هل تتكرر أحداث “مثلث الموت”؟

سيناريوهات عسكرية تنتظر الجنوب السوري

camera iconعناصر من الجيش الحر يتجهزون لوجبة الإفطار في شهر رمضان - أيار 2017 (روتيرز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ضياء عودة

لم يفلح اتفاق “تخفيف التوتر” الموقّع في الجنوب السوري بكبح عمليات قوات الأسد في المنطقة، بل كان غطاءً سياسيًا لحسابات الأرض، ومرحلة جديدة يحاول من خلالها النظام استعادة مناطق “استراتيجية” من فصائل المعارضة، لتكون ورقة رابحة في يده في الجولات المقبلة.

ويبدو أن معارك مزرعة بيت جن في ريف دمشق الجنوبي الغربي بداية لسلسلة حلقات من مسلسل جديد تسعى قوات الأسد إلى تطبيقه بالسيطرة أولًا على نفوذ الفصائل جنوبي دمشق، على أن تفتح جبهات منطقة مثلث الموت من جديد، وصولًا للتوغل في عمق مناطق المعارضة في ريف درعا الغربي.

وتؤكد الحشود والتعزيزات التي استقدمتها قوات الأسد والميليشيات المساندة لها، في الأيام الماضية، إلى مناطق متفرقة من ريف درعا أن مرحلة عسكرية جديدة يقبل عليها الجنوب، وتشابه ظروف عام 2015، الذي شهد سجالًا عسكريًا يعتبر الأكبر في المنطقة منذ مطلع 2011.

كما تعتبر المصالحات الأخيرة التي قام بها النظام في المناطق الجنوبية الغربية من دمشق، ومن بينها خان الشيح وكناكر والكسوة، إحدى الخطوات التي من شأنها تأمين حزام خارجي لدمشق، في حال الإقدام على عمل عسكري.

معركة بيت جن ترجح الكفة

لا يمكن فصل المعارك في مزرعة بيت جن غربي دمشق عن المناطق الأخرى المرتبطة بها في القنيطرة ودرعا، وسواء في حال السيطرة عليها أو الخسارة، ستحدد خريطة عسكرية جديدة للنظام السوري وميليشياته الرديفة أو فصائل المعارضة.

وتستمر معارك قوات الأسد على المزرعة، منطلقة من أكثر من محور، من الجهة الشمالية على الخط الفاصل مع بيت ساير وكفر حور، أو من الجهة الجنوبية من منطقة الهناكر (المدخل الشرقي لبيت جن) التي أعلن النظام السيطرة عليها، الأسبوع الماضي.

ولا تختلف عمليات الأسد في ريف دمشق الغربي، فالسيناريو ذاته الذي اتبعته في منطقة وادي بردى وعين الفيجة في الريف الغربي لدمشق، بدءًا بتقسيم المنطقة، ووصولًا لفرض اتفاق يقضي بخروج جميع المقاتلين والمدنيين.

ووفق خريطة السيطرة الحالية يسعى النظام لعقد تسوية في كل من بيت تيما، كفر حور، بيت سابر، وفي حال سيطر على مغر المير، سيعزز من إمكانية عقد التسوية، بعد فصل تلك البقعة، وتقارب مساحتها 21 كيلومترًا مربعًا، عن تجمع بيت جن.

في حسابات الفصائل العسكرية، فإن المعارك مستمرة حتى تنكسر الحملة، رغم الضغط الكبير و”التخاذل” لفك الحصار عنها، بحسب ما يقوله قياديون في المنطقة، فالمعركة مهمة جدًا وخسارتها كبيرة لآخر المعاقل بالغوطة الغربية.

المحلل العسكري العقيد الركن عبد الله الأسعد اعتبر، في حديث إلى عنب بلدي، أن التطورات الحالية تأتي من أجل فصل جنوب درعا عن القنيطرة بعد معركة بيت جن، إذ يتبع النظام خطة زمنية يعمل عليها في مراحل وتسلسل على كامل الجغرافيا السورية.

وعلى ما يبدو، فإن ما يؤخر النظام بعض تحركاته في درعا هي المواجهات التي بدأها في ريف حماة الشرقي والشمالي للوصول إلى ريف إدلب الجنوبي.

وبحسب الأسعد، فإن إيران تسعى لأن تكون الأوراق التي في يدها أكثر من روسيا في الجنوب، على الرغم من القاعدة البدائية للأخيرة في قرية موثبين القريبة من مدينة الصنمين، ونقاط الاستشعار في الأردن.

سير العمليات العسكرية التي يشنها النظام للسيطرة على المنطقة، تشير إلى أن حالها سيستمر إلى أكثر من أربعة أشهر، ما يهيئ ظروفًا من شأنها أن تفتح معارك مثلث الموت قبل الانتهاء من حسم معركة مزرعة بيت جن.

وأمام ما يفرضه الواقع الحالي ستكون المعارك في منطقة جبل الشيخ بطيئة جدًا على خلفية الظروف المناخية، ما يدفع قوات الأسد لفتح محور الأرياف الثلاثة بعمل عسكري رديف قبل بيت جن.

خريطة توضح السيطرة العسكرية في جنوب سوريا (livemap)

هل تعود ساحة المعارك إلى عام 2015؟

 يطلق “مثلث الموت” على نقطة التقاء أرياف درعا والقنيطرة وريف دمشق، وشهدت معارك مطلع 2015، انتهت بسيطرة قوات الأسد والميليشيات اللبنانية والإيرانية والأفغانية عليها، في آذار من العام ذاته.

لم يأت الحديث عن إعادة ظروف معارك مثلث الموت من فراغ، فالتحركات العسكرية من جانب قوات الأسد والميليشيات الإيرانية لها الدور الأكبر، وأكدتها تصريحات من قبل وسائل إعلام إيرانية حددت المحاور التي تنوي إيران والنظام السوري الدخول من خلالها.

ووفق تقرير نشرته وكالة “فارس” الإيرانية، مطلع كانون الأول الجاري، فإن تعزيزات “كبيرة” وصلت إلى شمالي درعا والقنيطرة.

وقالت الوكالة إن النظام يحضر شمالي درعا، وتحديدًا قرية زمرين شرقي إنخل، والتي تعتبر خط تماس بين المعارضة وقوات الأسد، وسيطال الهجوم الصمدانية والحمدانية في القنيطرة، لافتةً إلى أن منطقة “مثلث الموت” ستشهد معارك قريبًا.

القيادي العسكري في “هيئة تحرير الشام”، “أبو حذيفة الشامي”، قال لعنب بلدي إن الفصائل العسكرية رصدت تعزيزات لميليشيا “حزب الله” على محاور مثلث الموت وفي منطقة تلول فاطمة ومدينة خان أرنبة، ومن المتوقع شن قوات الأسد حملة على المنطقة، لكن الهدف والتوقيت غير واضح حتى اليوم.

وتعتبر المنطقة بالنسبة لفصائل الثورة السورية “خطًا أحمر”، بحسب الشامي، الذي أوضح أن استعادة النظام للسيطرة عليها وخاصة تل الحارة، يعني انهيارًا في منطقة الجيدور والعودة إلى السنوات الأولى للثورة التي كان النظام قادرًا فيها على قصف أي منطقة بالمدفعية.

ولا تقتصر حشود قوات الأسد على المناطق المذكورة بل وصلت إلى مدينة الصنمين وازرع وخربة خزالة ونامر وقرفة، والتي تعتبر خط جبهة مع مدينة درعا.

وتوجد مجموعة من القرى الضعيفة يمكن السيطرة عليها من قبل قوات الأسد والتوغل خلالها، لكن عند الوصول إلى محيط مدينة الحارة ستكون المواجهات “الأبرز” والمعارك الحقيقية.

وتكمن أهمية تل الحارة كونه أعلى التلال في جنوبي سوريا، ويطل على المنطقة الجنوبية والغربية من ريف دمشق، والمنطقة الشمالية من ريف درعا والقنيطرة.

وبحسب العقيد الأسعد فإن مثلث الموت منطقة خطرة، على خلفية الأحداث التي شهدها في 2015 عندما وصلت الفصائل العسكرية إليه وغدت على مسافة أقل من عشرة كيلومترات من مدينة داريا.

وأوضح أن إيران تحظى أيضًا بدور كبير في التطورات العسكرية الحالية، سواء من خلال قيادة العمليات في المنطقة، أو الخطوات التي اتبعتها مؤخرًا بتجنيد المئات من شبان المنطقة في فرق تتبع لها.

وفي ظل الحديث عن حشود قوات الأسد أعلنت أربعة فصائل عسكرية تشكيل” تحالف ثوار الجيدور” بينها “ألوية مجاهدي حوران”، “ألوية جيدور حوران”، “اللواء الأول مهام خاصة طويرش”، “لواء أسامة بن زيد”.

واعتبرت الفصائل في بيان لها أن التشكيل لــ “رص الصفوف والاستعداد للمعركة القادمة”.

عين إيران على الحدود الأردنية

لم تنفصل المحادثات السياسية عن العسكرية من جانب النظام السوري، خاصة في الاتفاقين الأخيرين في محافظتي إدلب ودرعا، فالعلاقة متبادلة بشكل أو بآخر.

بينما اختلف الوضع بالنسبة للمعارضة السورية التي لم تفلح بإمساك أوراق ضغط عسكرية في المحادثات السياسية، وابتعد المفاوضون عما يدور على الأرض.

وبالتزامن مع التطورات خلال الأشهر الأخيرة في منطقة البادية وانسحاب مقاتلي المعارضة منها، دخل الطرف الإيراني كقوة بارزة في الجنوب السوري وشريك جديد متجاهلًا اتفاقيات الدول الأخرى (روسيا، أمريكا، الأردن، إسرائيل).

وتشير تحركات طهران إلى أنها تنوي الوصول إلى إحدى الجبهتين: إما الوصول إلى حدود الجولان، أو إلى الحدود الأردنية.

ووفقًا لحديث الأسعد لا تهدف إيران إلى الوصول إلى الحدود الإسرائيلية مع الجولان بقدر ما تسعى للوصول إلى الحدود مع الأردن، وتركز حاليًا على الريف الشرقي للسويداء التي سيطرت عليها مؤخرًا.

وتعزى الأسباب التي تقف أمام إيران للوصول إلى الحدود الإسرائيلية، بحسب الأسعد، إلى أن الأخيرة لا يمكن أن تسمح بوصولها، وتؤكد الغارات والاستهدافات الأخيرة لمواقعها في سوريا هذا الأمر.

وتعتبر الدول المؤثرة في جنوبي سوريا أن وصول الميليشيات الإيرانية إلى الحدود السورية- الأردنية والحدود مع الجولان المحتل “خط أحمر إقليميًا”، ما استدعى تدخلات مباشرة فشلت في كبح محاولات التوسع، على خلفية طرق التفاف اتبعتها إيران في الأشهر الماضية.

 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة