هل تفقد المعارضة حاضنتها

معارك استنزاف إدلب بين الرهانات والواقع الميداني

مقاتلو المعارضة في ريف حماة الشمالي - تشرين الثاني 2017 (عنب بلدي)

camera iconمقاتلو المعارضة في ريف حماة الشمالي - تشرين الثاني 2017 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خاص

يشهد الريف الجنوبي الشرقي من محافظة إدلب، معارك استنزاف بين فصائل المعارضة ضد قوات الأسد والميليشيات المساندة، بعد وصول الأخيرة إلى تخوم مطار “أبو الظهور” العسكري، في حين تحاول الفصائل استعادة زمام الأمور العسكرية وجرها إلى صالحها من خلال هجمات عكسية، تراها الحاضنة الشعبية غير كافية لتغيير الواقع الميداني.

وحتى السبت 13 كانون الثاني، استعادت “هيئة تحرير الشام” قريتي طلب والدبشية جنوبي المطار، وشمالي بلدة سنجار “الاستراتيجية”، بعد معارك استمرت أيامًا في محيطه، بينما أعادت فصائل “الجيش الحر” محاولاتها لاستعادة السيطرة على الأرض، من محور ريف حماة الشرقي.

وسيطرت المعارضة على الخريبة والربيعة والمشيرفة، بعد إطلاقها معركة “رد الطغيان”، في 11 من الشهر نفسه، والتي تقدمت خلالها وسيطرت على قرى استراتيجية، لتعود وتخسرها خلال ساعات، في إطار مراهنتها على إمكانية التضييق على قوات الأسد، وإجبارها على الانسحاب من محيط المطار تخوفًا من الحصار في جيبٍ جنوبه.

وشهدت المعارك إشراك عربات تركية مصفحة لأول مرة، وفق صور نشرها فصيل “فيلق الشام” عبر معرفاته الرسمية، وقالت مصادر عسكرية من الفصيل لعنب بلدي، إن خمس عربات تركية شاركت في المعركة، استلمها “الفيلق” منذ حوالي خمسة أشهر.

بحسب مصادر عسكرية مطلعة على خطة المعركة، راهنت المعارضة على انحساب قوات الأسد “ضرب خاصرة قوات الأسد والمناوشة على تخوم المطار، لإيقاعها في حالة من التخبط وإجبارها على الانسحاب من محيطه”، معتمدة على “ضعف تحصين قوات الأسد للقرى التي خسرتها الفصائل سابقًا”، وفق المصادر.

ووثقت عنب بلدي مقتل العشرات من قوات الأسد، بينهم ضباط أبرزهم: قائد كتيبة “الرداد” في “الفيلق الخامس”، العقيد عز الدين ياغي، المنحدر من بلدة دريكيش في محافظة طرطوس، والعقيد محمود معتوق، المنحدر من قرية فديو في الساحل السوري، وقابلهم قتلى في صفوف المعارضة، التي أسرت بدورها العشرات وفق ما أظهرت تسجيلات مصورة.

وفي ظل زحمة المعارك في المنطقة، أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية”، أسر عناصر لقوات الأسد في محيط مطار “أبو الظهور”، وظهروا في تسجيل مصور بثته وكالة “أعماق” التابعة له، كما تبعه إعلان عن أسرى وقتلى جدد شرقي المطار، السبت 13 كانون الثاني، بعد أن تجاوز قرية طرفاوي على حساب “تحرير الشام”، وغدا بعيدًا عن المطار قرابة 15 كيلومترًا.

تضمنت غرفة العمليات كلًا من “فيلق الشام”، “جيش النصر”، “جيش إدلب الحر”، “جيش النخبة”، و”الجيش الثاني”، ووفق ما قالت مصادر عسكرية لعنب بلدي فإن “حركة أحرار الشام” و”جيش الأحرار” و”جيش العزة” و”حركة نور الدين الزنكي” وفصائل أخرى، يشاركون في المعركة.

كما أعلن “الحزب الإسلامي التركستاني” عن بدء معركة لاسترجاع المناطق التي سيطرت عليها قوات الأسد في المنطقة، تحت مسمى “وإن الله على نصرهم لقدير”.

محوران من ريف حلب الجنوبي

قوات الأسد فتحت محورين جديدين في ريف حلب الجنوبي، 12 كانون الثاني، نحو مطار “أبو الظهور” العسكري من الجهة الشرقية، وسيطرت على عدة قرىً منطلقة من منطقة خناصر، وصولًا إلى قرية أم العمد، إلى جانب محور ثانٍ من المنطقة الجنوبية لمدينة السفيرة.

وتحاول القوات حصار مناطق سيطرة الفصائل في أكثر من عشرين قرية في ريف حماة الشرقي، ضمن رقعة جغرافية يبلغ محيطها قرابة 125 كيلومترًا مربعًا، وتقع إلى الجهة الشرقية من نقاط سيطرة التنظيم في المنطقة، ويفصلها عن ذلك حتى السبت 13 كانون الثاني، كيلومترات قليلة.

التكتيك العسكري المعتمد من قبل المعارضة بدا ناجحًا في بداية المعركة، إلا أن محللين عسكريين أشاروا إلى صعوبة حصار قوات الأسد في المنطقة، ما يضع المعارضة أمام تحدٍ يتمثل بإمكانية ترجيح كفة المعارك لصالحها، وسط اتهامات من السوريين بـ “تنفيذها أجندات دول تتبع لها”.

 

هل فقدت المعارضة حاضنتها الشعبية؟

التراجع العسكري الملحوظ وفشل المعارضة في كبح تقدم قوات الأسد، بالتزامن مع صراع داخلي شبه دائم بين فصائل على حساب أخرى، أثر على رأي الحاضنة الشعبية التي وصلت إلى حد الخصام معها، ضمن القرى التي شهدت خلافات داخلية، كانت “تحرير الشام” طرفًا أساسيًا في معظمها.

الناشط خليل السامح قال لعنب بلدي إن ما تعيشه الثورة من أزمات ومطبات، وعدم تعاطي الفصائل مع المدنيين وحمايتهم من خلال تنفيذ مطالبهم بالتوحد في كيان واحد، أثر على العلاقة بين الطرفين، مشيرًا إلى أن “الانسحابات وغيرها والتي ربما تكون خارج استطاعة الفصائل، أسهمت بشكل كبير في نفور الناس ولومهم الدائم في ظل تكرار الأخطاء”.

من جهته اعتبر كمال أبو المجد، القائد العسكري في “أحرار الشام”، أنه “يجب فهم العلاقة التي تربط المدني بالفصيل قبل التحدث عن الثقة بينهما، مؤكدًا أن “الفصائل ولدت من رحم الثورة للدفاع عن أهدافها التي بدأتها بالشكل الصحيح وسيطرت حينها على مساحات واسعة من سوريا”.

ووفق أبو المجد، فإن “الفصائل التي تدعي حماية الأهالي من بطش النظام، بتنا نراها اليوم تتقاتل فيما بينها لبسط النفوذ على المناطق المحررة، وتستغل موارد الشعب وتتحكم بقوت يومهم، وتجاوز الأمر ذلك لتتدخل في الشؤون المدنية والتعليم، بينما بعض من ينأى بنفسه عن ذلك لا تخفى تبعيته لدول وتنفيذه لأجنداتها على حساب الشعب”.

تحرك تلك الأخيرة ربطه القائد العسكري بـ “أمر من الدولة”، ما خلق “فجوة كبيرة” في الثقة بين الفصائل والحاضنة الشعبية، التي باتت تحرض أبناءها للانشقاق، كما يقول، مشيرًا إلى أن “النظرة للفصائل يمكن تشبييها بنظرة الأم لابنها العاق، المستغل لها والطامح لتحقيق أوهامه البعيدة عن الواقع ببعده عن أهله”.

وأكد أبو المجد أن “الثورة أكبر من الجميع ولا يمكن لأحد تمثيلها، إن لم يلتف الناس حوله، وهذا يتطلب من الفصيل تبني أهدافها والعمل بمبادئها”.

معتز أبو عدنان، ناشط اجتماعي وأكاديمي في التدريب الإداري، قال لعنب بلدي إن شعور الأهالي نحو الفصائل يمكن فصله لقسمين، ثابت ومتغير، موضحًا أن “الثابت نتج عن قناعة صعبة المنال وهي أن الفصائل لا تمثل الثورة إنما الجهات الداعمة لها”.

وشبه الشعور المتغير بـ”شعور جمهور كرة القدم”، الذي يصفق للفائز دائمًا، “نرى كثيرًا من الناس تتماهى مع الوضع الراهن، فعند النصر يكون الفرح والمدح وعند الخسارة تظهر الشتيمة”.

نصائح للفصائل

إبراهيم الديري، مدرب توعية عسكرية عمل مع عدة فصائل معارضة، قال لعنب بلدي إن الحاضنة الشعبية، تعتبر أحد الشروط العسكرية للنجاح، “لذلك يجب على الفصائل أن تدرك خطورة الأمر وتداعياته، وتسعى للحفاظ عليها وتقويتها من خلال الزج بمقاتليها على جبهات القتال والابتعاد عن التدخل في الأمور المدنية”.

“الالتفات إلى المعارك هي الطريقة الأفضل التي تجعل الناس تقف بشكل كامل بجانب الفصائل”، من وجهة نظر الديري، واعتبر أن “شعور الناس أنها تسعى للحفاظ على الأراضي المحررة، يجبرهم على الوقوف إلى جانبها حتى ولو فشلت في بعض المراحل”.

ودعا الديري الفصائل للمحافظة على الحاضنة الشعبية، مشيرًا إلى أنها “لم تصل حتى اليوم لمرحلة الاعتراض العلني على وجودها أو مبادئها، إلا أن الأهالي هم رأس مال المعارضة، ووجودها مقرون بهم بغض النظر عن القوة العسكرية”.

مطار “أبو الظهور” في سطور

يعتبر المطار ثاني أكبر قواعد النظام السوري في الشمال السوري، وسيطرت عليه فصائل المعارضة في أيلول 2015، بعد هجوم قادته “جبهة النصرة” سابقًا و”الحزب الإسلامي التركستاني”.

وعقب السيطرة عليه منذ سنتين، انتهى أي وجود عسكري لقوات الأسد في المحافظة، عدا بلدتي كفريا والفوعة، اللتين ماتزالان تحت سيطرة ميليشيات من سكان المنطقة وعناصر من “حزب الله” اللبناني.

وللمطار أهمية استراتيجية وعسكرية، إذ يقع بين محافظتي إدلب وحماة، ويوجد فيه 22 مدرجًا.

ويبعد 50 كيلومترًا عن مدينة إدلب، و50 كيلومترًا عن مدينة حلب، و36 كيلومترًا عن منطقة خناصر، وتفصله 30 كيلومترًا عن سراقب و37 كيلومترًا عن وادي الضيف، وتبلغ مساحته بشكل تقريبي ثمانية كيلومترات مربعة.

تعرض المطار لعدة هجمات في السنوات الأولى للثورة السورية، وسيطرت عليه الفصائل بعد تقدمها في وادي الضيف ومعسكر الحامدية.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة