tag icon ع ع ع

فريق التحقيقات في عنب بلدي

“الوطن ليس لمن يسكن فيه وليس لمن يحمل جواز سفره أو جنسيته، الوطن لمن يدافع عنه ويحميه”، ربما يعتبر هذا التصريح لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، أدق توصيف لجملة سياسات قانونية رسمية “مريبة” تعمل عليها حكومته، يقول مهندسون ورجال قانون إن هدفها الاستيلاء على أملاك المهجرين والمعارضين السوريين.

كان هذا التصريح في 26 تموز 2015، خلال لقاء الأسد برؤساء وأعضاء المنظمات الشعبية والنقابات والغرف التجارية والصناعية، أي قبل عام من التوصل لاتفاق لإخلاء مدينة داريا وتهجير سكانها، وهي الحلقة الأولى في سلسلة “هجرات” لسكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، من حلب والقلمون وحزام العاصمة دمشق، وآخرها الغوطة الشرقية.

ولحقت هذا التصريح جملة قوانين، آخرها كان “القانون رقم 10″، الصادر في 2 من نيسان 2018، وينص على “إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية”، وأثارت مواده ضجة غير مسبوقة بين حقوقيين وقانونيين ومهندسين، وشغل حيزًا في وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

القانون له شقان، قانوني وهندسي، وتحاول عنب بلدي، من خلال لقائها بمختصين هندسيين وقانونيين، تسليط الضوء على أبرز الثغرات الواردة في مواده، والتي يمكن من خلالها “سلب” المواطنين واستملاك أملاكهم العقارية من قبل جهات سياسية.

توسيع البيكار.. من دمشق إلى كل سوريا

في العام 2012، أصدر رئيس النظام السوري “المرسوم 66″، الذي نص على تنظيم منطقتين في العاصمة دمشق، الأولى تقع خلف مشفى الرازي ومنطقة بساتين المزة العشوائية، والثانية جنوب المتحلق الجنوبي إلى القدم وعسالي وشارع الثلاثين.

وجاء “القانون رقم 10” الحالي مكملًا لـ “المرسوم 66″، لكنه شمل كامل الأراضي السورية، إذ ينص على إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية بتكليف من وزارة الإدارة المحلية، التي قد تختار أي منطقة تريدها لفرض مخطط تنظيم جديد لها، دون العودة إلى المجالس المحلية.

ويعاب على القانون الجديد أنه جاء في وقت هجر فيه أكثر من نصف السوريين من بيوتهم، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، ما يعني أن الحكومة قد تستثمر غيابهم وفقدان أوراق ملكياتهم للاستحواذ على أملاكهم بطرق تعتبرها “قانونية”.

ويتخوف المواطنون من ألا تراعي آليات تنفيذ القانون ظروفهم، من حيث إخطارهم بالتنظيمات الجديدة، وقصر المدة المتاحة لتثبيت ملكياتهم، أو إمكانية ذلك أساسًا في ظل إدراج أسماء مئات الألوف منهم على قوائم المطلوبين للنظام السوري، وحرمانهم من تسيير المعاملات في مؤسسات الدولة.

ويتوقع أن تستهدف التنظيمات الجديدة أماكن كانت خارجة عن سيطرة النظام السوري، وتعرضت لدمار واسع، ما أجبر سكانها على النزوح، وهو ما ألمح إليه مجلس الوزراء باعتماده “خطة شاملة” لإعمار الغوطة الشرقية، بالتزامن مع إخلاء سكانها في آذار الماضي.

ووردت في القانون مواد وعبارات عامة تحتمل التأويل والتفسير، بحسب ما قاله رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل، الذي أكد، في حديث إلى عنب بلدي، أن القانون لم ينص على تعليمات تنفيذية، إذ يسمح للنظام أن يأخذ نصوصه إلى المكان الذي يريده، ومن هنا تأتي خطورته.

يحصل خلط بين مصطلحات القانون والمرسوم والمرسوم التشريعي، وبالرغم من أنها قوانين بالمعنى العام، لكنها تختلف باختلاف الجهة التي أصدرتها.

القانون يصدر عن مجلس الشعب بعد نقاشه.

في حين يصدر المرسوم التشريعي عن رئيس الجمهورية في حالات خاصة، عندما يكون مجلس الشعب خارج دورات انعقاده، ويماثل المرسوم التشريعي القانون مرتبة، فيمكنه تعديل القوانين، كما يمكن للقوانين تعديل المراسيم التشريعية.

أما المرسوم فيصدر من رئاسة الجمهورية ويتعلق بالشؤون الإدارية.

مدة قصيرة لإثبات الملكية

نصت المادة 2/6 من القانون على أن “تدعو الوحدة الإدارية خلال شهر من صدور مرسوم إحداث المنطقة التنظيمية، المالكين وأصحاب الحقوق العينية بإعلان ينشر في صحيفة محلية واحدة على الأقل أو إحدى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والموقع الإلكتروني لها (…)، للتصريح بحقوقهم (شخصيًا) أو عبر أقارب حتى الدرجة الرابعة أو بموجب وكالة قانونية”، وفي حال عدم التصريح خلال المدة المصرح بها، ستصبح أملاكهم ملكًا للدولة.

لكن الإعلان عن المنطقة التنظيمية حصر بالوسائل المحلية فقط ولوحة إعلانات في المنطقة، في حين أن ملايين السوريين المهجرين خارج سوريا قد لا يكونون مطلعين على هذه الوسائل، ما يحرمهم من حق إثبات ملكيتهم.

كما أن مهلة ثلاثين يومًا الممنوحة لمالك العقار لإثبات ملكيته غير كافية، بحسب القاضي حسين بكري، الذي شغل سابقًا مستشارًا في مجلس الدولة.

وأكد بكري لعنب بلدي أن القانون لم يأخذ بعين الاعتبار وجود الكثير من المالكين خارج سوريا نتيجة التهجير، إضافة إلى مئات الآلاف من القتلى والمعتقلين، ما يعني أن القانون لا يراعي الحد الأدنى من العدالة في الحفاظ على حقوق السوريين في ملكياتهم.

تعرف الوحدة الإدارية وفق المرسوم التشريعي 107، الصادر في 2011، بأنها المحافظة أو المدينة أو البلدة أو البلدية، ولها شخصية اعتبارية.

الملاحقة الأمنية قد تحرم المواطنين من حقوقهم

إن تمكن مالكو العقارات خارج سوريا من الاطلاع على إعلان التنظيم، فسيكونون غير قادرين على الوصول إلى اللجان المختصة لإثبات ملكيتهم أو الاعتراض والتسجيل لأسباب أمنية، وبالتالي يتوجب عليهم إنابة أقاربهم حتى الدرجة الرابعة أو توكيل أحد المحامين بوكالة قانونية كما ورد في المادة.

لكن قرنفل أكد أن إرسال الوكالة إلى داخل سوريا يستغرق أشهرًا لتصديقها من قبل السفارات، في ظل وجود تعقيدات تفرضها الأجهزة الأمنية على تصديق الوكالات الخارجية، ما يعني أنه قد تمر فترة الشهر المنصوص عليها قبل انتهاء إجراءات الوكالة، إضافة إلى أن المطلوبين أمنيًا للنظام سيكونون غير قادرين على إنابة أقاربهم أو توكيل أي شخص خوفًا من تعرضهم للملاحقة الأمنية من قبل أجهزة المخابرات، الأمر الذي يضيّع حقوقهم، علمًا أن هناك مليونًا ونصف المليون مطلوب لأجهزة النظام السوري، بحسب تسريبات نشرها موقع “زمان الوصل” في آذار الماضي، دون فهم أسباب نشرها في هذا التوقيت.

ومن أكبر المشكلات التي يثيرها “القانون رقم 10″، هو ما ورد في المادة 12/22، التي تقول: “تعد جميع مقاسم المنطقة التنظيمية المخصصة للمالكين وأصحاب الحقوق مملوكة على الشيوع فيما بينهم”، ويعني ذلك تحول المالكين الأصليين من مالكين مستقلين في السجل العقاري إلى مالكين لحصص سهمية تنظيمية شائعة ضمن منطقة تنظيمية جديدة، يعاد توزيع حصصهم وفق المخططات التي تضعها الشركات العقارية والمستثمرون.

وسيجد المالك نفسه أمام ثلاثة خيارات بحسب المادة 17/29، إما التخصص بمقاسم، أو أن يكون جزءًا من شركة مساهمة بصفة شريك على الشيوع، وفي حال رفض ذلك تقوم الوحدة الإدارية ببيع أسهمه في المزاد العلني وهو الخيار الثالث، وهذا يفسح المجال أمام مؤسسات وشركات مختصة اعتبارية (غير معروفة حاليًا) لشراء هذه الحصص وتملكها.

ونصت المادة رقم 19 من “المرسوم 66” على أن “تقوم محافظة دمشق بالاشتراك مع المؤسسات والشركات المختصة بتنفيذ المرافق العامة والبنى التحتية”، لكن المادة لم تحدد جنسية هذه الشركات المساهمة المغفلة التي تستطيع تملك مقاسم ناجمة عن التنظيم وأن تؤسس كيانها داخل هذه المناطق التنظيمية، بحسب القاضي حسين البكري.

كما أكد البكري خطورة المادة 10/20، التي تنص على “إحداث صندوق خاص لكل منطقة تنظيمية لتغطية وتمويل كل نفقات المنطقة”، ويمول الصندوق من القروض أو الإيرادات الناتجة عن عقود المبادلة أو المشاركة التي يبرمها مجلس الوحدة الإدارية من أجل تمويل الصندوق مع أشخاص اعتباريين مختصين، مقابل تمليكهم حصصًا في المقاسم التنظيمية العائدة للوحدة الإدارية، الأمر الذي سيفتح الباب أمام أشخاص وشركات ومؤسسات أجنبية (قد تكون إيرانية أو روسية) لتملك المقاسم، ما يسهل استبدال السكان الأصليين للمنطقة المراد تنظيمها.

استملاك دون تعويض بحجة المصلحة العامة

أجاز “القانون رقم 10” اقتطاع ملكيات خاصة من أجل المنفعة العامة دون تعويض مالي، وهو ما جاء في المادة 11/21، على أن “يقتطع مجانًا وفق المخطط التنظيمي العام والمخطط التفصيلي جميع الأراضي اللازمة لإنجاز وتنفيذ طرق وساحات وحدائق (…) دون بدل أو تعويض”، وهذا يخالف المادة 15 من الدستور السوري، التي تنص على أن “لا تنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقًا للقانون”.

وبحسب دراسة قام بها الأمين العام في “الحكومة السورية المؤقتة”، المستشار فخر الدين العريان، فإن القانون تعامل مع الملكية على أساس الملكية الثابتة بالسجل العقاري، في حين أن هناك أبنية مخالفات على عقارات لمالكين مختلفين عن مالكي الأبنية، غير مسجلة بالسجل العقاري الدائم والمؤقت، إذ يحتفظ مالكو الأبنية فقط بعقود شخصية من تاجر البناء وإيصالات الاشتراك بالكهرباء والماء، وكل هؤلاء لن يكونوا قادرين في هذه الظروف والمدد القليلة للاعتراض على تثبيت حقوقهم في الملكية.

لصالح جهات سياسية

سحب البساط من تحت المجالس المحلية

وضع القانون الجديد صلاحية إحداث مخطط تنظيمي جديد بيد وزارة الإدارة المحلية في الحكومة، لتفرض بذلك المخططات من السلطات العليا على عكس ما كان معمولًا به سابقًا.

واعتبر مسؤول الحوكمة وبناء القدرات في “وحدة المجالس المحلية” في سوريا، المهندس محمد مظهر شربجي، الذي شغل سابقًا رئيس شعبة المهندسين بريف دمشق، أن القانون غير واضح وتدور حوله تساؤلات كثيرة بشأن الجهة المسؤولة عن إصدار المخطط التنظيمي.

شربجي أوضح أن الأصل أن يقوم المجلس المحلي، المنتخب من قبل أهالي المنطقة المراد تنظيمها ويعتبر أعلى سلطة، باقتراح تعديل مخطط تنظيمي للمنطقة التابعة له بحالتين، الأولى أن يكون المخطط نفذ منه 80% ما يحق للمجلس طلب توسعته، أو أن يكون قد مضى على المخطط ثلاث سنوات لإعادته وتوسعته باتجاه أكبر إذا احتاج الأمر لذلك، وفي كلا الأمرين يتم اقتراح المخطط الجديد أو التوسعة بقرار من قبل المجلس المحلي للوحدة الإدارية.

أما القانون الحالي، فقد سحب الصلاحيات من المجلس المحلي ووضعها بيد وزير الإدارة المحلية والبيئة في الحكومة، وهذ ما نصت عليه المادة الأولى من القانون، التي تقول: “يصدر مرسوم بناء على اقتراح وزير الإدارة المحلية بإحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية (…)”، وبالتالي قرار تنظيم أي منطقة لم يأتِ من القاعدة الشعبية أو المجلس المحلي الذي يمثل أهالي المنطقة، بحسب شربجي، وإنما عراب إصدار المخطط هو وزير الإدارة المحلية المعين من قبل الجهة الإدارية السياسية، وسيكون منفذًا لقرار جهات عليا، ما يعني تدخل جهات إدارية وسياسية لفرض مخطط تنظيمي، لتغيير في شكل منطقة ما (تغيير ديموغرافي وجغرافي)، ما يفتح الباب أمام دخول جهات ودول إلى أي منطقة وإنشاء مناطق دينية وسياحية لمصلحة مجموعات محددة وليس لمصلحة المنطقة وأهلها.

سابقًا، كان المخطط التنظيمي يعرض على أهالي المنطقة للاطلاع عليه، ويدرسه خبراء، ثم يرفض أو يوافق عليه، قبل تقديم الأهالي اعتراضاتهم للجنة تسمى “اللجنة الإقليمية” من 11 عضوًا وتتكون من عدة وزارات وإدارات (الزراعة والمواصلات والخدمات والإسكان ورئيس البلدية والمحافظ (…)”، وتدرس طعون المواطنين على المخطط، ويحق لهم اللجوء إلى أي جهة قانونية لمتابعة اعتراضهم.

لكن هذه اللجنة في القانون الحالي لم تذكر نهائيًا ولم يلحظ أي دور لـ “المرسوم 5” وتبعاته التنظيمية الإدارية، بل تشكل لجنة من ثلاثة أشخاص يشكلها المحافظ، إضافة إلى عدم توصيف الخبراء الذين يتم انتخابهم من قبل المالكين كما ورد في المادة 3/8، إذ إن الخبير يجب أن يتصف بمواصفات منها الخبرة ونوعها.

وتحدث شربجي عن غياب تام في القانون الجديد لـ “مديرية الخدمات الفنية” التي تعتبر أقوى جهة تصدر المخططات في كل محافظة، إضافة إلى غياب أسس التخطيط العمراني التي تضبط وتنظم تخطيط المدن والتعليمات التنفيذية، كما تغيب البلاغات والقرارات والكتب من الوزارة أو المحافظة، التي تستخدم في أثناء مناقشة المخطط التنظيمي، والتي تصل في سوريا إلى 15 قرارًا أو تعميمًا أو بلاغًا، فالقانون الحالي لم يوضح الأسس التخطيطية العمرانية التي يمكن الالتزام بها، وإنما وجه مباشرة لإنشاء مخططات تنظيمية ضمن المخطط التنظيمي العام، ما يعني وجود جهة معينة تريد تغيير المنطقة وتوجيه بلديتها لتطبيق مخططها، خاصة وأن القانون يتيح دخول شركات تطوير عقاري وشركات مساهمة مغفلة “مجهولة” قد تأخذ نسبًا وحصصًا.

وأكد شربجي أنه من المفترض أن تكون أسس التخطيط التي ستنفذ واضحة، وخاصة فيما يتعلق بنظام توزيع الملكيات، إذ يوجد في سوريا ما يسمى بـ “التوزيع الإجباري” الذي ينص على اقتطاع أراضٍ من حصة المالك لصالح الأملاك العامة بنسب عادلة، مشيرًا إلى أنه في حال تم تنفيذ أسس غير “التوزيع الإجباري” سيكون الأمر خطيرًا وغير عادل ويؤدي إلى ظلم الكثيرين.

“قانونيًا” هناك مخطط تنظيمي عام مصدق لكل وحدة إدارية، وضمنه توجد مخططات تفصيلية مصدقة لأجزاء، بحسب شربجي، بينما يتحدث القانون الحالي عن إحداث مخططات تنظيمية لأي وحدة إدارية ضمن المخطط العام الذي قد يشمل حدائق وأملاك دولة، وبالتالي سيستغل النظام من خلال هذا القانون المساحات غير المنظمة تفصيليًا، ويقوم بتنظيمها بغير الصفة المعتمدة والمصدقة في المخطط العام.

مبان مدمرة في الغوطة الشرقية لدمشق (EPA)

مناطق قد يشملها القانون تنظيميًا

عقب صدور “القانون رقم 10” تزاحم أصحاب العقارات إلى “المديرية العامة للمصالح العقارية” في دمشق وريفها، بهدف السؤال عن تفاصيل القانون وتثبيت ملكياتهم، الأمر الذي دفع مدير المصالح العقارية في ريف دمشق، سالم عثمان، إلى إصدار توضيح بأن “الطلبات التي تقدم إلى المديرية للحصول على وثائق إثبات ملكية سابقة لأوانها، ولا يمكن الاستفادة من هذه البيانات حاليًا كما يشكل عبئًا على المديرية وعلى المواطنين”.

خريطة توضح المدن التي تم تهجير سكانها بموجب اتفاقيات التسوية

وكثرت التساؤلات عن المناطق التي قد يشملها القانون، وبالرغم من عدم وجود أي مادة فيه تشير إلى ذلك أو صدور أي تعميم من قبل الإدارة المحلية، أشار الخبراء الذين قابلتهم عنب بلدي إلى مناطق يمكن أن تكون منطلق تنفيذ القانون.

أولى هذه المناطق هي الغوطة الشرقية، باعتبار أن القانون صدر بعد أيام من إعلان قوات الأسد سيطرتها على مساحات واسعة من المنطقة، في 31 من آذار الماضي، وتهجير الآلاف من مقاتلي المعارضة وعائلاتهم إلى شمالي سوريا، إضافة إلى وجود مساحات واسعة مدمرة في المنطقة نتيجة القصف والمعارك التي دارت لسنوات.

أما المنطقة الأخرى فهي حي باب عمرو في حمص، الذي يعتبر أول الأحياء الحمصية التي شهدت صدامًا مسلحًا في عام 2012، وحوصر لأكثر من 25 يومًا، لتسيطر عليه قوات الأسد بشكل كامل بعد تدمير أجزاء واسعة منه، وخروج جميع المدنيين في شباط 2012.

وبحسب ما قال وزير الإدارة في حكومة النظام السوري، حسين مخلوف، لصحيفة “الوطن”، المقربة من النظام، في 9 من نيسان الحالي، فإن الوزارة تعد دراسات لتنظيم بعض المناطق في المحافظات السورية منها مدخل دمشق من مبنى البانوراما حتى ضاحية حرستا، إضافة إلى وجود مخطط تنظيمي لمنطقة باب عمرو في حمص، على غرار منطقة “ماروتا سيتي” التي تُنظم خلف بساتين الرازي في دمشق وفق المرسوم 66، بحسب قوله.

كما قد يشمل القانون تنظيم الأحياء الشرقية في حلب، التي سيطرت عليها قوات الأسد في 22 من كانون الأول 2016، إضافة إلى أحياء جنوبي دمشق في حال تمت السيطرة عليها، كونها تشهد معارك بين قوات الأسد وتنظيم “الدولة الإسلامية” والفصائل المقاتلة في المنطقة.

كما أفادت وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، في 16 من نيسان الحالي، أن لجنة فنية مكلفة ناقشت وضع حلول تخطيطية جديدة لبعض المناطق في داريا ضمن حدود المخطط التنظيمي للمدينة، في حين كان معاون وزير الإدارة المحلية في حكومة النظام السوري، لؤي خريطة، أعلن في أيلول العام الماضي، عن تشكيل لجنة لدراسة تنظيم داريا وإدخالها ضمن مدينة دمشق.

وشهدت داريا معارك بين “الجيش الحر” وقوات الأسد، وحصارًا لأربع سنوات، قبل أن تتوصل لجنة ممثلة عن فصائل وفعاليات المدينة، إلى اتفاق مع النظام يقضي بإفراغ المدينة، في 26 من آب 2016، ليدرس بعدها تخطيط المدينة بحجة أن جزءًا منها لا يمكن إعادة تأهليه نظرًا للدمار والخراب الذي لحق به، لهذا سيتم التعامل معه على غرار المشروع التنظيمي 66 لمنطقة بساتين خلف الرازي، بحسب ما قاله مخلوف، في أيلول العام الماضي.

 

قوانين لا تقل خطورة عن “القانون 10”

لم يكن “القانون رقم 10” الأول الذي يهدف النظام من ورائه إلى تحقيق غايات سياسية، وبالرغم من خطورته وتناوله إعلاميًا بشكل كبير، يرى رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل، أن القانون الحالي هو جزء مكمل لسلسلة طويلة من المراسيم والقوانين الصادرة خلال السنوات الماضية، المتعلقة بموضوع الملكيات العقارية والحقوق العينية العقارية للمواطنين السوريين، بهدف إعادة الخريطة الديموغرافية في سوريا عبر الأدوات القانونية.

قرنفل قال إن “القانون الحالي تم تسليط الضوء عليه أكثر مما يجب، فبتناوله من رجال قانون وحقوقيين، أخفي ما هو أخطر منه، مثل المرسوم التشريعي رقم 12 لعام 2016، الذي يتعلق بإنتاج نسخة رقمية عن السجلات العقارية، ومن ثم إعادة إنتاج نسخة ورقية عن النسخة الرقمية، وفتح باب الاعتراضات على ما ورد في النسخة الرقمية لمدة أربعة أشهر وهي غير كافية، لأن ما يقارب نصف الشعب السوري خارج بلده بين نازح ولاجئ، وهذا يفتح المجال ويرسم خريطة طريق لكل قطاع الطرق واللصوص الذين جلبهم النظام لمحاربة الشعب السوري”.

واعتبر قرنفل أن “المرسوم رقم 12” خطوة أولى أمام مؤيدي النظام والميليشيات الأجنبية لاستملاك عقارات السوريين بطرق قانونية، عبر استغلالهم لغياب أصحاب العقارات والتقدم باعتراضات يدعون فيها ملكية هذه العقارات التي تنقل إلى ملكيتهم دون علم أصحاب العقارات الحقيقيين.

كما أشار إلى خطورة “القانون رقم 33” الصادر في 2017، المتعلق بـ “تنظيم آلية العمل في إعادة تكوين الوثائق العقارية المتضرّرة كليًا أو جزئيًا، أو التي ثبت فقدانها نتيجة الحوادث الطارئة”، كونه يرسم خريطة إدارية أو قضائية لإعادة تمكين بوثائق عقارية، يزعم أنها تالفة أو مفقودة، وهذا يعني إتاحة الفرصة لكل مدعٍ بحق أنه يملك عقارًا، ويقدم اعتراضًا بالحق العيني أن وثيقته تالفة فيتم ترميمها على أساس ادعائه بعد إحضار شهود، في ظل عدم علم صاحب العقار الأصلي (الذي ربما يكون خارج سوريا) للاعتراض، وبالتالي تنتقل الملكية عبر وثيقة عقارية جديدة لمالك جديد.

هل يمكن التحرك لإيقاف هذه القوانين؟

طرحت أسئلة كثيرة حول مشروعية هذه القوانين والمراسيم، خاصة وأن نظام الأسد لا يزال معترفًا به دوليًا ويشغل مقعد سوريا في الأمم المتحدة، ويصدر كل الوثائق التي يحتاجها السوريون في مختلف مناطق وجودهم.

مدير مؤسسة “قانون وسياسة ومجتمع” (قسم) للاستشارات والدراسات، حسام الحافظ، قال حول الاعتراف بمشروعية القوانين الصادرة في سوريا إن الأمم المتحدة لا تملك سلطة للقول إن القوانين الصادرة صحيحة أو لا، أو إن النظام شرعي أو غير شرعي، لكن توجد آليات قانونية دولية (القانون الدولي لحقوق الإنسان) يمكن أن يلجأ المتضررون لها للشكوى من السياسات المعينة لأي نظام يرتكب جرائم مثل النظام السوري ضد مواطنيه، كما توجد آليات الجانب الحقوقي داخل الأمم المتحدة (مجلس حقوق الإنسان).

وأشار إلى أن الآليتين مختلفتان، لكن يمكن اللجوء إليهما للتنبيه على الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون السوريون بموجب القوانين الصادرة من قبل نظام غير شرعي.

ولأجل إبطال هذه القوانين توجد إجراءات كثيرة، بحسب الحافظ، فعلى الجانب السياسي يجب الإصرار الدائم وإثبات عدم شرعية النظام ووجوده في المنظمات الدولية، والتواصل مع جميع الدول لقطع علاقتها معه بوصفه نظامًا غير شرعي وسحب الاعتراف منه.

أما على الجانب القانوني، فيجب اتخاذ خطوات تتعلق بحملات قانونية دولية وحقوقية وشعبية ضد القوانين، لأن المتضررين منها هم السوريون بمختلف فئاتهم، حتى الجانب المؤيد، باعتبار أن “القانون رقم 10″، ولو فرضنا أنه صادر في حالة استقرار وحالة وجود حكومة شرعية، توجد فيه الكثير من الثغرات والكثير من الضوابط ليكون قانونًا لمصلحة الناس.

ودعا الحافظ إلى حملات واسعة داخل سوريا وخارجها في كل أنحاء العالم، لأن جزءًا كبيرًا من السوريين مرتبطون بأرضهم من خلال أملاكهم وأراضيهم التي ترثها الأجيال القادمة.

ندوة حول القانون رقم 10 في الائتلاف الوطني المعارض - 18 نيسان 2018 (عنب بلدي)

ندوة حول القانون رقم 10 في الائتلاف الوطني المعارض – 18 نيسان 2018 (عنب بلدي)

تحرك المعارضة السياسية دوليًا

خطورة القانون الحالي والقوانين السابقة دفعت قوى المعارضة السياسية إلى التحرك من أجل إثبات عدم مشروعيته، ولمناقشة مواد القانون أقيمت ورشة قانونية فنية بدعوة من “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، وبالتعاون مع منظمة “اليوم التالي” بمشاركة عدد من القضاة العقاريين والإداريين والدستوريين والمحامين والقانونين والفنيين المختصين، في اسطنبول 17 و18 نيسان الحالي.

عضو الائتلاف ياسر الفرحان، أوضح لعنب بلدي أن الائتلاف أرسل عقب صدور القانون مذكرة إلى مجلس الأمن والدول الأعضاء، وتم إعلامهم أن القانون إتمام لمشروع التهجير القسري المصنف “جريمة حرب”، وأن النظام السوري فقد شرعيته، وبالتالي القوانين الصادرة عنه غير شرعية، وتشكل خرقًا للميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي يصون حق الملكية ويمنع نزعها إلا وفق إجراءات ومصلحة عامة واضحة، إضافة إلى تقديم جميع الثبوتيات والأدلة التي تثبت وتشير إلى أن إيران تحاول التوسع في المنطقة، ما يشكل خطرًا ليس على سوريا فحسب وإنما على المنطقة برمتها.

ومن مخرجات الورشة تشكيل لجنة قانونية فنية تضم في عضويتها عددًا من المختصين القانونيين والخبراء الفنيين، من قبل الائتلاف الوطني لتحضير ملف قانوني وفني شامل يتناول التصرفات والإجراءات التي اتخذها النظام منذ 2011.

كما طالبت الورشة الائتلاف بالتحرك سياسيًا وقانونيًا للحفاظ على حقوق السوريين العقارية في المحافل الدولية، إضافة إلى مطالبة الهيئة العليا للمفاوضات بإدراج الملف ضمن الملفات التفاوضية في جنيف، بحيث تدرج ضمن الاتفاق السياسي النهائي لحل كل القضايا الشائكة المتعلقة بحقوق المواطنين، والتي تمنع إدخال مجموعات أخرى مسيسة لصالح إيران وروسيا، بحسب الفرحان.

أما على الجانب الدولي، فقد لاقى القانون صدى أوروبيًا، إذ عبرت الحكومة الألمانية عن استيائها من القانون ووصفته بـ “الغدر”، بحسب ما ذكرت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية، في 27 من نيسان، استنادًا إلى بيانات وزارة الخارجية الألمانية، مؤكدة أن “الحكومة الألمانية تتابع بقلق كبير محاولات نظام الأسد التشكيك عبر قواعد قانونية مريبة في حقوق الملكية لكثير من السوريين والسوريات الفارين”.

وتعمل الحكومة الألمانية على التشاور مع شركاء الاتحاد الأوروبي بشأن “التصدي لهذه الخطط الغادرة”، كما حثت الأمم المتحدة على تبني هذه القضية، للحيلولة دون تطبيق مثل هذه القوانين.

نصائح لحماية ملكية العقارات

دار جدل خلال الأسابيع الماضية بين حقوقيين وقانونيين معارضين حول إصدار المعارضة السورية توصيات للسوريين تحثهم على حماية ممتلكاتهم وعقارتهم عبر التصريح بوثائق تثبت ملكيتهم. البعض اعتبر أن إصدار التوصيات دليل على الإقرار بالقانون والاعتراف بمشروعيته، لكن الطرف الآخر أكد أن تنبيه السوريين لحماية حقوقهم لا يعني التعاطي بإيجابية مع القانون.

ولحفاظ صاحب الحق العيني على حقه في عقاره نصح القاضي حسين بكري، مالكي العقارات، سواء الموجودون داخل المناطق الخاضعة للنظام أو خارجها أو خارج سوريا، الذين تملكوا عقاراتهم إما بموجب سندات تمليك أو أحكام محاكم أو وكالات كاتب عدل أو حتى عقود خطية، إثبات ملكيتهم عبر وسائل التملك المذكورة التي تصلح للإثبات.

كما أن من يملك عقدًا خطيًا بالبيع، لكنه غير مثبت لدى السجل العقاري، فنصحه القاضي أن يصالح عليه لدى المديرية المالية، على الأقل، فيتخذ بذلك تاريخًا ثابتًا وهذا ما يجعله يكتسب قوة السند الرسمي.

كما طلب بكري من المواطنين المسارعة إلى توكيل محام أو أحد الأقارب لمتابعة الإجراءات المفروضة بموجب “القانون رقم 10″، مشيرًا إلى أنه من الأفضل توكيل محامٍ لأن تقديم الاستئناف، في حال تم، يحتاج لمحامٍ أستاذ، تحت طائلة الرد شكلًا.

استطلاع: هل استجاب السوريون لـ”القانون رقم 10″؟

رغم الضجة التي أحدثها “القانون رقم 10” بصورته الحالية، إلا أن تلك البلبلة لم تنعكس على استجابة معظم السوريين للقانون، باتخاذهم إجراءات من شأنها الحفاظ على أملاكهم وضمان ملكيتهم لمنازلهم، على أقل تقدير.

وأجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي عبر موقعها الإلكتروني لرصد الإجراءات التي اتخذها المواطنون، خاصة الذين غادروا سوريا، لإثبات ملكية عقاراتهم، وجاء السؤال بصيغة “بعد صدور القانون رقم 10.. هل اتخذت أي إجراء للحفاظ على أملاكك في سوريا؟”.

81% من المستطلع رأيهم، وعددهم 550، قالوا إنهم لم يتخذوا أي إجراء بهذا الخصوص لأسباب مختلفة، أهمها عدم اعترافهم بالقانون وعدم فهمهم لمحتواه وبنوده بالأساس، إذ علق “ضياء الحق” على الاستطلاع بقوله إنه لم يفهم القانون بعد، وأضاف “كل القوانين التي تصدر في الحروب باطلة”.

فيما أشار “أبو جهاد الكردي” إلى مشكلة تواجه الكثير من السوريين وهي عدم امتلاكهم أوراقًا ثبوتية تضمن حقهم في الممتلكات العقارية، وقال متسائلًا “أي إجراء يمكن اتخاذه وأنا مهجّر ولا أملك أي وثيقة تثبت ملكيتي؟”.

وبالمقابل فإن 19% من المستطلع رأيهم قالوا إنهم اتخذوا إجراءات من شأنها الحفاظ على ممتلكاتهم، أهمها تثبيت عقود الملكية لدى مديرية المصالح العقارية (الطابو) أو برفع دعوى لدى كاتب العدل.

فيما تبقى مسألة قياس الاستجابة رهن وعي السوريين بسلبية وإيجابية القانون المذكور.

English version of the article

مقالات متعلقة