“تاجرات شنطة” لبيع المنتجات التركية في دمشق

camera iconشابة سورية تتفقد منتجات تركية في متجر ألبسة باسطنبول - 16 كانون الأول 2017 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رهام الأسعد

من تركيا، التي أعلن النظام السوري قطع علاقاته التجارية معها نتيجة لموقف الحكومة التركية المساند للثورة السورية، انطلقت مشاريع منزلية فردية، وإن صح القول “نسائية”، نحو استيراد ملابس تركية وجلبها إلى العاصمة دمشق، بطرق عدة لم تطلها مساءلة الدولة بعد.

ألحت الحالة الاقتصادية المتدهورة على السوريين لإيجاد مصدر دخل جديد، وإن تجاوز في بعض الأحيان قوانين تجارية فرضتها حكومة النظام السوري، تحت اعتبارات سياسية طالت جوانب مختلفة من حياة المواطن السوري.

تجارة “رقمية” صغيرة في دمشق

شاعت فكرة المشاريع الفردية في سوريا، وبالتحديد استيراد الملابس التركية وبيعها من المنازل بعيدًا عن الأسواق التجارية، وانتشرت مجموعات تسويقية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تروج لهذه البضائع الصغيرة، حسنة السمعة، بين السوريين.

كما شاعت فكرة العمل بشحن تلك الملابس، علانية، بين السوريين في تركيا، وصلت حد افتتاح مكاتب لشحن الملابس فقط، تقدم عروضًا للعاملين في التجارة داخل سوريا.

إقبال كبير على الملابس التركية، مقرون بالجودة والسعر، تقول السيدة هدى إنها لمسته من خلال عملها في بيع الملابس التركية في العاصمة السورية، ضمن مشروع بدأته قبل شهرين، استوردت خلاله دفعتين من ملابس الأطفال، واصفة المشروع بـ “المربح”.

هدى قالت لعنب بلدي إن التجارة الصغيرة، التي شاعت بين أوساط النساء في دمشق، غالبًا تعتمد على وجود معارف وأقارب في تركيا يسهلون عملية شراء الملابس بالمفرق، وليس بالجملة، ثم شحنها بطرق مختلفة وصولًا إلى سوريا.

الفكرة تعتمد بالأساس على شقين، الأول عبر عرض صور للملابس التركية قبل شرائها، أو ما يعرف بـ “التواصي”، ثم شراء البضائع التي تكون قد بيعت مسبقًا، والثاني يكون بشراء الملابس من تركيا ثم عرضها على الزبائن في المنازل أو عبر مواقع التواصل.

منافسة للبضائع المحلية.. سعرًا وجودة

ارتفاع غير مسبوق لأسعار الملابس السورية، محلية الصنع، كان كفيلًا بنجاح المشاريع الفردية للملابس التركية، التي حظرتها حكومة النظام السوري بموجب قرار صدر في أيلول 2011، يقضي بفرض حظر واسع النطاق على الواردات التركية إلى البلد.

ورغم أن أرباح تلك المشاريع وصلت حد 75% من رأس المال، باستثناء تكلفة الشحن، فإنها ووفقًا للعاملين بها ووفقًا للسوريين داخل البلد تبقى أرخص من الملابس المحلية، ذات النوعية الجيدة نسبيًا.

تباع كنزة الأطفال الشتوية، تركية الصنع، في دمشق بـ 7500 ليرة سورية (ما يعادل 17 دولارًا)، فيما لا يتعدى ثمنها الحقيقي في الأسواق التركية أربعة آلاف ليرة سورية (ما يعادل عشرة دولارات)، ويقدر سعر الشحن للقطعة الواحدة بـ 500 ليرة سورية (دولار تقريبًا)، كما قالت هدى.

أما الكنزة الشتوية محلية الصنع فيصل سعرها في دمشق إلى ما متوسطه عشرة آلاف ليرة سورية (24 دولارًا)، ويتعدى بعضها حاجز 12 ألف ليرة سورية، وفق ما رصدت عنب بلدي في الأسواق السورية.

قانونيًا قد لا تندرج تلك المشاريع تحت مسمى التجارة، وربما لا تدقق حكومة النظام السوري على مشاريع فردية كهذه، لا تحمل صفة رسمية بين بلدين متناحرين سياسيًا واقتصاديًا منذ سبع سنوات.

ومع ذلك فإن العاملين فيها يتحرون الدقة منعًا للمساءلة القانونية، عبر إزالة الأسعار عن الملابس، وإدخالها على أنها بضائع شخصية قديمة.

الشحن برًا وجوًا.. مع مكاتب وبدون

بعد تراجع التبادل التجاري الرسمي بين تركيا والنظام السوري، بنسبة 85%، وفق بيانات وزارة الاقتصاد في حكومة النظام السوري، لعام 2013، قدمت تركيا تسهيلات عدة للتجار في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة السورية.

مناطق المعارضة تلك أصبحت ممرًا لعبور الملابس التركية من تركيا إلى الشمال السوري، عبر معبر باب السلامة ومعبر باب الهوى، ومنها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

عنب بلدي تحدثت إلى أحد مكاتب الشحن التي استحدثها السوريون في مدينة اسطنبول، لنقل الملابس التركية إلى دمشق عبر طرق عدة، تختلف معها مدة وصول البضائع وسعر شحنها.

وقالت آلاء التي افتتحت مشروع الشحن مع زوجها، عام 2015، إن العملية تتم عبر طريقين، الأول برًا وفق الطريق الحدودي السابق، ويستغرق وصول البضائع مدة زمنية أقصاها ثلاثة أسابيع، أو جوًا إلى بيروت ومنها برًا إلى دمشق عبر سائقي السيارات الذي يعملون على خط بيروت- دمشق، وفيها تصل البضائع بعد يومين.

آلاء أضافت أن الشحن برًا يكون أقل كلفة من الشحن جوًا، إذ يُحسب الكيلو الواحد المشحون برًا بستة دولارات (ما يعادل 2500 ليرة سورية)، أما الشحن جوًا إلى بيروت ومنها برًا إلى دمشق عبر نقطة المصنع الحدودية فيكلف تسعة دولارات (ما يعادل 3700 ليرة سورية) للكيلو الواحد.

وتابعت “عملنا سنتين في هذا المجال ولم تصادفنا أي مشكلة سواء بالشحن البري أو الجوي”.

فتيات يشحنّ الملابس بأنفسهن

هدى، التي تعمل في بيع الملابس التركية بدمشق قالت إن هناك طريقة أرخص لشحن البضائع من تركيا إلى سوريا، إلا أنها صعبة قليلًا، وهي عن طريق “الشركة المتحدة” التي توفر شحن الملابس من اسطنبول إلى بيروت بأربعة دولارات للكيلو الواحد (1600 ليرة سورية)، إلا أنه لا يوجد شحن مباشر إلى دمشق عبر الشركات الكبرى الأمر الذي يدفع الفتيات إلى التعاقد مع سائقي السيارات العاملين على الحدود لجلب الملابس.

عنب بلدي تحدثت إلى أحد السائقين العاملين على الحدود السورية- اللبنانية، وقال إن نقل الملابس التركية من بيروت إلى دمشق شائع بين سائقي السيارات، وذلك بالاتفاق “المدفوع” مع بعض موظفي الجمارك السورية.

وأضاف أنهم يفضلون ألا يزيد وزن البضائع المشحونة عن 30 كيلو، تجنبًا للمساءلة، مشيرًا إلى أنه يتقاضى عن سفرته تلك 100 دولار (42 ألف ليرة سورية).

وتجنبًا لتعقيدات الشحن السابقة برزت في هذا المجال مهن جديدة لفتيات سوريات مقيمات في تركيا يسافرن بشكل دوري إلى سوريا، وينقلن البضائع بأنفسهن، دون مكاتب، عبر ضمها إلى الحمولات الشخصية المخصصة لهن في الطائرة، والتي تقدر بـ 30 كيلو للشخص الواحد.

وبهذه الحالة تُعامل الملابس على الحدود السورية على أنها ملابس شخصية قديمة، خاصة أن الدفعة الواحدة لكل فتاة تعمل ببيع الملابس في سوريا لا تتجاوز خمسة كيلو، وفق ما قالت هدى.

ويختلف سعر الشحن بهذه الطريقة من فتاة لأخرى، إلا أنها بالمجمل تتراوح بين سبعة وعشرة دولارات للكيلو الواحد، الذي يحوي خمس قطع من الملابس تقريبًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة