نقل المقابر العشوائية في حلب.. “حفاظ على البيئة” أم “نسف للذاكرة”

camera iconصورة أرشيفية لعمليات توثيق الجثامين من قبل "هيئة الطبابة الشرعية" في حلب (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

أكثر من 150 ألف مدني خسرتهم مدينة حلب خلال خمسة أعوام من وقوع أحيائها الشرقية تحت قصف شبه متواصل من قوات النظام، وعلى الرغم من صعوبة عمليات توثيق الضحايا إلا أن جهات عدّة أكّدت أن العدد قد يفوق المذكور بكثير.

وتشهد المقابر العشوائية التي انتشرت في مدينة حلب خلال فترة سيطرة فصائل المعارضة، على التزايد السريع في أعداد الضحايا خلال تلك الفترة، الأمر الذي أدى إلى امتلاء المقابر النظامية، ودفع الناس إلى دفن موتاهم في الحدائق العامة وحدائق المنازل ومنصفات الشوارع.

ومع سيطرة النظام على المدينة نهاية عام 2016 خرج أغلب سكانها، دون أن يتمكنوا من العودة، تاركين وراءهم ذكريات منازلهم، وجثامين أهلهم وأقاربهم، كشاهد على مأساة استمرت لخمسة أعوام.

لكن هذا الشاهد يبدو اليوم مهددًا بالكتم بعد أن أصدرت محافظة حلب الشهر الماضي قرارًا بنقل 5500 قبر عشوائي إلى المقبرة الإسلامية الحديثة شرقي المدينة، وهو ما خلق مخاوف لدى أهالي الضحايا حول صعوبة التعرف على أماكن دفن أقاربهم الجديدة.

وعلى الرغم من أن القرار يبدو ضروريًا في سياق الحفاظ على البيئة، إلا أن إتمام عمليات النقل دون توثيق حقيقي قد يؤدي إلى حرمان آلاف الحلبيين من معرفة أماكن قبور ذويهم.

50 مليون ليرة لتنفيذ “سريع”

تضطلع “لجنة نقل المقابر العشوائية” المشكلة بالقرار رقم /11145/، الصادر عن محافظ حلب بمهمة نقل 5500 جثمان من أحياء حلب الشرقية إلى المقبرة الإسلامية الحديثة، وفق ما نشرته جريدة “الجماهير” المحلية بتاريخ 10 كانون الثاني الماضي.

ونقلت “الجماهير” عن رئيس اللجنة، محمد سالم شلحاوي، دعوته للإسراع في نقل المقابر والحفاظ على منصفات الشوارع والحدائق وساحات المساجد.

وتعمل اللجنة على إعداد إضبارة تنفيذية من قبل مديرية الأوقاف بقيمة 50 مليون ليرة سورية كدفعة أولى من مخصصات لجنة إعادة الإعمار البالغة 400 مليون ليرة لهذا الغرض والتحضير للإعلان عنها.

ودعت اللجنة إلى ضرورة توعية الأهالي وذوي الموتى إلى ضرورة نقل الجثامين فور تجهيز المقابر، دون الأخذ بعين الاعتبار أن الآلاف من الأهالي الذين تمّ تهجيرهم من حلب لا يستطيعون العودة، ودون التنويه إلى إجراءات التوكيل القانونية، وعدد الشهود المطلوبين للإتمام عمليات توثيق دقيقة.

كما لم يتم الحديث عن وجود جهات مستقلّة توثّق عمليات النقل، أو تشكل وسيط للتنسيق بين اللجنة والهيئات التي عكفت على توثيق الضحايا والموتى في حلب خلال سيطرة فصائل المعارضة.

وكانت هيئة الطبابة الشرعية في حلب عكفت على متابعة أمور الدفن وتوثيق الضحايا في المدينة بين عامي 2013 و2016، ووفق مديرها، محمد كحيل (أبو جعفر)، فإنها مكلفة بالأمر قبل مجلس المدينة ومجلس المحافظة، كونها جهة تتمتع بصلاحيات شرطية قضائية صحية.

أبو جعفر أكّد لعنب بلدي أن جهودًا حثيثة كانت تُبذل من قبل الهيئة لنقل المقابر العشوائية إلى مقابر نظامية محدثة، وفق آليات توثيق مدروسة، وأضاف “في العام 2015 عندما شاهدنا انتشار الدفن العشوائي، قررنا إنشاء مقبرتين؛ واحدة لجنود النظام واثنتين لأهلنا، وحين تم التوافق على الأمر كان الحصار قد وقع، واشتد القصف فلم نستطع أن ننفذ المشروع”.

وكان من المخطط أن يتم النقل وفق التوثيق الدقيق المشهود له من منظمات دولية الذي أجرته الهيئة، مع توثيق كل قبر، وفتح ضبط خاص به وإعطائه رقمًا وسماع شهادات الشهود للتأكد من هوية الشخص الذي تمّ دفنه، حسبما أكد أبو جعفر.

لكن الحصار واشتداد القصف حال دون إتمام العملية التي كان يجري التخطيط لها بشكل منهجي أكاديمي وبالاعتماد على خبرة أبو جعفر الطويلة في العلوم الجنائية.

خريطة توضح مكان المقابر الجديدة في حلب، والمناطق التي نقلت منها القبور (عنب بلدي)

خريطة توضح مكان المقابر الجديدة في حلب، والمناطق التي نقلت منها القبور (عنب بلدي)

مطالبات بتدخل منظمات مستقلة

ردًا على قرار محافظة حلب، أصدرت هيئة الطبابة الشرعية في محافظة حلب الحرة مناشدة لكافة هيئات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان لعدم السماح بنقل هذه القبور إلا تحت إشراف هيئات ومنظمات حقوقية محايدة.

وتدعو المناشدة الصادر عن الهيئة بتاريخ 16 شباط الجاري إلى “ضرورة توثيق كافة عمليات النقل وفق المعايير المتبعة في عمليات التوثيق المتعارف عليها دوليًا. وذلك حرصًا على حفظ الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية لهؤلاء الموتى وأسرهم”.

كما طالب مدير الهيئة، محمد كحيل، في لقاء مع عنب بلدي، المجتمع الدولي و”الصليب الأحمر” و”الهلال الأحمر”، ولجان ومنظمات حقوق الإنسان أن تشرف على هذه العمليات وتوثيقها بشكل أكاديمي.

وأضاف أبو جعفر “أنا مع نقل الجثامين لأن بقاءها مدفونة بالشكل الحالي يؤدي إلى حدوث تلوث بيئي، لكن بشرط أن تقوم بذلك جهات محايدة”، منوهًا إلى أن الطبابة الشرعية بذلت جهودًا كبيرة في إطار منع التلوث الناتج عن الدفن العشوائي.

وأبدى أبو جعفر استعداد الهيئة للتعامل مع لجان حقوقية أو جهات دولية لتزويدهم بالخرائط الدقيقة للقبور، وقال “نستطيع أن نضع خبرتنا العملية خلال سبعة أعوام أمام المنظمات الدولية، ونخبرهم عن آليات التوثيق المتبعة”.

مناشدة-1
مخاوف من “طمس الجريمة”

يرى أبو جعفر أن عدم التوثيق سوف يؤدي إلى ضياع الذاكرة لآلاف الحلبيين، مؤكدًا أن هذه العملية تساعد النظام على إخفاء جرائمه.

ويعود أبو جعفر بالذاكرة إلى الفترة التي تلت التهجير من حلب، حين ادّعى النظام أنه أن مقاتليه اكتشفوا وجود مقابر جماعية في الأحياء الشرقية لأشخاص قام مقاتلو المعارضة بتصفيتهم عقب الخروج من حلب، ما دفعه إلى الردّ والتأكيد أن المقابر الجماعية كانت لضحايا موثقين إثر قصف للنظام.

كما طالب أبو جعفر حينها بتشكيل لجنة دولية وطالبت بفحص الجثث، والتحفظ عليهم وبيان أسباب الوفاة.

ويربط أبو جعفر بين الحادثة الأخيرة وبين قرار نقل المقابر، في سياق سياسات النظام لطمس جرائمه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة