احذروا انطواء أطفالكم..

تطبيقات الانتحار تستهدف “فريسة سهلة” في سوريا

tag icon ع ع ع

عنب بلدي –  صبا الكاتب

في العاصمة السورية دمشق، التي لا تبعد كثيرًا عن خطوط المواجهات العسكرية، لقي الطفل علاء الدين الفواخيري حتفه، لكن ليس عن طريق القصف أو القتال، بل وجدته والدته الكسندرا، مساء الثاني من آذار 2018، معلقًا بحبل مربوط في سقف غرفته بعد عودتها من زيارة إحدى صديقاتها.

لاحقًا أكدت الفواخيري أن ابنها الوحيد لم يكن يعاني من مرض نفسي، ولكن كانت تلاحظ على سلوكه تصرفات غريبة كميله للانطواء والابتعاد عن المحيط، والجلوس ساعات في الظلام وبيده الموبايل الذي كان شديد الالتصاق به في كل مكان، كما رأت في إحدى المرات عدة جروح على شفتيه تذرّع بأنه عضّها عن طريق الخطأ.

لا شك أن الذكاء الاصطناعي وصل إلى مرحلة متقدمة من التطور، وبات يسيطر بشكل كبير على الحياة اليومية بأدق تفاصيلها، إلا أنه تعدى المهام الموكلة له في الترفيه وتسهيل الحياة، بعد أن استغله تجار وباحثون عن الأذى لتحقيق غاياتهم، عبر ابتداع وسائل جديدة للإيقاع بالضحايا كبعض الألعاب الإلكترونية التي قد تودي في نهاية المطاف إلى الانتحار.

لم يخطر ببال الكسندرا أن ابنها كان تحت تأثير أحد تطبيقات الانتحار، حتى أكدت ذلك هيئة الطب الشرعي في دمشق، بعد أن وجدت عند معاينة الجثة بعض التشطيبات والجروح، وأكدت أنها ليست جريمة قتل بل حادثة انتحار.

وأشار رئيس الهيئة، الدكتور أيمن ناصر، والكاشف عن الحالة الدكتور تاج الدين شاكر، للعديد من وسائل الإعلام المحلية أنها ليست الحالة الوحيدة، ففي الآونة الأخيرة وصل إليهم عدد من المراهقين شنقوا أنفسهم دون دافع مرضي أو دوائي (مرض نفسي أو تعاط).

وتبين لاحقًا أن بعض أصحاب حالات الانتحار تمت السيطرة على عقولهم عبر تطبيق لعبتين على الموبايل اسمهما “الحوت الأزرق” و”مريم”، واستخدم الترغيب والترهيب لدفعهم إلى حادثة الشنق والموت.

ولم تنته تحقيقات الهيئة بشكل نهائي، فلا يزال التقصي في بعض الحالات جاريًا، بحسب تصريحات الطب الشرعي، الذي يعمل في هذا المجال على إفراغ محتوى الموبايل للتأكد من وجود هذا التطبيق، كإحدى خطوات التحقيق.

تخليص العالم من النفايات

تستهدف لعبة “الحوت الأزرق”، التي صممها الروسي فيليب بودكين (21 عامًا)، المراهقين بين 12 و16 عامًا، ويهدف من إنشائها، على حد قوله، إلى تقديم خدمة إلى العالم تتمثل في تنظيفه من “النفايات البيولوجية” التي ستؤذي المجتمع لاحقًا، وأكد أن المنتحرين سيكونون فيما بعد سعداء بقرارهم.

وكان الشاب الروسي بدأ مشروعه في موقع إلكتروني يحرض الأطفال على الانتحار، قبل أن يتم حجبه، وتقوم خطته على عزل الطفل أو المراهق عن وسطه الاجتماعي، وكسب ثقته قبل البدء بتحريضه على الانتحار.

وتتمثل اللعبة بمجموعة من التحديات المؤذية، تبدأ بمستويات بسيطة كالاستيقاظ في أوقات غريبة بين نهاية الليل وبزوغ الفجر ومشاهدة أفلام رعب، ويتوسطها طلب رسم حوت على يد اللاعب وإرسال صورة تثبت ذلك، وتنتهي بعد 50 يومًا بتدمير نفسية اللاعب بتحدي الانتحار.

ويخضع التطبيق لسيطرة مباشرة من قبل أشخاص يتواصلون مع اللاعب بشكل شخصي، يتخللها تهديدات بأعمال عدائية ستنفذ على المقربين منه في حال لم يطبق التعليمات.

النسخة العربية.. انتحار ومخابرات

وطرحت لعبة “مريم” للتداول من قبل المستخدمين في 25 من تموز 2017، عبر تحميلها من متجر “آبل”، من قبل المبرمج السعودي سليمان الحلبي، الذي أكد أن تصميم اللعبة يسعى إلى تعزيز التفاعل بين التطبيق والمستخدم.

وتدور أحداث اللعبة حول طفلة صغيرة تاهت عن منزلها اسمها مريم، وعلى اللاعب أن يساعدها في الوصول إلى منزلها، وخلال الرحلة تتفاعل مريم وكأنها شخص حقيقي، إذ ينالها التعب وتطلب التوقف عن السير والمتابعة في اليوم التالي.

وتسعى مريم إلى التعرف على الشخص الذي يساعدها، فتطلب منه معلومات شخصية عن اسمه وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. مبرمج اللعبة قال إنها “مجرد لعبة”، وإن برمجتها مصممة للاحتفاظ بالمعلومات على جهاز المستخدم، ولا يمكن أن تصل إليه بأي حال من الأحوال.

ولكن ما أثار ريبة المستخدمين هو الأسئلة السياسية التي تطرحها هذه الطفلة، وحذرت العديد من الدول ومنها الإمارات، في بدايات انتشار اللعبة، من إعطاء معلومات شخصية لها، والابتعاد عنها لا سيما مع انتشار إشاعات تفيد باستغلالها المعلومات الشخصية لأهداف سياسية.

واعتبر كثيرون من المستخدمين أن هذه اللعبة هي الإصدار العربي من لعبة “الحوت الأزرق”.

تحدي السرية

بحثنا عن اللعبة في “جوجل” ومتجر “آبل” و”فيسبوك”، ولم نجدها، فالوصول إليها بحسب مهندس المعلوماتية، عبد الهادي السيد، ليس سهلًا، ما يوضح أنها “ليست متاحة للجمهور للعام”، وهذا أحد مصادر التشويق والإثارة فيها، إذ يتطلب اللعب بها تلقي دعوة من شخص ما يملكها سابقًا.

وأكد المهندس أن القائمين على مواقع التواصل ومتاجر التطبيقات العالمية لا يتحققون إن كان التطبيق أو اللعبة الجديدة تشجع على الانتحار أو لا، بل يتأكدون إذا كان التطبيق يحتوي مخالفات برمجية وتقنية فقط كتسببه ببطء الأجهزة، أو احتوائه على فيروسات، وبالتالي فحظر التطبيقات يتم عن طريق تبليغات المستخدمين عنها.

ونفى السيد أن يكون مصممو تطبيقات الانتحار على علم مسبق ببيانات المستخدمين، إذ يمكن أن يحصلوا عليها حصرًا من خلال التواصل مع اللاعبين بشكل مباشر.

المراهقون.. فريسة سهلة؟

تجد تطبيقات الانتحار بيئتها الخصبة عند المراهقين الذين لديهم اضطراب بالهرمونات يؤثر على حالتهم المزاجية، بحسب المعالجة النفسية صبا بيطار، التي توضح أن هذه الحالة المزاجية يضاف إليها تلقيهم نمطًا معينًا من الموسيقى والصور في الألعاب توصلهم إلى الاكتئاب ثم الانتحار.

أما العلاقة الاجتماعية التي تربط المراهق بأسرته ومحيطه فتلعب دورًا أساسيًا في إقباله على الألعاب، فوجود أي شرخ فيها يتسبب بخروجه عن السيطرة، ويبدأ في هذه المرحلة بالبحث عن ذاته واستقلاليته بالابتعاد عن محيطه، ويجد في هذه الألعاب المأوى.

وحذرت بيطار من الأصدقاء الذين يشجعون على الإقبال على هذه التطبيقات، خاصة عند تفاخر أحدهم بتجربته لها دون تعرضه للأذى، ووجهت نصائح للأهل بالبدء بتشكيل خطوط حوار مع المراهق منذ الصغر، إلى جانب وضع قواعد صارمة في الأسرة، كإطفاء أجهزة استقبال الإنترنت في الليل، وأن يكونوا القدوة في تصرفاتهم والتزامهم بتلك القواعد.

الدعوات لوضع ضوابط أخلاقية صارمة وعقوبات شديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مؤذٍ يجب أن تؤخذ على محمل الجد، بعد ازدياد استعماله لأهداف غير سلمية، على ما يقوله الخبيران في المعلوماتية والعلاج النفسي اللذان قابلتهما عنب بلدي.

مؤسس “مريم” يقبع حاليًا في السجن بعد أن وشت به فتاة إلى السلطات عقب وصولها إلى المرحلة الأخيرة من اللعبة، بينما لا يزال العديد من المراهقين في العالم يجلسون خلف التطبيق على مقاعد مسرح الانتحار.

ماذا تعرف عن “الحوت الأزرق”؟

يعرف عن الحيتان الزرقاء ظاهرة السباحة إلى الشاطئ والعلق هناك حتى الموت، في حال عدم إنقاذها بإرجاعها إلى البحر، وهو ما دفع إلى تسمية اللعبة بهذا الاسم، التي حصدت أرواح 130 شخصًا في بلد نشأتها وحده (روسيا).

أصدرت دار الإفتاء المصرية، مطلع نيسان 2018، فتوى بتحريم المشاركة في لعبة “الحوت الأزرق”، بعد انتحار نجل البرلماني المصري السابق حمدي الفخراني، نتيجة استخدامها.

وفي تونس سجلت السلطات ثماني حالات انتحار، منذ نهاية العام الماضي وبداية الحالي، سببها تطبيق “الحوت الأزرق”، نجت إحداها فقط من الموت.

أما في الجزائر فقد شهدت خلال شهر كانون الأول 2017، وحده ست محاولات انتحار، ثلاث منها في مدينة سطيف، وحالتان في محافظة جاية، بينما نجا مراهق من الموت بعد إنقاذ والده له في اللحظات الأخيرة.

وظهرت العديد من الحالات في لبنان آخر ما أعلن عنها، في شباط الماضي، عن الطفلة حنين الآغا، التي حاولت الانتحار أربع مرات.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة