tag icon ع ع ع

فريق التحقيقات في عنب بلدي

رغم سيطرة النظام السوري على أحياء حلب نهاية 2016، لم يكن أكثر المتشائمين المناصرين للثورة السورية يتوقع تراجعها إلى الحد الذي وصلت إليه مع إغلاق 2017 أبوابه.

انحسار على الأرض، إهدار فرص للسيطرة على مناطق أهداها تنظيم “الدولة” بانسحاباته للأطراف المتصارعة، تطويع للسياسيين في مؤتمرات غاصت بالتفاصيل وتجاهلت الجوهر، وتشتت فصائلي قابله انتقال الدول المؤثرة إلى اللعب على المكشوف والتحكم بوكلائها.

على الأرض.. الأسد أكبر الرابحين

شهدت خريطة النفوذ في سوريا متغيرات كبيرة عام 2017، وصبّت بمعظمها في صالح النظام السوري والقوات الكردية، في وقت شهدت مناطق فصائل المعارضة انحسارًا واضحًا.

تنظيم الدولة ينسحب شرقًا

استحوذت المنطقة الشرقية في سوريا المشهد الميداني العام، وشكلت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على مدينة الرقة، عاصمة تنظيم “الدولة الإسلامية”، الحدث العسكري الأبرز، تبعه عمليات في محافظة دير الزور أفضت إلى السيطرة عليها مناصفةً بين النظام والقوات الكردية.

سلسلة انسحابات لتنظيم “الدولة”، ضمت القوات الكردية من خلالها مساحات كبيرة من المنطقة الشرقية لسوريا بدءًا من مدينة الرقة التي استطاعت السيطرة عليها خلال مدة زمنية لم تتجاوز ستة أشهر.

ووصلت إلى محافظة دير الزور بخطة عسكرية مرسومة دوليًا من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وسيطرت على الضفة الشرقية لنهر الفرات، لتنافس بذلك قوات الأسد التي دخلت إلى خط المعارك ضد التنظيم من أرياف حماة وحمص وحلب والبادية السورية وطردت التنظيم من كامل الضفة الغربية للفرات.

وبذلك انحسرت سيطرة التنظيم على بعض الجيوب في ريف البوكمال الغربي وبعض المساحات الصغيرة على الحدود السورية- العراقية.

ومن المرجح أن يعلن في شباط 2018 انتهاء التنظيم في سوريا بشكل كامل، بحسب المحلل العسكري العقيد حاتم الراوي، الذي توقع أن يطفو تنافس روسي- إيراني على السطح عقب هذا الإعلان.

وقال الراوي لعنب بلدي إن ملامح المنطقة الشرقية باتت واضحة، إذ تذهب الضفة اليمنى لنهر الفرات إلى الاستقرار تحت سيطرة أمريكا عبر “قسد”، ويعزز هذا أن القوات الكردية لم تلجأ إلى العنف مع أهالي المنطقة الذين أرهقتهم الحرب فباتوا يبحثون عن الهدوء ولو مؤقتًا.

أما على الضفة اليسرى، اعتبر الراوي أن “الحشد الشعبي” العراقي لم يتمكن من الدخول إلى سوريا، ما يشكل صفعة كبيرة لإيران والنظام السوري، مشيرًا إلى أن الهجرة تطال معظم الريف الغربي لدير الزور الأمر الذي يبعد الاستقرار عن مناطق سيطرة قوات الأسد.

ولا يمكن تجاهل اتفاقية “تخفيف التوتر” التي اعتمدتها روسيا وتركيا مطلع أيار 2017، والتي انعكست بتوجيه العمليات العسكرية على التنظيم، وتجميد بقية الجبهات مرحليًا.

مقاتلون في تدريبات للجيش الحر في ريف حماة – 11 آب 2017 (عنب بلدي)

مفاوضات ترسم حدود إدلب

شهدت محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها وصولًا إلى ريف حماة الشمالي والشرقي سلسلة متغيرات خلال العام، لتواصل حالة غياب الاستقرار بعد سيطرة هيئة “تحرير الشام” عليها والإمساك بزمامها العسكرية والاقتصادية والخدمية، عقب مواجهات ضد حركة “أحرار الشام الإسلامية”.

وحافظت خريطة السيطرة على خطوطها في الأشهر الأولى من 2017، إذ حولت قوات الأسد ثقلها العسكري إلى محاربة تنظيم “الدولة”، وشهدت جبهة ريف حماة الشمالي والشرقي عمليات كر وفر بدأتها الفصائل بمعارك على مستوى ضيّق بالسيطرة على بعض المواقع لساعات والانسحاب منها.

لكن هذه الظروف اختلفت بعد توقيع اتفاق “أستانة7″، في تشرين الأول، الذي رسم حدود سيطرة الفصائل، وقسم إدلب إلى ثلاثة أجزاء يتم تطبيقها حاليًا عن طريق عمليات لقوات الأسد المدعومة إيرانيًا وروسيًا.

وتشير التصريحات الروسية الأخيرة بأن عام 2018 سيكون للحرب على “فتح الشام” إلى تحولات قد تقبل عليها المنطقة، وسط تخوف من تجاوز الحدود المرسومة في “أستانة7″، والتي تقضي بانسحاب الفصائل من المناطق شرق سكة القطار ومطار أبو الضهور العسكري.

وبدأت قوات الأسد معارك على أكثر من محور، شمالي وشرقي حماة وجنوبي حلب، إذ تسعى للتوغل في عمق المحافظة بعد استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة من محافظة دير الزور التي أنهت المعارك.

وبحسب العقيد الراوي، فإن إيران والنظام يعملان على إفشال الدور التركي في محافظة إدلب وتحييده، كون تركيا الجهة الوحيدة القادرة على تفكيك الحالة المعقدة بين هيئة “تحرير الشام” و”الجيش الحر” في إدلب.

أما روسيا فبات الاستقرار أكثر خدمة لها لتسريع استثمار ما حصلت عليه من امتيازات.

ولم يذهب الراوي إلى حد انحسار المعارضة في المحافظة، معتبرًا “في أحسن الحالات لا أعتقد أن أمام قوات الأسد أي فرصة لتحقيق تقدم يذكر”.

وأوضح أن هذه التطورات تتزامن مع الصمت الأمريكي الذي قد يقلب الطاولة، وليست روسيا وإيران قادرتين على التمرد و”شق عصا الطاعة”.

وبالرجوع إلى “تخفيف التوتر” في إدلب والذي من المفترض تطبيقه في 2018، فإن الاتفاقية تقسم المحافظة إلى ثلاث رقع جغرافية، تدير إحداها روسيا بينما تسيطر تركيا على الثانية القريبة من حدودها، وتعتبر الثالثة منزوعة السلاح، وهذا ما أكدته مصادر في قيادة “الجيش الحر” لعنب بلدي.

ووفق المصادر فإن المنطقة شرق سكة القطار، على خط حلب- دمشق، ستكون منزوعة السلاح وخالية من المسلحين والفصائل تحت الحماية الروسية، على أن تدار من طرف مجالس محلية، بينما تمتد المنطقة الثانية بين السكة والأوتوستراد، أما الثالثة فستخضع للنفوذ التركي.

حذر ينذر بمعارك جديدة في الجنوب

لم يطرأ على الجنوب السوري أي تطور “جذري” في محافظتي درعا والقنيطرة، سوى اتفاق “تخفيف التوتر” الذي وقع برعاية دولية، وأفضى إلى توقف الاشتباكات بين فصائل المعارضة وقوات الأسد، إضافةً إلى التقدم الذي أحرزته الفصائل العسكرية في أحياء درعا البلد وسيطرت على حي المنشية “الاستراتيجي” بالكامل بعد معارك استمرت لأشهر أعلنتها غرفة عمليات “البنيان المرصوص”.

بينما شهدت الجبهات في ريف درعا الغربي انحسارًا لصالح “جيش خالد بن الوليد”، المتهم بمبايعة تنظيم “الدولة الإسلامية”، والذي سيطر على كل من مناطق تسيل، سحم الجولان، جلين، المزيرعة، عدوان، تل الجموع، تل عشترة.

الأشهر الأخيرة من 2017، شهدت زخمًا فسيطرت قوات الأسد والميليشيات المساندة لها على منطقة بيت جن في ريف دمشق الجنوبي الغربي بالكامل بموجب اتفاق مع الفصائل العسكرية يضمن خروجهم إلى الشمال السوري ومدينة درعا.

وجاء الاتفاق بعد معارك بدأتها قوات الأسد على المنطقة بمشاركة إيرانية على غرار السيناريو الذي اتبعته في المناطق الأخرى غربي دمشق كخان الشيح، زاكية، كناكر، وادي بردى، الزبداني ومضايا.

ويبدو أن معارك مزرعة بيت جن بداية لسلسلة حلقات من مسلسل جديد تسعى قوات الأسد إلى تطبيقه بالسيطرة أولًا على نفوذ الفصائل جنوبي دمشق، على أن تفتح جبهات منطقة مثلث الموت من جديد، وصولًا للتوغل في عمق مناطق المعارضة في ريف درعا الغربي.

وتؤكد الحشود والتعزيزات التي استقدمتها قوات الأسد، إلى مناطق متفرقة من ريف درعا أن مرحلة عسكرية جديدة يقبل عليها الجنوب، تشابه ظروف عام 2015، الذي شهد سجالًا عسكريًا يعتبر الأكبر في المنطقة منذ مطلع 2011.

وبحسب المحلل العسكري العقيد عبد الله الأسعد، فإن إيران تسعى لأن تكون الأوراق التي في يدها أكثر من روسيا في الجنوب، على الرغم من القاعدة البدائية في قرية موثبين القريبة من مدينة الصنمين، ونقاط الاستشعار في الأردن.

وأوضح الأسعد لعنب بلدي أن إيران لا تهدف إلى الوصول إلى الحدود الإسرائيلية مع الجولان بقدر ما تسعى للوصول إلى الحدود مع الأردن، وتركز حاليًا على الريف الشرقي للسويداء التي سيطرت عليها مؤخرًا.

خريطة توضح تغير السيطرة العسكرية في سوريا بين عامي 2016 و 2017 (livemap)

خريطة الغوطة تحت الطاولة

كان الحدث العسكري الأبرز في الغوطة الشرقية لدمشق سيطرة قوات الأسد على حيي برزة والقابون، وبالتالي قطع كافة طرق الإمداد والأنفاق التي كانت المنفذ الغذائي والعسكري الرئيسي لمناطق سيطرة المعارضة شرقي دمشق.

الأشهر الأولى من 2017 شهدت معارك كر وفر بين فصيل “جيش الإسلام” والنظام السوري من الخاصرة الشرقية للغوطة، والتي لم يطرأ عليها أي تغيير سوى تقدم بسيط لقوات الأسد تبعه توقف تام للمواجهات.

بعد آذار، شغل حي جوبر الدمشقي الأخبار، عقب العملية التي بدأتها فصائل معارضة (فيلق الرحمن، هيئة تحرير الشام، حركة أحرار الشام) تحت مسمى “يا عباد الله اثبتوا”، ووصلت من خلالها إلى كراجات العباسيين وسيطرت على المناطق المحيطة بها وصولًا إلى عقدة البانوراما على أوتوستراد العدوي المؤدي إلى عمق العاصمة دمشق.

واعتبرت هذه المعارك نقطة مفصلية، إذ لم يمض شهر على انتهائها وانسحاب الفصائل من المواقع الجديدة، حتى بدأت قوات الأسد عملية معاكسة للسيطرة على حي جوبر والأحياء المحيطة به، لفصلها عن بقية مدن الغوطة، لكنها لم تنجح بالتقدم بسبب الأنفاق والأبنية المفخخة.

المعارضة ضربت في موقع آخر، حين سيطرت على نقاط في إدارة المركبات في مدينة حرستا، من خلال معركة أطلقتها “حركة أحرار الشام”، في تشرين الثاني، وحاولت من خلالها تحقيق مكسب عسكري في مدينة حرستا وصولًا إلى مدينة عربين.

وتنتظر الغوطة الشرقية خريطة عسكرية وداخلية جديدة من خلال اتفاقيات تسير بها فصائل المعارضة “من تحت الطاولة” مع الجانب الروسي والنظام السوري، والتي تسرب من بينها خروج “هيئة تحرير الشام” إلى الشمال السوري.

ووفق معلومات عنب بلدي، يفاوض “فيلق الرحمن” على فتح طريق من حرستا إلى مناطقه في الغوطة، و”تخفيف التوتر” في جوبر والقطاع الأوسط، إضافة إلى خروج “تحرير الشام” من المنطقة.

أما “جيش الإسلام” فيفاوض على تأمين المساعدات وفتح طريق إلى دوما، إضافة إلى الالتزام بـ “تخفيف التوتر”، ومواجهة “هيئة تحرير الشام” في الغوطة.

على الطاولة.. روسيا عرّابة والمعارضة تتكيف

12 شهرًا من المفاوضات المكوكية لم تحقق نقلة توافقية بين المعارضة والنظام ومن خلفهما الدول المؤثرة في النزاع، في حين فرضت روسيا نفسها عرّابة الحل السياسي، وسط تكرارٍ للمشهد في النسخ الثماني من مفاوضات جنيف ومحادثات أستانة.

ويبدأ عام 2018، الذي قال محللون إنه سيكون مفصليًا، بعقد نسخة تاسعة من مفاوضات جنيف في 21 كانون الثاني، على أن يليها مؤتمر “سوتشي” في 29 و30 من الشهر نفسه، وسط محاولات روسية لإعادة تعويم نظام الأسد، بينما تصر المعارضة على المضي للحل وفق بيان “جنيف1” وقرار مجلس الأمن رقم 2254.

وفي وقت مايزال فيه مصير الأسد نقطة خلافية، تتوجه الأنظار مع مطلع العام الجديد نحو المدينة الروسية التي تطل من البحر الأسود على الشرق الأوسط وأوروبا، واحتضنت لقاءات رسمية ومؤتمرات دولية، آخرها اجتماع ثلاثي لرؤساء أنقرة وموسكو وإيران، في تشرين الثاني 2017.

المفاوضات اقتصرت منذ النسخة الرابعة من جنيف، على نقاش أربع سلال حددها المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، كان مأمولًا أن تشهد تطورًا خلال ستة أشهر إلا أنها بقيت بالشكل العام بنودًا على الورق حتى نهاية العام.

وبينما تناقش السلة الأولى القضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي يضم الجميع، تبحث الثانية القضايا المتعلقة بتحديد جدول زمني لمسودة دستور جديد، في حين تناقش السلة الثالثة كل ما يتعلق بإجراء انتخابات “حرة ونزيهة” بعد وضع الدستور، وتدرس الرابعة حلولًا استراتيجية لـ “مكافحة الإرهاب” وإجراءات بناء الثقة.

المعارضة متهمة وتتمسك بجنيف

آخر ما تحدث عنه نصر الحريري، رئيس وفد “الهيئة العليا” للمفاوضات، التي ضمت جميع منصات المعارضة، بموجب لقاءات خلال مؤتمر “الرياض 2″، في تشرين الثاني 2017، كان التأكيد على “فائدة” حضور مفاوضات جنيف “لفضح النظام وجرائمه أمام المجتمع الدولي، رغم غياب النتائج الفعلية”.

إضافة إلى إشارته لـ “كارثية” مؤتمر “سوتشي”، معتبرًا أن تحقيق الانتقال السياسي “هو الحل الوحيد لإنقاذ سوريا”، رغم توسيع النظام السوري عملياته العسكرية على الأرض، وتوسيع دائرة نفوذه وسيطرته، في مناطق متفق دوليًا على أنها ضمن “تخفيف التوتر”، ما يظهر أنه ماضٍ في سياساته بعيدًا عن التسوية.

وتنتظر المعارضة توضحيات حول “سوتشي”، وقال عضو “الهيئة العليا” للمفاوضات، فراس الخالدي، في حديث إلى عنب بلدي، إنه “لا يمكن لأحد سحب ملف المفاوضات من جنيف”، مؤكدًا “كلامنا واضح في أن المفاوضات تجري تحت مظلة أممية”.

ولفت الخالدي إلى أنه “في حال كان ما يذاع عن سوتشي لتمييع القضية فهذا مرفوض”، مردفًا “إن استطاع الروس تقديم ضمانات أن المؤتمر لتنفيذ الانتقال السياسي والقرار 2254 تحت الرعاية الأممية، وليس لتمييع القضية، سيكون لنا تعامل إيجابي”.

مؤتمر سوتشي لعبة روسية

تجاهلت روسيا المفاوضات التي جرت حول سوريا، وبدأت الترويج لحضور مؤتمر “سوتشي” كنقطة أساسية في الحل السياسي، بينما نقلت وكالة “رويترز”، منتصف كانون الأول 2017، عن مسؤول معارض وصفته بـ “الكبير”، قوله إن الولايات المتحدة ودولًا أخرى دعمت المعارضة مثل السعودية وقطر والأردن وتركيا سلّمت لرؤية روسيا.

زحمة مؤتمرات حول سوريا

شهد الملف السياسي في سوريا سلسلة من المؤتمرات والاجتماعات، بدءًا من مؤتمر “جنيف1″، الذي عقد في حزيران 2012، وخرج بتوصيات مختلفة، على رأسها وضع نقاط العملية الانتقالية في سوريا.

وجاءت النسخة الثانية من المفاوضات في كانون الثاني 2014، وتلاها مؤتمرا موسكو الأول والثاني، عام 2015، ثم مؤتمرا فيينا الأول والثاني، نهاية العام نفسه، وصولًا إلى النسخة الثالثة من جنيف مطلع عام 2016.

عام 2017 شهد بداية عقد النسخة الأولى من محادثات أستانة، في كانون الثاني، والتي رعتها روسيا وتركيا وإيران.

النسخة الرابعة من جنيف عقدت في شباط 2017، وتلتها “جنيف 5” في آذار، ثم جرت مفاوضات النسخة السادسة في أيار، وصولًا إلى آخر نسختين في تموز وتشرين الثاني.

وتكررت متوالية محادثات أستانة بدءًا من الأولى مطلع العام، والثانية في شباط والثالثة التي لم تشارك فيها المعارضة في آذار، ثم انسحبت من محادثات النسخة الرابعة في أيار.

تموز 2017 شهد انعقاد النسخة الخامسة من “أستانة”، بينما عقدت “أستانة6” في أيلول من العام نفسه، وصولًا إلى النسختين السابعة والثامنة في كل من تشرين الثاني وكانون الأول.

وعزا المعارض ذلك إلى أن “العالم بأسره سئم مما يجري في سوريا”، في حين أظهرت تغيرات في مواقف بعض الدول أن إعادة تعويم الأسد أمر ممكن، رغم أنها لم تصرح بشكل علني حول المسألة.

عنب بلدي تحدثت إلى محمد صبرا، الذي شغل منصب كبير المفاوضين في وفد المعارضة إلى جنيف، وقال إن “هناك أكثر من علامة استفهام حول تقديم المعارضة لبعض التنازلات أو قبولها ببعض المتطلبات الدولية”، داعيًا إلى “التمييز بين المعارضة والثورة”.

ووفق رؤية صبرا فإن “هيئة المفاوضات تقول عن نفسها إنها مضطرة لتبني الواقعية السياسية، نتيجة تغير المواقف الدولية وبالتالي ربطت موقفها بمواقف الدول”، مشيرًا إلى أن “الدول التي تمسك بالهيئة إذا أرادت لها الذهاب إلى سوتشي فستذهب، بغض النظر عن الرفض الشعبي، على اعتبار أنها وضعت نفسها للتعبير عن مطالب الدول وليس السوريين”.

ما يريده الروس من “سوتشي” هو الاجتماع الأول، على حد تعبير المعارض السوري، ووصفه بأنه “عرض إعلامي كرنفالي سيحضره 1500 شخص لاختيار لجنة مختارة سابقًا، وتضم بين 100 و150 شخصًا لتكتب مسودة الدستور”.

وقال إن الروس سيخبرون أمريكا والأمم المتحدة بعد الاجتماع، بقبولهم بانتقال اللجنة المشكلة لتجتمع في جنيف أثناء انعقاد المفاوضات، على أن تكون مهمتها البحث في السلتين الثانية والثالثة التي تناقش فيها وهما الدستور والانتخابات، وهنا تصبح أستانة مختصة بنقاش السلة الرابعة ومسائل إجراءات بناء الثقة.

صبرا اعتبر أن المعارضة حاليًا تسير في “منزلق خطير سيودي بها وبالقضية السورية”، موضحًا “هذا الأمر يعرفه أصدقاؤنا في الهيئة العليا للمفاوضات، وما قلناه منذ بداية 2017، أنه يجب التعاون معًا لإيقافه ولكنهم اختاروا التوجه في المسار الحالي”.

“تهدف روسيا لتغيير مستويات وأطراف الصراع، سعيًا لسحب النظام الذي افتعل الجرائم في سوريا وحطم ماضيها وحاضرها ومستقبلها، باعتباره فوق مستوى ذلك الصراع”، وفق صبرا، الذي قال إن ذلك بدا واضحًا من تصريحات رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، خلال مفاوضات “جنيف8”.

وكان الجعفري اتهم المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، “بتنفيذ أخطاء وتجاوز صلاحياته كوسيط بين أطراف التفاوض”، مع انتهاء المرحلة الأولى من النسخة الثامنة لمفاوضات جنيف، وأعلن انتهاء المفاوضات بالنسبة للنظام، ليضطر مجبرًا بضغط روسي حضور المرحلة الثانية منها.

ومن وجهة نظر صبرا فإن “البعض في الهيئة العليا يعلمون حقيقة ما وقعوا به، ولكنهم للأسف يكيفون مواقفهم بما يناسب الدول التي يحملون جنسيتها”، لافتًا إلى أن “دي ميستورا قالها في جنيف وخاطب معارضين بعبارة (أنت معارض تحمل الجنسية الفلانية وأعلم بسياسة الدولة التي منحتك جنسيتها، وهي موافقة على عقد مؤتمر سوتشي)”.

ورأى المعارض أن روسيا على المستوى السياسي، غير قادرة على إنجاز تسوية حقيقية، “فهي محاصرة من قبل حلف الناتو في روسيا، وهذا يخرج عن المنطق السياسي السليم بأن تكون ضعيفة في بلدها وقوية في سوريا”، معتبرًا أنها “لن تستطيع البقاء طويلًا في استثمار إنجازها العسكري على المستوى السياسي”.

“اللعبة” الروسية تمثلت بإشاعة إمكانية ترؤّس فاروق الشرع لـ “سوتشي”، وبحسب صبرا فإن ذلك يصب في خانة “مؤتمر حوار شعبي تترأسه السلطة الحاكمة، وهذا ليس فقط تثبيت لبشار الأسد وإنما إعطاء الشرعية لكل ما نفذه سابقًا من جرائم”.

ووفق محللين، فإن التململ الدولي من القضية السورية، ظهر في تصريحات لدي ميستورا، قال خلالها للمعارضة إن الدول لم تعد تدعمكم، بينما أشار صبرا إلى أن المبعوث الأممي قالها منذ آذار 2017 “كان عائدًا من عمان بعد مشاركته في قمة وزراء الخارجية العرب، وأخبرنا حينها أن الدول لا تريد إزاحة بشار الأسد، وعليكم أن تتحلوا بالواقعية والذكاء”.

“لا يمكن لأي سياسي أو عسكري يدعي أنه يمثل الثورة، القول إنه مضطر للتنازل مع تغيير الدول موقفها وإيقاف دعمها”، من وجه نظر صبرا، معتبرًا أن “هذا كلام مرفوض لأنه يجعل من تضحيات السوريين مجرد أداة لحماية البندقية أو مكانته السياسية”.

وتمنى عضو وفد المعارضة السابق إلى جنيف، أن تعود “الهيئة” إلى رأي السوريين وللتعبير عن صوتهم.

عام الوعود الاقتصادية الخلبية

ربما يمكن وصف 2017  بـ “عام الوعود” من قبل حكومة النظام السوري، التي يترأسها عماد خميس، نتيجة الوعود التي أطلقها وزراؤه بتحسين حال المواطنين وزيادة رواتبهم وإعادة عجلة الإنتاج وتحسين الليرة السورية وتخفيض الأسعار.

لكن النصف الأول من 2017 لم يشهد أيًا من هذه الوعود، إذ بدأ العام بأزمة محروقات، إضافة إلى تقنين الكهرباء الذي وصل في بعض الأحيان إلى 18 ساعة يوميًا، ما أدى إلى غضب واستياء من قبل مواطنين، قبل أن تبدأ الدول الداعمة للنظام وفي مقدمتهم إيران تصدير المحروقات إلى سوريا.

ورافق ذلك غلاء في أسعار المواد الأساسية والخضراوات بسبب ضعف الإنتاج المحلي، بحسب ما برر معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري، جمال شعيب، في أيار العام الماضي، الأمر الذي أدى إلى إرهاق جيوب المواطنين الذين يعانون اقتصاديًا، إذ قدر “مركز دمشق للأبحاث والدراسات” (مداد)، المقرب من النظام، في حزيران، أن 67% من السوريين يعيشون في فقر مدقع، في حين يرى البعض أن النسبة أكبر من ذلك.

لكن الأسابيع الأخيرة من العام شهدت انخفاضًا في بعض الأسعار، في ظل بقاء الدخل الوسطي للمواطن 35 ألف ليرة سورية دون زيادة، وتناقض تصريحات مسؤولي النظام حول الزيادة مستقبلًا وربطها بزيادة إنتاج الدولة لمواردها.

أما على مستوى الليرة السورية فاستقر سعر الصرف عند 530 ليرة لمدة أشهر، قبل أن يبدأ بالانخفاض خلال الشهرين الماضيين إلى حدود 400 ليرة، ما أدى إلى أمل لدى المواطنين بتخفيض التجار للأسعار، لكن دون جدوى، إذ تبين أن انخفاض سعر الصرف عبارة عن مضاربة بين التجار الكبار والمصرف، ليعود خلال الأسابيع الأخيرة من العام إلى الارتفاع ويصل إلى 460 ليرة.

من جهة أخرى يمكن أن يطلق أيضًا على 2017 عام “فاتورة الدعم” العسكري والسياسي لكل من روسيا وإيران، إذ شهد توقيع عقود اقتصادية كبيرة في مختلف المجالات (النفط والغاز والكهرباء والقمح والطاقة والاتصالات والزراعة والصناعة والثروة الحيوانية…)، ليكون منطلقًا للدولتين بتحصيل ثمن دعمهما للأسد عن طريق الحصول على ميزات اقتصادية في سوريا وحرمان السوريين منها لعشرات السنين.

الغوطة خارج تخفيف التوتر

أما في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، فانقسمت بحسب موضعها الجغرافي، فالمناطق القريبة من الحدود مع الدول المجاورة كالأردن وتركيا شهدت تحسنًا اقتصاديًا، خاصة بعد اتفاقية “تخفيف التوتر”.

المنطقة الجنوبية شهدت هدوءًا نسبيًا عقب الاتفاق بين روسيا وأمريكا، مطلع تموز، ما أدى إلى تحرك الأسواق في بعض القطاعات وإنعاشها مثل تجارة المواد الغذائية والألبسة، إضافة إلى نشاط قطاع البناء والتجهيزات المنزلية وقطاعات توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، بسبب ازدياد عودة اللاجئين من الأردن إلى الداخل السوري.

في حين شهدت مدينة إدلب نشاطًا في الأسواق عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا الذي يعتبر الخاصرة التجارية للمنطقة، خاصة خلال الأشهر الأخيرة، كذلك مدن وبلدات ريف حلب الشمالي التي تشرف عليها تركيا.

أما معابر ريف حمص الشمالي فشهدت حركة محدودة أدت إلى تنشيط الحركة التجارية، وتأمين احتياجات السوق المحلية من المواد الغذائية واستقرار الأسعار، إضافة إلى تشجيع عودة الأهالي إلى منازلهم في المدينة.

لكن الأسعار عادت إلى الارتفاع بسبب عودة التضييق على هذه المعابر، بعد فشل اتفاق “تخفيف التوتر” لانقسام الفصائل والفعاليات المدنية.

أما في الغوطة فالأمر مختلف، فبالرغم من تضمن الاتفاق فك الحصار المفروض عليها من قبل قوات الأسد وإدخال المواد الأساسية، دون أي إعاقات أو ضرائب أو أتاوات، إلا أن المنطقة تعرضت إلى إحكام الحصار وتضخم في الأسعار، قبل اتفاقية بين التاجر محيي الدين المنفوش والنظام السوري، لإدخال المواد الغذائية والبضائع، قدرت أرباح النظام فيها بحسب معلومات عنب بلدي بنحو 20 مليون دولار.

الكرد يحاولون الاكتفاء ذاتيًا

طرد تنظيم “الدولة” من مناطق واسعة شمال شرقي سوريا، لصالح “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من قبل أمريكا، فتح الباب للحديث عن إعادة الإعمار بدعم دول خليجية منها السعودية.

في حين تبقى المناطق الخاضعة لسيطرة الكرد في الحسكة والرقة ودير الزور، تحاول خلق اكتفاء ذاتي من خلال اعتمادها على موارد أهمها النفط والزراعة، إذ يشكل الاقتصاد الزراعي حاليًا حوالي 75% من خريطة اقتصاد المنطقة.

كما تضم منطقة الجزيرة حقولًا نفطية وغازية ذات أهمية “استراتيجية”، منها الرميلان والشدادي والجبسة والسويدية، التي سيطرت عليها “وحدات حماية الشعب” منتصف العام 2012، إلى جانب الآبار الجديدة التي سيطرت عليها عام 2017 في ريف دير الزور الشرقي.

موجات نزوح ضخمة.. لا ترجعوا

في وقت تتحدث حكومة النظام السوري عن عودة بعض اللاجئين والنازحين مع الاستقرار الأمني، بحسب توصيفها، شهد عام 2017 موجات نزوح ضخمة جراء العمليات العسكرية للنظام وحلفائه، بالإضافة إلى تقدم القوات الكردية في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” شمالي وشرقي سوريا.

التصريحات الرسمية لم تكن كافية لخلق مناخ إيجابي لعودة اللاجئين والنازحين، بل ناقضتها تصريحات مسؤولين آخرين، أبرزهم اللواء القتيل، عصام زهر الدين، الذي توعد من يريد العودة بأنه لن يسامحهم، وحفظت عنه مقولة “نصيحة من هالذقن.. لا ترجعوا”.

انتهى حصار الزبداني ومضايا الممتد لسنوات في شباط 2017، حين هجّرت قوات الأسد و”حزب الله” اللبناني عددًا كبيرًا من أهالي المنطقة ومقاتليها إلى محافظة إدلب، وبلدة بلودان القريبة، لتخسر المعارضة بذلك واحدة من أبرز حواضنها الشعبية في محيط دمشق بعد داريا.

وبعد معارك امتدت إلى 36 يومًا، سيطر النظام على وادي بردى، ما أدى إلى نزوح 1500 شخص، في كانون الثاني 2017.

وشهد حي الوعر في حمص موجة نزوح ضخمة طالت حوالي 80% من سكانه، إثر اتفاقية تقضي بخروج مقاتلي المعارضة ومن يرغب من المدنيين.

وبحسب مصادر عنب بلدي فإن أعداد النازحين تراوحت بين 20 إلى 25 ألف نسمة، فيما لم يتبق في الحي أكثر من خمسة آلاف من سكانه.

وخرجت آخر دفعة من النازحين في 21 أيار الماضي، لتدخل الشرطة العسكرية الروسية وقوات الأسد الحي مباشرةً، وتحكم سيطرتها على مدينة حمص بالكامل.

11 دفعة غادرت الوعر، سبع إلى ريف حلب الشرقي، وثلاث إلى محافظة إدلب، فيما توجهت الدفعة الأخيرة إلى ريف حمص الشمالي.

وكانت أولى الدفعات انطلقت خارج الحي، في 18 آذار الماضي، وتوالت الدفعات بعدها بالخروج بشكل أسبوعي تقريبًا، ونقلت مراسلة عنب بلدي التي خرجت مع الأهالي، أوضاعًا صعبة عاشها المهجرون أثناء استكمال إجراءات انتقالهم إلى الشمال السوري.

وفي تشرين الأول الماضي انتهت العملية العسكرية التي قادتها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، للسيطرة على الرقة من تنظيم “الدولة”.

وخلفت العمليات العسكرية ضد التنظيم ما يقارب 450 ألف مشرد تركوا منازلهم، من أصل 470 ألفًا كانوا يعيشون في الرقة قبيل بدء معركة التحرير، وفق تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان.

وفي وقت كُتبت فيه آخر فصول هجمات قوات الأسد والروس على ريف دير الزور الغربي، الخاضع لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” في 6 أيلول 2017، اتبع “الحلفاء” أسلوب القصف الكثيف المتواصل، والذي امتد إلى ريف دير الزور الشرقي، واعتبرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان سببًا رئيسيًا لتشريد المدنيين.

أدى هذا الهجوم إلى نزوح 250 ألف إنسان إلى مناطق أخرى في دير الزور، تشهد اشتباكات بين قوات “سوريا الديمقراطية” وتنظيم “الدولة”، وبقي آلاف منهم على ضفاف نهر الفرات بالعراء دون أي رعاية.

ووثقت الشبكة عشرة اعتداءات جوية تعتقد أنها روسية، على معابر يستخدمها المدنيون للعبور بين ضفتي نهر الفرات باستخدام القوارب.

وفي تشرين الثاني الماضي، بدأ النظام معركة في ريفي حماة الشمالي والشرقي، وريف إدلب الجنوبي، بهدف معلن يتعلق بفتح طريق دمشق- حلب الدولي الذي يمر من هذه المناطق.

وأدت المعارك إلى نزوح آلاف المدنيين، وأكثر من 800 عائلة في النصف الأخير من كانون الأول، وفق معلومات عنب بلدي، الواردة من رئيس المجلس المحلي لمنطقة حوا شرقي محافظة حماة، ملهب الحسين.

ونزح بعض أهالي تل أغر ووادي شحرور والناصرية وتل عمارة وحوا، وقدّر ناشطون أعدادهم بالآلاف، ووفق الحسين، فإن بعض القرى شهدت نزوحًا كاملًا، بينما بقي مدنيون في قرى أخرى على أمل توقف المعارك.

مقالات متعلقة