تحدٍّ قد يغفر سنوات القطيعة

الدراما السورية تقتحم المسلسلات الرقمية

camera iconمسلسل بدون قيد (يوتيوب)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حلا إبراهيم

“اختر بنفسك كيف تشاهد”، بهذه المساحة من الحرية، التي أطلقت العنان لرغبة الجمهور في مشاهدة ما يحب من المكان الذي يرغب، بدأت فكرة الأعمال الدرامية التفاعلية، التي تعتبر الجمهور جزءًا من تكوين العمل ولاعبًا أساسيًا فيه.

تعتبر الأعمال الدرامية والبرامج التفاعلية جديدة على المشاهد العربي، فلم تصلنا حتى عام 2012 عندما عرضت قناة “الجمهورية”، وهي أول قناة عربية على الإنترنت، مسلسلاً تفاعليًا بعنوان “المحكمة” والذي فسح المجال أمام المشاهدين ليتحولوا إلى محققين جنائيين، ويتوصلوا إلى معرفة اسم القاتل في كل حلقة، إذ تعرض جريمة ويترك معرفة القاتل للمشاهد مع تقديم الأدلة.

البداية السورية “بدون قيد”

كان مسلسل “المحكمة” هو التجربة العربية الأولى، وتبعتها تجارب عربية أخرى، ويرى الناقد الفني جلال سيريس أن المسلسل الخليجي “أصعب قرار” الذي عرضته قناة “روتانا” كان من الأعمال التفاعلية الناجحة عربيًا، لأنه “أعطى المشاهد حرية اختيار المسار الدرامي، والنهاية المنطقية والأخلاقية له”.

إلى أن جاء الكاتب والممثل السوري رافي وهبي، وقدم مسلسل “بدون قيد”، وهو بحسب اسمه يكسر القيود التي اعتاد صانعو الدراما مواجهتها، ويصفها الصحفي السوري نورس عزيز، الذي يعمل في الإخراج والمونتاج، أنها “دراما بقالب جديد تتمرد على الدراما التقليدية، وتخلق لها فضاء أكبر يناسب مواقع التواصل الاجتماعي”.

ولبى مسلسل “بدون قيد” حاجات إنتاجية، منها أن معظم القنوات العربية في السنوات الأخيرة أخذت موقفًا غير معلن من طرح القضية السورية، في الدراما، كما أنه يشكل بديلًا للمنتجين الذين يبحثون عن تحقيق الربح بأقل تكلفة إنتاجية ممكنة، فوجدوا ضالتهم في “السوشال ميديا”.

وتركت حلقات المسلسل أثرًا واضحًا عند المشاهدين السوريين، وتوالت تعليقات عبر منصة “يوتيوب” مفادها أن الحلقات تصف الحياة التي يعيشها السوريون بكل تفاصيلها.

الصحفي السوري المتخصص في الفن والسينما عمر الفاروق قال لعنب بلدي إن المسلسل كان تجربة فريدة، وخاصة أنه مستمد من الواقع، وأن فكرته بعرض ثلاث شخصيات تسير في نفس الخط الدرامي، تخدم طبيعة المسلسل “التفاعلية”، إذ يستطيع المشاهد أن يبدأ من حيث يشاء، لأن الأحداث تتقاطع فيما بينها.

اختيار “يوتيوب” منصة لعرض المسلسل كان موفقًا، بحسب الفاروق، لأنه متوفر ومتاح للجميع، ما يساعد على انتشار المسلسل وضمان وصوله إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور.

هل كانت الخطوة متأخرة؟

ويعتبر “بدون قيد” نقلة في الدراما السورية، بعد الحالة التي وصلت إليها في السنوات العشر الأخيرة، إذ أبدى فنانون سوريون كثر استياءهم من الوضع “الرديء” وكان آخرهم الفنان أيمن زيدان، الذي كتب عبر صفحته في “فيس بوك” كيف يرى الدراما، التي أسهم في بنائها على مدى 30 عامًا، تنهار أمام عينيه.

وعن حال الدراما السورية يشرح الناقد جلال سيريس، لعنب بلدي، كيف تأثر سوق الدراما بالأوضاع السياسية، ويقول “تأثر المسلسل السوري بعد الثورة بشكل سلبي، ليس فقط في مواكبته للأنماط الجديدة للدراما، كالأعمال التفاعلية، بل أيضًا في طريقة طرح المواضيع”.

ولا يعتقد سيريس أن تجربة سوريا في المسلسلات التفاعلية جاءت متأخرة، لأن المشاهد العربي برأيه “لا يزال يهتم بمشاهدة الأعمال الكلاسيكية من الدراما، إضافة إلى أن هذا النوع من الأعمال يتطلب وجود وسائل لمشاهدتها، كشبكة إنترنت سريعة، وجهاز كمبيوتر وهذا ما تفتقر له شريحة كبيرة من الناس في سوريا”.

“الشك” على الطريق

ونتيجة نجاح تجربة رافي وهبي، اتجه مخرجون سوريون إلى الدراما التفاعلية، وهم ممن عرفوا بميولهم الكلاسيكية في الإخراج، مثل المخرج مروان بركات الذي يصور حاليًا مسلسلاً تفاعليًا بعنوان “الشك” من بطولة الفنان بسام كوسا، وديمة قندلفت، وآخرين.

ومدة الحلقة في “الشك” عشر دقائق، على أن يبدأ عرضه عبر “يوتيوب” في نيسان المقبل.

ويتوقع أن يتناسب محتوى المسلسل الجديد مع مستوى الممثلين، وهم من الأسماء البارزة في الدراما السورية، إذ تضعهم في تحد لإثبات قدرتهم على تمثيل هذا النوع من المسلسلات، التي تلقي على عاتق الممثل مسؤولية التحكم بأدواته بطريقة إبداعية أكثر لفهم الشخصية وأدائها، بشكل أقرب للمشاهد، كون هذا النوع لا يعطي الممثل الوقت اللازم لطرح هوية شخصيته بزمن أطول.

عوامل لنجاح المسلسل الرقمي

يرى الصحفي نورس عزيز أن قصر مدة الحلقات ضروري في هذا النوع من الأعمال، وفي مسلسل “بدون قيد” عالج ثلاث قصص تسير في نفس الخط، في خروج عن المألوف، يستطيع من خلالها المشاهد أن يبدأ من أي حلقة يريد، لتقوده إلى النهاية نفسها، ولكن دون أن يستطيع المشاهد أن يتحكم بالنهاية.

ويتفق مع هذا الرأي الناقد سيريس، لكنه يرى أن المسلسل “لم يتمكن من التوسع أكثر في افتراضية (ماذا لو)، فالمشاهد سواء اختار البدء من شخصية ريم، أو العقيد وفيق، أو حتى كريم، سيصل أخيرًا إلى نهاية واحدة، بمسار درامي أراد المؤلف أن يوصله للمشاهد، وهذا ينسف أهم شرط من شروط المسلسلات التفاعلية”.

ويفضل سيريس أن يكون المشاهد حرًا أكثر للتحرك ضمن المسارات الثلاثة.

ولكن رغم ذلك يرى سيريس أن من عوامل النجاح في المسلسل كان قصر مدة الحلقات، والترابط الدرامي الجيد بين المشاهد، وبناء الشخصية بطريقة احترافية، إضافة إلى كسره لبعض التابوهات الموجودة داخل الدراما، والتي كانت حكرًا على السينما في وقت من الأوقات، فمعظم المشاهدين تمكنوا من مشاهدة هذا العمل في جلسة واحدة، وبزمن قصير، على خلاف الأعمال الدرامية الأخرى.

مخاطرة لا بد من دراستها جيدًا

وبينما يطمح المشاهد السوري لرؤية المزيد من هذه المسلسلات، بسبب ما تفرضه زحمة العمل على أسلوب الحياة، ورغم أن بعض المنتجين بدأوا يتوسمون خيرًا في إنتاج المسلسلات التفاعلية، إلا أنها لا تخلو من المخاطرة، إذ يعتمد نجاح المسلسل على مدى تفاعل الجمهور معه، ما يتطلب مستوى دراميًا عاليًا.

ولا يعتقد سيريس أن الدراما السورية ستتجه إلى هذا النمط، كوننا ما زلنا بحاجة إلى بناء ثقة بين المشاهد العربي ووسائل التواصل الاجتماعي.

وتنصح الناقدة والكاتبة إيمان السعيد من يرغب بصناعة هذا النوع من الدراما ألا يستسهلها، فبرأيها أن “الكلفة المنخفضة للإنتاج لا تعني الابتعاد عن الاحترافية، وخاصة على مستوى النص”، إذ تجب مراعاة ذكاء المتلقي، الذي بدأ بمتابعة أعمال درامية ناجحة وضخمة، فضلًا عن ضرورة الاستثمار الجيد والواعي والمسؤول في مسألة الرقابة وحرية التعبير، التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي، دون غيرها من المنابر الإعلامية.

وتضيف لعنب بلدي “في البدء كانت الكلمة”، في إشارة إلى أهمية النص لنجاح المسلسلات التفاعلية على وجه الخصوص، مؤكدة وجوب توجه هذه المسلسلات إلى “الصدمة” في طرح المواضيع لتصوير ما يعتري المجتمع من اضطرابات، تحتاج إلى إعادة بناء وتفكير وانتقاد الواقع بشدة إلى درجة “تمريغ أنفسنا بالحقيقة”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة