فيلم “مسافر”.. الجانب المشرق من حياة اللاجئين

فيلم مِسَافِرْ للمخرجة مريم المراكشي (TRTWORLD)

camera iconفيلم مِسَافِرْ للمخرجة مريم المراكشي (TRTWORLD)

tag icon ع ع ع

يرفض الأتراك إطلاق صفة “لاجئ” على الفارين من الحرب، ويستبدلونها بكلمة “مِسَافِرْ” التي تعني باللغة العربية “الضيف”.

“إسطنبول تترك لديك هذا الشعور الجميل الناشئ من هذا التعبير، أنت ابن البلد وكذلك ضيف”، يقول عبيدة، أحد أبطال فيلم “مِسَافِرْ” للمخرجة المصرية مريم المراكشي.

وتناول الفيلم حياة ثلاثة شباب “ضيوف” في تركيا، من سوريا وفلسطين وأفغانستان.

الوجه الإيجابي للاغتراب

يختصر الفيلم الوثائقي، الممتد على 26 دقيقة، سنوات طويلة من الحرب والمعاناة، لـ”عبيدة” الفلسطيني، و”فطمة” السورية، و”إحسان الله” الأفغاني، ليترك بعد تكثيفه المتقن هذا أثرًا عكسيًا لدى المشاهد.

وسعى “مسافر”، خلافًا للأعمال السينمائية التي ركزت على الناحية التراجيدية لأزمة اللجوء، وربطتها بالصراع والأحداث الدامية، إلى إبراز الجانب الإيجابي من الاغتراب، بحسب ما قالت مخرجة الفيلم لعنب بلدي.

تمكنت المراكشي من التأسيس لهدفها هذا ابتداءً من مرحلة البحث عن الشخصيات، التي تخدم السيناريو والفكرة الموجودة في مخيلتها، وهكذا تعرّفت على الشبان الثلاثة الذين كشفوا عن شبه مشترك بين اللاجئين، بالرغم من انتماء كل منهم إلى بلد ومجتمع مختلف، وأحيانًا لغة مختلفة.

تشابهت قصص الشبان الثلاثة إلى درجة التطابق نوعًا ما، باختلاف الأماكن والشخصيات المساهمة في الأحداث التي عاشوها، لكنهم اشتركوا بقواسم مشتركة بارزة تمثلت بألم الفقد والهجرة من جهة، والأمل “الغريب” بالمستقبل وتغيير الواقع من جهة أخرى، وفق ما لمست المراكشي التي عملت معهم عن قرب.

بناءً على هذا الأمل، عملت المخرجة على إبراز الوجه الإيجابي للاغتراب، من خلال الأساليب التي اتبعها كل من الشبان الثلاثة للتعايش مع المجتمع الجديد، وكيف استطاعوا أن يضيفوا إليه، وأن يأخذوا منه.

وتأمل المراكشي أن تحل كلمة “ضيف” بسلبياتها وإيجابياتها، عوضًا عن كلمة لاجئ التي باتت تحمل الكثير من الآثار السلبية، وهو هدف فيلمها الذي تسعى من خلاله لتحقيقه.

كواليس فيلم مِسَافِرْ (فيس بوك)

كواليس فيلم مِسَافِرْ (فيس بوك)

شخصيات متنوعة لخدمة فكرة واحدة

قبل دخول المراكشي هذه التجربة، كانت تشعر بـ”التوجس” من الخوض في تقديم صورة تكسر نمطية النظرة إلى اللاجئين، وفق تعبيرها.

لكنها بالتعرف على أبطال فيلمها تأكدت أن فكرتها حقيقية، وليست مجرد تصور خيالي لا ينتمي للواقع.

وبالرغم من أن الشخصيات خدمت فكرة واحدة، إلا أنها كانت متنوعة ومختلفة فيما بينها، بناءً على معايير اختيارهم من قبل المخرجة.

ويبرز هذا التنوع من خلال أساليب تصويرهم، فأسهمت الصورة بالتأكيد على الجانب العملي من شخصية إحسان الله مثلًا، إذ التقطته أثناء أوقات عمله، ومساعدته في المنظمات التطوعية، وسعيه لتقديم الخدمة للآخرين، وكأن هذه الصورة هي سلاحه لمواجهة الواقع وتغييره، الذي تحدثت عنه المراكشي.

بينما كان عبيدة على عكسه تمامًا، إذ تميز بقدرته على تغيير معاني الأشياء من خلال شحنها بعاطفته ونظرته المبدعة للحياة، فتراه يكتب بالخط العربي كلمة “ضيف”، ويصف مشاعره تجاهها، بطريقة تأسر المشاهد بالمعنى صوتًا وصورة.

أما “فطمة” فقد لمست داخلها مخرجة العمل قوة كبيرة، وقدرة على التحمل، بخلاف ما قد توحي به شخصيتها الرقيقة، إذ أنها ما تزال شابة صغيرة جدًا، عاشت ظروف حرب قاسية، واضطرت للابتعاد عن أهلها، والعيش وحيدة في بلد أجنبي.

لذلك ركزت المخرجة معها على نشاطها التطوعي في المدينة، وختمت ظهورها في الفيلم بابتسامة أثناء كتابة أمنيتها، لتترك لدى المشاهد ذات الانطباع بالقوة الذي تركته لدى المخرجة.

أبطال فيلم مِسَافِرْ الثلاثة (فيس بوك)

أبطال فيلم مِسَافِرْ الثلاثة (فيس بوك)

الثقة جسر العبور من الخاص إلى العام

المراكشي التي عملت على الإعداد والسيناريو إلى جانب الإخراج، شكلت مرحلة البحث عن الشخصيات بالنسبة لها مرتكزًا رئيسيًا لتجسيد فكرتها على أرض الواقع، كون هذا الاختيار يجب أن يكون قادرًا على بناء ثقة مشتركة متينة بينها وبينهم.

وهكذا نشأت أحاديث وحوارات بينها وبين الشخصيات الثلاثة، أدت إلى ما يمكن لأي مشاهد للفيلم أن يلمسه، من قدرتها على نقل الخاص من حياة أبطالها، إلى المجال العام عبر شاشة السينما، وبنفس الوقت دون التعدي على “خصوصيتهم”.

ترى المراكشي أن الإيمان بالفكرة والرسالة أسهما بكسر الحاجز بينها وبين الشخصيات الثلاثة، وبالتالي بينهم وبين شاشة السينما، إذ أصبح الجميع يشعر بنفسه جزءًا من الرسالة التي يؤمنون بها، ومن نجاح الفيلم، وليس مجرد شخصيات أدت عملها وغادرت.

الأولوية بالنسبة للمخرجة هي مصلحة الشخصية، وحمايتها من الضرر، واحترام ما ترغب بمشاركته، وما ترغب أن تخفيه.

فمثلًا كانت من أصعب الشخصيات في الإقناع لمشاركة تجربتها، هي الشابة السورية، كونها عاشت تجارب صعبة للغاية، لكنها اقتنعت أخيرًا بهدف المشاركة هذا، الذي سيساعد أشخاصًا عاشوا نفس تجربتها، وهو ما توجب على المراكشي احترامه، وأن تكون أهلًا له، وتقييم ما يفيد مشاركته مع الآخرين، وليس مجرد عرضه دون هدف، وفق المخرجة.

مريم المراكشي مخرجة فيلم مِسَافِرْ في الكواليس (فيس بوك)

مريم المراكشي مخرجة فيلم مِسَافِرْ في الكواليس (فيس بوك)

مهرجانات احتفت بالـ”مِسَافِرْ”

فاز الفيلم بجائزة أفضل محتوى بمهرجان دلهي الدولي للأفلام في الهند، وأخذ تكريمًا خاصًا على المسرح.

وفي مهرجان الأمم المتحدة العالمي لأفلام الهجرة، فاز بجائزة التكريم الخاص لأفضل صانعة أفلام، في تشرين الأول الماضي، بسبب قدرة الفيلم على جذب تعاطف المشاهد بشكل جديد ومختلف.

وعرضه مهرجان “تريون” لحقوق الإنسان في أمريكا، ومهرجان لندن للهجرة في كانون الأول الجاري.

بالإضافة إلى عرضه في أكثر من 15 دولة، في أوروبا وآسيا وإفريقيا، بينها تركيا، وهولندا حيث حضرته الملكة، في مؤتمر “إجنايت” الخاص بالشباب، وحقق نجاح كبير هناك، وهو الفيلم الوحيد الذي أخذه المؤتمر من مهرجان الأمم المتحدة، إذ اعتبره منظمو المؤتمر خادم لرسالته في تطوير الشباب وتعزيز إمكانياتهم.

وما زال الفيلم يأخذ أصداء واسعة لجرأته في الطرح الجديد حول حياة اللاجئين، وأساليبهم في التكيف وتغيير الواقع بناءً على التجربة التي عاشوها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة