عليه”.

وتختلف مدة التعذيب في “التابوت”، حتى الحصول على اعترافات، وفق المعتقل الذي يقول نقلًا عن آخرين، “تحسبه قبرًا يلتصق بجسمك ويمنعك من الحراك، ويصدر الضغط المستمر صوت طقطقة العظام في الجسد”.

يصف المعتقل القادم من التعذيب بتلك الوسيلة، بأنه “كان يأتي إلى المهجع كأنه جثة تسير، ترى يديه أمامه ويمشي بصعوبة كبيرة، وما إن يصل يهوي إلى الأرض لنتوجه مباشرة نحوه ونساعده في الاستناد على الجدار”.

ملثمون يديرون السجن وأجانب ضمنه

جميع العاملين داخل السجن ملثمون، يقول المعتقل، الذي لم ير وجه أي منهم طوال فترة اعتقاله، “عندما نتحرك خارج المهجع تعصب أعيننا، لذلك لم أشاهد تفاصيل خارجه”.

وبحسب المعتقل، فإن حالات الإصابة بأمراض فطرية وجلدية لا تتوقف ضمن السجن، “اللجنة الطبية تأتي كل ثلاثة أيام لعلاج المرضى وتوزيع الدواء المناسب على كل شخص بحسب مرضه”.

من بين المعتقلين داخل السجن “مهاجرون” من خارج سوريا، وصلوا إليها للقتال مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، وأسرتهم “تحرير الشام” قبل وصولهم، وفق المعتقل، الذي ينقل رواية معتقلين آخرين مطلعين على وضعهم، “تحاول الهيئة تغيير فكرهم وإقناعهم بالقتال في صفوفها، إلا أنهم عازمون على العودة إلى بلادهم، وهذا ما وعدهم القاضي بتنفيذه”. 

“ادفع تخرج”

الأمر المتعارف عليه داخل السجن، أنه في حال تواصل أحد الأشخاص من خارجه مع “تحرير الشام”، واتفق على دفع مبلغ من المال، فذلك يضمن خروجه، بحسب (أ.ز)، موضحًا “حصل هذا مع شخصين من جبل الزاوية كانت تهمتهم تجنيد مقاتلين لصالح (درع الفرات)، وخرجوا بعد 15 يومًا بعد دفع مبلغ مالي كبير”.

وتختلف قيمة المبالغ بحسب التهمة والقدرة المادية للشخص، الذي يدرس وضعه الكامل من قبل مختصين داخل السجن، بحسب المعتقل.

قصة أخرى من داخل السجن

“في فترة الاعتقال لا يسعك إلا الحديث مع المعتقلين والتعرف عليهم، فهناك الجرائم الجنائية والانتماء لتنظيم الدولة ولدرع الفرات”، يتابع المعتقل حديثه، مشيرًا إلى أنه تعرف على شخص من بلدة الجديدة في ريف حماة، وتعرف على قصته.

ويروي المعتقل أن الشاب الحموي كان طالبًا جامعيًا، وكان يؤمّن الجنود الراغبين بالانشقاق من قوات الأسد في وقت سابق، موضحًا “لدي أحد الأقارب في الهيئة إلا أن خلافًا شخصيًا نشب بيني وبينه، دعاه للشكوى ضدي بأني عميل للأسد واعتقلت على أساسه”.

حكم الشاب لستة أشهر ومايزال داخل السجن رغم قضائه فترة حكمه، “قالوا لي إن مدة حكمي ستخفض يومًا عن كل صفحة قرآن أحفظها، وأنا اليوم حافظ لـ180  صفحة ولم يفرج عني حتى الآن”.

تواصلت عنب بلدي مع “تحرير الشام” للرد على رواية المعتقل السابق، إلا أنها لم تلق ردًا، كما أن “الهيئة” لا تخوض في تفاصيل معتقلاتها إلى العلن عادة.

يقول جلال الحمد، مدير منظمة “العدالة من أجل الحياة”، ومقرها مدينة غازي عنتاب التركية، في حديثه لعنب بلدي، إن قرار الجمعية العامة رقم 43/173، ينص على مجموعة من المبادئ حول حماية الأشخاص الذي يتعرضون لأي شكل من احتجاز الحرية أو السجن.

وبحسب مدير المنظمة “يجب معاملة هؤلاء الأشخاص معاملة إنسانية، دون إخضاعهم للتعذيب أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة”، كما لا يجوز تعنيفهم خلال التحقيق أو تعريضهم لأساليب استجواب، “تنال من قدرتهم على اتخاذ القرارات”، إلا أن معظم تلك المبادئ لا تطبق فعليًا حول العالم.

أبرز المعتقلين في سجن “العقاب”

أحمد الخولي، قائد حركة “حزم”، والمعروف بـ “أبو عبد الله”، اعتقلته “جبهة النصرة” مطلع العام 2015، وهو من مؤسسي “كتيبة الفاروق” في مدينة حمص عام 2011، وأسس “فاروق الشمال” العاملة في إدلب وحماة، ثم ساهم في تأسيس الحركة مطلع عام 2014، لتكون أكبر فصيل في “الجيش الحر” قبل القضاء عليها على يد “النصرة”.

ووفق المعتقل الذي حاورته عنب بلدي، فإن الخولي مازال داخل منفردة في سجن “العقاب” حتى اليوم.

باسم الحمود، من مدينة كفرنبل، اعتقلته “تحرير الشام” نهاية تشرين الأول الماضي، ويحترف رماية صواريخ “تاو”، الذي بدأ بها عام 2014، منذ عمله في “الفرقة الشمالية”، التي انحلت في “جيش إدلب الحر”.

كما اعتقلت “الهيئة” سهيل الحمود “أبو التاو”، ثم أطلقت سراحه في أيار الماضي، وينحدر من بلدة أبديتا في إدلب، وهو من المنشقين عن قوات الأسد في آذار 2012، بعد تطوعه برتبة مساعد، واختصاص رامي صاروخ “مالوتكا”، كما عمل في فصائل مختلفة آخرها “جيش إدلب الحر”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة