عيد الثورة وانتخابات بوتين

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

يصدر هذا العدد من عنب بلدي مع ذكرى خروج أهل درعا في 18 من آذار2011 معلنين اندلاع الثورة السورية، وفي نفس هذا اليوم (18 آذار) تتم انتخابات الرئيس الروسي الناجح “سلفًا” فلاديمير بوتين.

أهالي درعا هبوا غضبًا من أجل أطفالهم، الذين اعتقلهم الأمن، وأوصاهم بإنجاب غيرهم، وأكد حينها عاطف نجيب، أن رجاله في المخابرات يستطيعون مساعدة أهل درعا على إنجاب أطفال لهم، إن لم يكونوا قادرين على ذلك.

أطفال درعا لم يكونوا خائفين من عاطف نجيب ولا من عائلة الأسد كلها، عندما كتبوا كلماتهم العفوية على الجدران (جاك الدور يا دكتور!) وكان لديهم تقدير لبشار الأسد باعتباره دكتورًا، وليس دراكولا كما تبين لاحقًا، خلال سنوات الثورة القاسية.

فلاديمير بوتين ورغم عظمته، فإنه مصاب برهاب المظاهرات، والاحتجاجات، فتربيته المخابراتية في الكي جي بيه، رسخت في روحه كراهية الناس واحتقار مطالبهم المشبوهة دائمًا، وهو لا يتوانى عن تدمير العالم من أجل وقف احتجاج، أو تظاهر يثير في نفسه الذعر، ويهدد هندسته للعالم كموطن شرعي لغرف التحقيق والتعذيب، وملعب لمطاردة الفارين والمحتجين بالصواريخ وبالغاز السام.

بوتين سيعلن بعد ساعات من إصدار هذا المقال نصره المؤزر في الانتخابات التي لا ينافسه فيها أحد، إلا من اختارهم هو بنفسه، وهذه فضيلة لم يسمح بها الأب القائد، إذ كان موسوسًا، ولا يثق حتى بخياله.

وفي نفس وقت إعلان الانتصار الساحق لبوتين على منافسيه، ستكون الطائرات الروسية تجرب أنواعًا جديدة من الأسلحة التقليدية، أو الكيميائية فوق درعا، وفوق الغوطة، وفوق ما تيسر من مدن سورية، المدرجة على لوائح خطط الإعداد العسكري للجيش الروسي، رغم أن هذا الجيش “العقائدي البطل” لم ينتصر إلا في اجتياح المدن، وتدميرها، ولعل تدمير ربيع براغ، وغروزني من أهم انتصارات الجيش الروسي عبر تاريخه النضالي في تثبيت المستبدين، والقتلة عبر العالم.

البلاد الروسية تشهد )العرس الديمقراطي( البوتيني، وسوريا تشهد التدمير الوحشي الروسي لسوريا، وكل هذا القصف، وهذا التدمير من أجل محو آثار أطفال درعا، وتغييبهم من ذاكرة الناس، الذين هبوا في كل أرجاء سوريا ضد بشار الأسد، ولم يكونوا يدركون أن بوتين لديه فوبيا الاحتجاج الشعبي، وسينقض على المدن والقرى السورية بالصواريخ الارتجاجية، التي تبحث عن المختبئين في الملاجئ من أطفال الغوطة، أو من أطفال درعا، أو ممن لا يزالون يأملون بإزاحة بشار الأسد وطغمته المخابراتية.

تولد الرهاب ضد الاحتجاجات الشعبية في نفس بوتين عندما كان ضابط مخابرات في مفرزة برلين الشرقية، وهب الناس عام 1989 ضد هونيكر وضد الوجود الروسي في ألمانيا، وصار الضابط الصغير حينذاك يبكي مجد جهازه الذي يمد أياديه الأخطبوطية عبر العالم، واتصل بالجيش الأحمر في موسكو من أجل إنقاذه، وإنقاذ تقارير المخبرين في برلين، ولم ينل إلا التجاهل، والاستهزاء من رئيسه حينذاك غورباتشوف، الذي كان يسهم بدفن مملكة التعذيب، والقمع السوفيتية، ويحاول أن يبحث لشعبه عن أمل في الحصول على الطعام، بدلًا من الحصول على المزيد من الشعارات، والجواسيس، والقتلة.

أريش هونيكر كان صديق حافظ الأسد، وهو من أهداه فكرة الجبهة الوطنية التقدمية، وقد حزن عليه الأسد عندما تم إسقاطه، ولكن بعد التخلص منه، تم توحيد ألمانيا التي صارت تتفوق على الكثير من دول العالم بتقنياتها واقتصادها، وبقدرتها على استقبال اللاجئين، والاستفادة من إمكانياتهم، على عكس إرث حافظ الأسد الذي استمر، وهو يحتقر الناس ويهجّرهم، ويدمّر البلاد السورية، ويشتت شعبها، لأنهم طالبوا بقليل من الكرامة والحرية، أمام أبواب أجهزة القمع التي بناها بأحقاده، وبكراهيته للبشر.

اليوم يشرع الجيش الروسي باستكمال تدمير درعا بالقصف الجوي، مع النظام الأسدي والإيراني، ويجهز لافروف وزير خارجية بوتين، دزينة جديدة من الأكاذيب ومن “الفيتوهات” من أجل منع تشويه سمعة روسيا، التي تمنع حتى فرق الإغاثة، وتمنع الطواقم الطبية من إنقاذ البشر، وتدافع عن النظام البريء، الذي لم يفعل شيئًا أبدًا إلا تدمير ثلاثة أرباع سوريا، وتهجير نصف سكانها “الرجعيين والخونة”.

الثورة السورية وبمناسبة عيدها، لا تزال حيّة، ولم تمت، رغم التعذيب، والتنكيل، والتهجير، وهي لا تزال تستعيد ذكرى أطفال درعا الذين يكرههم بوتين، وبشار الأسد. الثورة السورية التي ضحى أبناؤها بكل شيء، وتم تهجيرهم، والتنكيل بهم، لا تزال تنظر إلى الأمام، إلى سوريا الجديدة الخالية من عائلة الأسد، ومن أجهزتها الوحشية، وإلى سوريا الخالية من مختلف أنواع الاحتلالات الدولية.

ولا تزال هذه الثورة تخيف التنظيمات الإرهابية التي تتوجس شرًا من كل شعار أو رمز يشير إلى الحرية. فالإرهابيون، ونظام الأسد، وبوتين، يشتركون جميعًا بهذا الرهاب المجنون، الذي يمزق حياتهم، وهو رهاب الحرية، فهم يريدون عالمًا خاليًا من الحرية، ومن الكرامة، ويستجيب للأوامر، والتوجيهات، والفتاوى، بشكل آلي كما يستجيب الصاروخ لضغطة الزر، وكما يستجيب المخبر لأوامر معلمه، وكما يستجيب ماتازوف (المعلق الروسي شبه الآلي، والأب الروحي لشريف شحادة) لقبول القصف الكيميائي، وغير الكيميائي، وهو يدافع عن الفيتو الروسي. عالم آلي خال من الروح، يكرر نفس التبريرات، ونفس الشعارات، ونفس الاستمتاع بالقتل، وهو يتأمل بأعينه المعدنية جثث الضحايا.

في هذه الذكرى لاندلاع الثورة نوجه تحية لشهدائنا، ولمعتقلينا، ولجرحانا، الذين مهدوا لنا أن نخرج من قمقم الاستبداد الذي يخنق بلادنا منذ مئات السنين. هذه الثورة التي هبت من أجل الحرية والكرامة، لا تزال غير آبهة برهاب بوتين، ولا بأوهام بشار الأسد، ولا بأحقاد الخامنئي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة