الانتخابات اللبنانية.. سوريًا

tag icon ع ع ع

حذام زهور عدي

كانت الميزة الوحيدة لاتفاق الطائف أنه حقق السلام الأهلي اللبناني بعد الحروب الطاحنة التي عمت المجتمع، وحولت لبنان إلى إمارات يتصرف وجهاؤها بقرارها وفق مصالحهم أو مصالح داعميهم، ومع أن الاتفاق حوى بنودًا متعددة لإمكانية إصلاح النظام اللبناني وتحويله مستقبلًا إلى نظام عصري يُعنى بأفراد المجتمع بصرف النظر عن انتمائهم الطائفي أو المذهبي أو المناطقي، لكن من وقعوا عليه ومن كانت لديهم سلطة تنفيذه لم يكن يهمهم منه سوى البند الأول، ولذا بقي نظام المحاصصة الطائفية هو النظام الأوحد المهيمن على الدولة اللبنانية ومجتمعها،

ولم تكن القوانين أو الوظائف تنفذ إلا من خلال المحاصصة الطائفية، مع استثناءات أقل من أصابع اليد.

في هذه الأجواء نشأت أحزاب طائفية جديدة، كحزب القوات اللبنانية، التيار الوطني الحر للطوائف المسيحية، تيار المستقبل للطائفة السنية، وحزب الموحدين للدروز، نازعت هذه الأحزاب، أحزاب طوائفها التاريخية بسبب مصالح الداعمين لها، تلك الأحزاب بالرغم من نشوئها بعد انتهاء الحرب الأهلية، لم تخرج عن مظلة الطائفية والمحاصصة، وكانت نتيجتها فقط تشرذم الموقف السياسي للطائفة التي تمثلها، دون الوصول إلى إلغاء المحاصصة الطائفية، ما سمح لأحزاب الطائفة ذات الدعم الأقوى بالتلاعب بها، وقد ساعدت المدة الطويلة للوجود الأسدي في لبنان على صناعة تلك الأجواء وشرذمة القرار السياسي اللبناني، ومن هنا كان لحزبي الطائفة الشيعية “أمل وحزب الله” التأثير الأكبر في استمرار طائفية النظام اللبناني والابتعاد كليًا عن البنود الإصلاحية الأخرى لاتفاق الطائف، بل ازدادت الطوائف الأخرى تمسكًا به، على علاته، خوفًا من سحب البساط من تحت أقدامها باسم إصلاح النظام.

استطاع حزب الله أن ينافس حزب أمل مثلًا ويُضعفه من خلال الدعم الإيراني أساسًا ومن خلال شعار المقاومة ثانيًا، وبدلًا من أن تُنتج هذه الأحزاب نظامًا حداثيًا جديدًا كما كانت النخبة الثقافية اللبنانية تأمل، كرّست النظام الطائفي بأبشع صوره، وتصدر حزب الله الصورة الطائفية عندما سلّح معظم شباب طائفته وجيّشهم باسم المقاومة وحولهم إلى ميليشيات تفيض عنجهية وحقدًا على الطوائف الأخرى، واعتدى بقوة السلاح علي اللبنانيين المختلفين عنه سياسيًا ومذهبيًا، وفرض عليهم الإذعان والتسليم لشروطه، وأعلن تبعيته سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا للولي الفقيه الإيراني، وهكذا تحول النظام اللبناني من نظام المحاصصة الطائفية السلمية إلى نظام الغلبة الطائفية، ففقد سلميته التي كانت -على أقل تقدير- تضمن له نوعًا من الديمقراطية جعلته في يومٍ ما واحة عربية لحرية الرأي، وفقد هيبة الدولة بل فقد لبنان التاريخي استقلال قراره السياسي والعسكري والاقتصادي لصالح التبعية لملالي إيران، ولم تعد هناك دولة لبنانية إلا في المؤسسات الدولية حيث التمثيل الشكلاني لها، وباءت جهود نخبة الشباب اللبناني من مختلف الطوائف وحركتهم التنويرية للتخلص من النظام الطائفي بفشل ذريع.

وها هي الانتخابات اليوم تجري وفق أجواء يُمكن وصفها، في ظل ما تشهده المنطقة العربية كلها، بأنها أكثر الأجواء سوءًا للديمقراطية اللبنانية من جهة ولسوريا المحتلة إيرانيًا -مع آخرين جلبتهم سياسة الملالي- من جهة أخرى، وبدأت تظهر مساومات لم يعرف لبنان في تاريخه الطائفي المعروف مستوىً متدنيًا يشبهها بالرغم من محاولات شباب النخبة اللبنانية تغيير الاتجاه.

ومن هنا فإن سوريا لا تنتظر جديدًا من هذه الانتخابات، مع أن أجهزتها الأمنية في لبنان والتي تعبت طويلًا بصُنعها، تحاول اجتزاء شيء ما لصالح النظام الأسدي خارج تحالف الضرورة مع حزب الله، فعنجهية السيد حسن نصر الله في خطاباته الأخيرة، بأنه من حمى الأسد وثبته على كرسي الحكم ثم تدرجه بإعلان هدفه من دخول سوريا، نصرة حلف المقاومة والممانعة لتحرير القدس أولًا ثم حماية المراقد الشيعية، وصولًا إلى تشييع السوريين… وقبلها حديثه الواضح جدًا بأنه أحد جنود الولي الفقيه -رب نعمته- تجعل النظام الأسدي ومواليه يُضمرون شيئًا من الحذر من هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية، وخاصة بعد اكتشاف الأسديين أن قوائم الكرسي الذي باعوا الوطن من أجله، انهارت كليًا واستفرد المحتلون الدوليون المتعددون كلٌ بقائمة وظهر، ولم يبق للأسد سوى الجلوس على أرض الذلة التي أذل نفسه وشعبه من أجلها.

لن تُغير الانتخابات اللبنانية شيئًا، لا بالنسبة للشعب اللبناني ولا للشعب السوري، وعلى عكس ما يأمل البعض، فإن تشددًا أكبر سيعمد حزب الله إليه، ليضمن استقرار هيمنته على الشعب اللبناني وقرار دولته، فالأجواء الدولية تُقلقه، ويرى فيها محاولات جادة لقصقصة أجنحته أو تصفيته، ولذا فهو يدعم المرشح الذي يضمن ولاءه التام له، ولا يعترض ظاهريًا على فكرة النسبية، علّه يستطيع سدّ الفراغات التي قد تهرب من أصابعه.

إن اختيار حزب الله للمرشحين المضمونين ولاءً له، يعني استمرار وجوده في سوريا، كما يعني استمرار استفراده بالسلاح وخطفه لبنان واللبنانيين وسوريا معهم ليكونوا جميعًا تحت جناح الولي الفقيه، يثقل الولي من خلالهم ميزانه الدولي في مساومات مصالحه، ويبقى الشعب السوري واللبناني لا حول لهما إلا الإذعان لما يريده حزب الله ووليه الإيراني.

فهل تستطيع قوى لا طائفية تتشكل في المجتمع اللبناني أن تكف يد حزب الولي الفقيه عن مصادرة القرار اللبناني؟

وهل يستطيع تحالف قوى مسيحية مع قوى سنية ودرزية أن يفعل ذلك أيضًا؟

وهل يمكن لقوى 14 آذار أن تعيد التحامها بعد ما أصابها من تشرذم؟ وأن تكوّن جبهة متماسكة تقف سدًا منيعًا بوجه اختراقات حزب الولي لها؟

وهل يمكن لقادة تيار المستقبل أن يُعيدوا توحدهم ويخرجوا من الشعور بالعجز والإحباط واليأس، ويقدّموا بحالتهم تلك لحزب الله مجانًا ما كان من الصعب أن يحصل عليه سابقًا دون كلفة باهظة؟

إذا امتلك قادة 14 آذار الشجاعة وابتعدوا عن الشخصنة وتكريس وجاهية الذات وفهموا الأجواء الدولية جيدًا فقد يستطيعون إنقاذ الدولة اللبنانية والشعب اللبناني، كما قد يستطيعون إنقاذ الشعب السوري من مأساته ويفتحون له باب الأمل في الخلاص من الكوارث التي يعانيها.

إن اختيار برلمان يعيد استقلال القرار اللبناني ويصوت لصالح انسحاب حزب الله من سوريا ووضع السلاح بيد الدولة اللبنانية فقط، هو بكل تأكيد لصالح سوريا والسوريين ولصالح استقرار المنطقة، وإعطاء فرصة لعودة المهجرين السوريين الذين يشتكي معظم اللبنانيين من مشاكل وجودهم على الأرض اللبنانية.

ولإلحاح الحل السياسي السوري وانتزاعه نسبيًا من تقاسم النفوذ الدولي، إن اختيار برلمان لبناني مستقل القرار شديدُ الأهمية للبنانيين والسوريين معًا.

فهل يفعلها اللبنانيون قبل أن يقع فأس حروب جديدة على رؤوسهم ورؤوس جيرانهم السوريين؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة