النفايات.. طاقة مهدورة في سوريا

camera iconمكب للنفايات في الجيزة بدرعا (المجلس المحلي في الجيزة)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

عملت دول “متقدمة” خلال العقدين الماضيين على الاستفادة من النفايات واستثمارها بعد فرزها ونقلها إلى معامل ومكبات وحاويات نظامية مغطاة قبل معالجتها، لكن سوريا بقيت تعاني من صعوبة التخلص من نفاياتها، إذ ما زالت أغلب البلديات تجمعها دون فرز وتتخلص منها بجمعها في مكبات مكشوفة في مناطق بعيدة نسبيًا عن التجمعات السكانية، ثم حرقها.

في أوائل العام الماضي، اشتكى أهالي ركن الدين ومساكن برزة في العاصمة دمشق من الدخان المتصاعد والروائح المنبعثة من مكب وادي السفيرة بمنطقة ركن الدين، ليصرح عقبها مدير معالجة النفايات الصلبة في محافظة دمشق وريفها، موريس حداد، عن دراسة لتوليد الكهرباء من القمامة.

مشاريع على ورق

وبالرغم من الحديث مرارًا من قبل حكومة النظام السوري عن وجود دراسات للاستفادة من النفايات وتأسيس مشاريع وإنشاء مصانع، بقيت هذه الاقتراحات حبيسة مكاتب المسؤولين، في حين كانت محاولات إنشاء مصانع بجهود شخصية قليلة، لأسباب منها ضعف الموارد المالية اللازمة لتأمين المعدات.

وفي تصريح لمدير محافظة دمشق، عماد العلي، لصحيفة “تشرين” الحكومية، في آذار الماضي، أوضح أن كمية القمامة التي يتم ترحيلها يوميًا من دمشق تصل إلى ما يقارب ثلاثة آلاف طن يوميًا، أي أكثر من مليون طن سنويًا.

في حين أكد، في آب 2017، أن تكلفة ترحيل النفايات في دمشق في 2016 وصلت إلى 4.7 مليارات ليرة سورية، لكنه لم يكشف عن أماكن تجميعها وطرق التخلص منها.

الوضع في بقية المناطق السورية الخاضعة لأطراف متعددة لم يكن بأفضل حالًا من مناطق سيطرة النظام، إذ انتشرت النفايات في الشوارع والحارات قبل تشكيل مجالس محلية في كل منطقة، عملت على ترحيل القمامة وجمعها في مكبات وحرقها، كما هو الحال في ريف حلب الشمالي ومناطق الإدارة الذاتية في الحسكة، وريف حمص الشمالي الذي شهد انتشار القمامة نتيجة توقف عمال النظافة عن نشاطهم لانقطاع رواتبهم، ما دفع الأهالي إلى حرقها حرصًا على انتشار الأمراض.

منظمات ترفض مشاريع النظافة

في ريف حماة الخاضع للمعارضة تجمع المجالس المحلية في المدن والقرى النفايات عبر متطوعين وترمى بمكبات عشوائية قبل حرقها.

وأكد رئيس مجلس محافظة حماه الحرة، نافع البرازي، لعنب بلدي، أن المجلس قدم مشروعًا لإحدى المنظمات لتخصيص مكب للنفايات من ضمنه إعادة تدويرها لكن دون جدوى، معللًا ذلك بأن دراسة المشاريع بحاجة إلى وقت خاص في ظل الظروف الميدانية في المنطقة.

من جهته، قال رئيس مجلس محافظة إدلب التابع للحكومة المؤقتة، غسان حمو، إن كمية النفايات في إدلب تبلغ حوالي ثلاثة آلاف طن (كل متى؟)، يتم جمعها عن طريق المجالس المحلية وتنقل إلى المكب المخصص لها لحرقها.

وأشار حمو إلى أن المجلس درس “مشروع نظافة” لمدة أربعة أشهر يقوم على جمع النفايات من المجالس المحلية وعزلها وجمعها بمكبين، شمالي المحافظة وجنوبها، ثم تدويرها إلى حبيبات بلاستيكية وأسمدة عضوية ومعامل غاز، وقدم المشروع إلى منظمة “giz” الألمانية لكن لم تتم الموافقة عليه، لافتًا إلى خطورة انتشار النفايات وخاصة في فصل الصيف إذ تنتشر الحشرات الناقلة للأمراض وخاصة حبة اللشمانيا.

ولا يختلف الوضع في مناطق المعارضة في درعا جنوبي سوريا، فمشاريع النظافة التي تقدمها بعض المنظمات تقوم على دعم المجالس المحلية ببعض الجرارات وحاويات القمامة، من أجل ترحيل النفايات للمكبات خارج التجمعات السكانية وحرقها.

عامل في أحد مجالس المحافظة، رفض التصريح باسمه، قال لعنب بلدي إن مكبات النفايات مكشوفة لانتشار الأمراض، ومشاع لأشخاص يعملون بجمع البلاستيك والكرتون وغيره، من أجل بيعه.

أما عملية التدوير وإعادة تصنيع النفايات فغير موجودة، لأن إنشاء المصانع يلزمه تمويل كبير، وفي الوقت الحالي لا توجد بوادر لذلك كون الأولوية هي لتنظيف البلدات والطرقات وتعزيز المياه والكهرباء والخدمات الأولية، بحسب تعبير العامل.

لكن في الأشهر الأخيرة بدأت بعض المجالس في درعا بالتعاقد مع مستثمرين لاستثمار المكب عبر مناقصة، ليقوم بعدها العمال بفرز النايلون والحديد والبلاستيك وبيعه إلى أطراف أخرى غير محددة، في حين تحرق البقية.

الفرز بداية التدوير

عنب بلدي تواصلت مع خبراء في مجال إعادة التدوير، أوضحوا أن العملية تبدأ بفرز النفايات من قبل المواطنين، النايلون والمعادن والبلاستيك كل على حدة، وعندها يمكن أن يستفاد منها ببيع المعادن والورق إلى التجار مباشرة، في حين يتم الاستفادة من فرز الخشب بتحويله إلى نشارة والاستفادة منه في الشتاء.

أما في حال عدم الفرز فالجهد والتكاليف تتضاعف وتحتاج العملية إلى دعم أكبر.

ومن أبسط أساليب الفرز حاليًا ويمكن استخدامها في مناطق المعارضة، هي استخدام “قشاط” (حزام) طويل يتم تدويره وتمرير النفايات عليه، ثم فرزها من قبل عمال على جانبيه.

وسادت تساؤلات حول عدم دخول شركات أو مستثمرين من الدول المحاذية لمناطق المعارضة كريف حلب الشمالي وإدلب أو درعا جنوبًا والحسكة شرقًا، لكن ذلك يحتاج إلى استقرار ووجود أمان للطرق التجارية، بحسب الخبراء الذين تواصلت معهم عنب بلدي.

في الدول المتقدمة تستفيد الحكومات من النفايات بتحويلها إلى طاقة، ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تدوير 50% من النفايات بحلول عام 2020، بالمقارنة مع 35% عام 2010، و23% عام 2001.

وللوقوف على أبرز الدول المتقدمة في تدوير القمامة، نشرت وكالة البيئة الأوروبية (EEA) في 2013 إحصائية صنفت بها الدول العشر الأوائل من حيث التخلص من النفايات وهي: النمسا 63%، ألمانيا 62%، بلجيكا 58% وهولندا وسويسرا 51%، الولايات المتحدة والسويد 49%، لوكسمبورج 46%، النرويج 42%، وأخيرًا الدنمارك 40%.

وعملت بعض الدول على إصدار قوانين صارمة منها منع طمر النفايات في باطن الأرض، إضافة إلى تخصيص بعض الدول أكياسًا خاصة بكل نوع من النفايات، فالأصفر للورق والكرتون، والأزرق للبلاستيك والمعادن، والأخضر لمخلفات الحدائق، والأبيض لبقية المخلفات.

كما ألزمت بعض الدول المواطنين بقوانين صارمة أصبحت من روتينهم المعتاد، حتى سادت ثقافة بينهم بضرورة فرز النفايات بدءًا من المنزل.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة