تعا تفرج

رجل “بهيمة” من سلالة المعري

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

يقول صديقي الظريف “أبو عبيدو” إن الفيسبوك يسلي أكثر من نصف كيلو بزر ناعم. فالإنسان الفيسبوكي يتمتع بميزة نادرة، وهي أنه يمتلك وقت فراغ طويلًا، يستيقظ صباحًا، وقبل أن يحتسي فنجان القهوة الصباحي مع صوت فيروز تراه يفتح الفيسبوك ليرى إن كانت لديه رسائل، ثم ينطلق في جولة مكوكية مثل جولات وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر الذي كان، في سنة 1974، يسافر من تل أبيب إلى القاهرة إلى عمان إلى دمشق، وبالعكس، بقصد ترتيب اتفاق لفصل القوات يرضي إسرائيل، وتقبل به الدول العربية مرغمةً، كالعادة.

ويسافر الفيسبوكي على صفحات الآخرين، وبعد القهوة، وربما خلالها، يلاحق المناسبات الاجتماعية، ففي يوم الجمعة يكتب لأصدقائه “جمعة مباركة”، وفي بقية الأيام لا يترك عيد أب، أو عيد أم، أو عيد شجرة، أو عيد ميلاد أحد أصدقائه، إلا ويدلي بدلوه فيه، معتقدًا أن التاريخ سوف يحاسبه في المستقبل حسابًا عسيرًا على أي تقصير يبدر عنه، فمثلًا، لو لم يحتفل بعيد الأم في هذه السنة سيقول له “التاريخ”: بصلاة محمد، يا فلان، ويدي على راسك، والنبي كبّاسك، في عيد الأم بـ 21 آذار من سنة 2018، ليش ما ترحمت على أمك، وأمهات أصدقائك، وعموم أمهات المسلمين؟ وحينما رأيتَ أن صديقك فلانًا الفلاني غيّر بروفايله، ووضع إحدى صوره الجديدة بدلًا من القديمة، ليش ما كتبت له “منور أبو فلان الورد”؟

لم ينجُ أحد منا، نحن الفيسبوكيين، في عيد الأم لهذه السنة من الترحم على والدته، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم العثور على بوست واحد مختلف عن البوستات التي تُرسِل الرحمات مثل زخ المطر إلى أمهاتنا وأمهات المسلمين، دون وجود أي شيء فني أو أدبي مبتكر.

ولكنني، مع ذلك، عثرت على بوست طريف يترحم كاتبه على امرأة مسيحية أجنبية كانت تقدم العون، بحنان نادر، لأطفالنا المنكوبين، ودون أن تنتظر مقابل ذلك جزاء أو شكورًا. طبعًا لم أقرأ التعليقات، لأنها بدأت تنقلب، منذ اللحظة الأولى، إلى فتاوى، وأسئلة عبقرية من قبيل: هل يجوز الترحم على امرأة كافرة أم لا يجوز؟ وبعد أن تقرأ قال فلان، وقال علان، توشك على الوصول إلى النتيجة وهي أن نترك أطفالنا بلا مساعدة نكاية بتلك الكافرة… وأما صديقتي ميسون ملحم فكتبت، في سياق بوست عن عيد الأم، أن الحق على الأمهات اللواتي خلفن هذه الخلفة التعيسة! وهي لا تعمم، بل تقصد بعض الناس الذين تظهر منهم الإساءات للآخرين ولأوطانهم.

أخيرًا: موضوع الخلفة ذكرني بمهرجان خطابي أقامته الجبهة الوطنية التقدمية لصاحبها حافظ الأسد، ذات يوم، في صالة الباسل بإدلب. أحد الخطباء بدأ خطابه بقوله: يا أحفاد طارق، وخالد، وصلاح الدين، وأبي العلاء المعري… ههنا التفتُّ نحو صديقي القاص تاج الدين الموسى وسألته: المعري له أحفاد؟

فقال لي بصوت سمعه الحاضرون كلهم تقريبًا: أصلًا المعري رفض أن يتزوج حتى ما يطلع بين خلفته واحد “بهيمة” مثل هذا!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة