بين الاستغلال و"حجة" إعادة الإعمار

بيع العقارات ينشط في مدينة دير الزور

camera iconالشارع العام في مدينة دير الزور ويظهر يسار الصورة مسجد الراوي - 2013 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

أورفة – برهان عثمان

تتناوب الوفود الرسمية التابعة للنظام السوري على زيارة مدينة دير الزور، قادمة عبر الطيران المروحي إليها، إلا أن ذلك لا يخفي حقيقة المشاكل المتراكمة وصعوبة الحياة فيها، ما أبعد عن أذهان بعض الأهالي فكرة العودة إليها في الوقت الحاضر، ودفعت آخرين إلى بيع ممتلكاتهم وعقاراتهم السكنية والزراعية، كظاهرة جديدة تشهدها المنطقة على نطاق واسع.

“إلى أن نعود فلا كهرباء ولا ماء ولا حتى أمان”، تقول أم مهند (46 عامًا) من مدينة دير الزور، التي تشير في حديثها لعنب بلدي إلى أن منزلها دمر بشكل شبه كامل، ما دفعها إلى عرضه للبيع كقطعة أرض، عقب استقرارها وأبنائها في مدينة دمشق، مردفةً، “أعلم أنني سأغبن في السعر وأن الوقت ليس مناسبًا للبيع ولكني مضطرة”.

تكاليف الحياة اليومية المرتفعة في العاصمة ومصاريف دراسة أبنائها، دفع أم مهند لبيع المنزل، وتلفت إلى أن أشقاءها الأربعة باعوا منازلهم واستقروا في مناطق متفرقة.

لا ترى المرأة أن عمليات بيع وشراء الأراضي والعقارات في دير الزور خاطئة، رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها المدينة، “هذه هي الحرب لكن الحياة لا بد أن تستمر ونحن بحاجة إلى كل قرش”، وفق تعبير أم مهند، متحدثة عن “ضائقة مادية” يمر بها أغلب الناس وتمنعهم من ترف تجميد أموالهم كأراض وعقارات، ليتوجهوا للاستفادة من ثمنها ولو بيعت رخيصة.

العقارات المدمّرة تجذب المستثمرين

الأراضي الزراعية والعقارات السكنية المدمرة جزئيًا تجذب المشترين، يقول أبو حسن (56 عامًا)، الذي يعمل سمسارًا في العقارات بدير الزور، ويشرح لعنب بلدي عمله، “أحاول تسهيل عمليات البيع والشراء كوسيط أؤمّن الأوراق القانونية، وأشرف على تسيير المعاملات الخاصة بالبيع”.

ويلفت السمسار إلى أن السوق العقارية شهدت “حركة كبيرة”، بعد سيطرة قوات النظام على المدينة كاملة، نهاية العام الماضي، مشيرًا إلى أن “الحركة النقدية انعكست بشكل إيجابي على الأسواق، خاصة أنها ساعدت طرفي العقد من خلال تأمين سيولة للمشتري، وتسريع حركة البناء والإعمار، عبر تجار لديهم القدرة المالية يساعدون على استثمار هذه العقارات”.

ويتحدث أبو حسن عن إعادة إعمار المدينة، نافيًا تهمًا وجهت إليه وأمثاله من السماسرة، باستغلال الظروف الحالية، “رغم أن الحرب أدت لتدهور أسعار العقارات بشكل كبير، ولكن هذه قوانين السوق”، رابطًا الأسعار بحركة السوق التي تشهد تجاذبات مستمرة بين العرض والطلب، وفق تعبيره.

ويؤكد أن انخفاض أسعار العقارات “لم يحد من حركة السوق التي تشهد طلبًا متزايدًا من المشترين”، ويرونها فرصة لاستثمار أموالهم وتوسيع ممتلكاتهم، على حد وصفه، متحدثًا عن أمل في أن تنعكس الحركة على التسريع من دوران العجلة الاقتصادية، عبر فتح مجال واسع في المقاولات، وتحريك سوق العمل والحد من البطالة.

استغلال وانتهاز للفرصة

يصف المدرّس أبو عمر (49 عامًا) ما يجري في المدينة بأنه “أبشع أنواع الاستغلال”، متحدثًا عن بيع منازل تساوي قيمتها عشرات الملايين، بأقل من سعرها الحقيقي بحوالي 30%، “كثير من التجار والملاك والمتنفذين في أجهزة الأمن والدولة ينتهزون الفرصة لتوسيع أملاكهم، والاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي والعقارات بأرخص الأسعار”.

“ما يربطنا بالمدينة أكثر من مجرد حجارة يمكن بيعها وإنهاء الأمر، فهناك حياتنا وذكرياتنا وخيوط لن نستطيع قطعها مهما حاولنا”، تقول نهال محمد (48 عامًا) التي تركت مدينتها دير الزور منذ ستة أعوام، ولجأت إلى مدينة أورفة التركية التي تعيش فيها وعائلتها اليوم.

ترفض نهال بيع منزلها في المدينة، وتضيف بلهجة عامية خلال حديثها لعنب بلدي، “ما نقدر نلوم حدا لأنه باع بس لازم نحاول نتمسك بأملاكنا لآخر لحظة”.

ورغم إقرارها بأن بُعد الكثير من السكان عن أملاكهم يحرمهم من الاستفادة منها واستثمارها، خاصة مع صعوبة الإجراءات القانونية، إلا أن ما يقلق نهال يتمثل باحتمال تجمع العقارات والأراضي بيد فئات قليلة تمتلك المال والنفوذ، وفق تعبيرها.

تعاني معظم أحياء مدينة دير الزور من الدمار الكلي أو الجزئي، ويتركز أغلب السكان في أحياء القصور والجورة وهرابش، بينما بقي أكثر من سبعة أحياء كبيرة في المدينة شبه خالية من السكان في الوقت الراهن، وفق الأهالي.

وتجاوز أعداد سكان مدينة دير الزور قبل عام 2012 حاجز 400 ألف نسمة، وفق تقديرات ناشطين، إلا أنه تناقص ليصل اليوم إلى ما دون 150 ألفًا، بعد نزوح الآلاف خلال السنوات الماضية، رغم أنها شهدت عودة للأهالي خلال الأشهر الماضية، التي تلت سيطرة قوات الأسد عليها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة