المسيح يصلب من جديد لـ نيكوس كازنتزاكيس

tag icon ع ع ع

يقدم الكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكيس معالجة لمصير الإنسان كما يراه منذ الأزل وإلى الأبد، من خلال روايته “المسيح يصلب من جديد”، للتأكيد على فكرة متداولة شعبيًا، لكن بأسلوب فني وفلسفي، وهي أن الأشرار سيتعرضون بالأذى لأنقى البشر وأكثرهم صدقًا، حتى وإن كان نبيًا.

وفي إحدى القرى اليونانية، يحاكي كازنتزاكيس التاريخ من خلال استعداد الأهالي لإحياء مراسم عيد القيامة، إذ جرت العادة على اختيار مجموعة من الأشخاص ليمثلوا دور الشخصيات الرئيسية في حياة المسيح، من بداية دعوته وحتى صلبه.

ويقوم الأشخاص الذين يقع عليهم الاختيار بتقمص صفات الشخصيات التي يؤدونها لمدة عام كامل، فإذا كانوا من حواريي المسيح عليهم الامتناع عن الشرب والكذب وأذية الناس، وهنا تكمن أصعب مهمة خلال التجهيز للاحتفال، فمن سيقبل بالقيام بدور “يهوذا” الرجل الذي وشى بالمسيح؟

ولا تكمن الصعوبة في القبول بتمثيل هذا الدور فقط، بل بتقديم الأسباب التي دفعت بمجلس شيوخ القرية إلى اختيار الشخص الذي سيؤديها، إذ لا يتم الاختيار اعتباطيًا، بل بناءً على أخلاق تميز الأشخاص المشاركين.

وبينما يعتمد كبار القرية على الشكل فقط لاختيار أبطال احتفالهم المقدس، فيسندون دور “يهوذا” لرجل قبيح، دون أي مراعاة لمشاعره، ودور “المسيح” لشاب جميل، تأخذنا أحداث الرواية لترينا كيفية اندماج الشخصيات في أدوارها إلى أبعد حد.

لكن هذا التماهي بذاته سيكشف العالم على حقيقته، إذ إن “يهوذا” يسعى لأذية الناس بكل طاقته بعد أن أوكل له هذا الدور، ويكنّ حقدًا كبيرًا على الشاب الذي حظي بدور “المسيح”، ويتعمد تجهيز كل الظروف المناسبة لمقتله.

بالمقابل، فإن الشاب الذي أخذ على محمل الجد تجسيده لدور “المسيح” بات من ألد أعداء كبار القرية الجشعين البخلاء الذين لا يهتمون سوى لأرباحهم، حتى تلم كارثة بقرية قريبة منهم فيحاولون استغلال النازحين، وحين يكتشفون فقرهم يعرضون عن مساعدتهم.

إلا أن الشاب “مانولي” بطل الرواية، يتمثل بأخلاق المسيح كما يراها ويساعد النازحين بكل طاقته، وبشكل يؤدي إلى إلحاق الضرر بمصالح كبار القرية، وتأخذنا الأحداث لنرى كيف يقف “يهوذا” وسكان القرية جنبًا إلى جنب، بمواجهة المسيح المفترض.

الرواية محاكاة بارعة للتاريخ، يقوم الكاتب من خلالها بتحليل عميق على المستوى النفسي الفردي والاجتماعي، ولا يطرح أفكارًا تخص طائفة أو دينًا بعينه، بالرغم من استخدامه للرموز المسيحية، إلا أن المشاكل التي يعالجها يعاني منها البسطاء حول العالم باختلاف انتماءاتهم في مواجهة رجال السلطة الذين لا يوفرون فرصة لاستغلال الدين من أجل خدمة مصالحهم الشخصية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة