تبريرات المصرف دعاية إعلامية إيجابية

ورقة الـ 5000 ليرة.. اعتراف بالتضخم

camera iconبصراف يحمل أوراقًا نقدية سورية داخل متجره في حلب- 11 ايار 2018 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

بعد أقل من عام على طرح مصرف سوريا المركزي ورقة نقدية جديدة من فئة ألفي ليرة سورية، وما تركت من آثار سلبية على العملة المحلية، يدور الحديث حاليًا حول طرح ورقة نقدية جديدة من فئة خمسة آلاف ليرة.

وجاء ذلك بعد مشروع قانون في مجلس الشعب، في 9 من أيار الحالي، ينص على تعديل “المادة 16” من قانون المصرف المركزي، بحيث يسمح له إصدار الأوراق النقدية من فئة الليرة وحتى خمسة آلاف ليرة.

وبالرغم من اقتصار الحديث في الوقت الراهن على مشروع قانون فقط دون طباعة العملة وطرحها في الأسواق، جاء ذلك عقب نفي متكرر من قبل حاكم المركزي، دريد درغام، لطرح العملة الجديدة، كان آخرها في 10 من نيسان الماضي.

واعتبر حينها، في حديث لوكالة الأنباء الرسمية (سانا)، أنه “إشاعة تأتي في إطار الحملة المستمرة للتشويش على مكتسبات الاقتصاد السوري عمومًا، ونتائج السياسة النقدية التي حققت استقرارًا نسبيًا لليرة”.

محلل: العملة مطبوعة مسبقًا بقيمة 100 دولار

الحديث عن العملة الجديدة أثار ردود فعل بين السوريين، وخلق توترًا لدى شريحة منهم اعتبرت أن العملة الجديدة، التي تعتبر الأكبر في تاريخ سوريا، دلالة على بداية انهيار الليرة، لتبدأ التساؤلات حول آثار طرح الورقة على مستقبل الليرة وارتفاع الأسعار، الأمر الذي استوجب ردًا من المصرف المركزي يوضح ما يتم تداوله.

وأكد درغام، عبر صفحته في “فيس بوك”، أن طرح الفئة الجديدة يتطلب زمنًا طويلًا للتصميم والتعاقد، والتوقيت الملائم خلال السنوات المقبلة لطرحها على ضوء تطور النشاط الاقتصادي، وبما يضمن مصلحة مختلف شرائح المتعاملين بالليرة.

وقال درغام، إن “سوريا إذا كانت مقبلة على رواج نشاط اقتصادي كبير خلال السنوات المقبلة، فلا بد من التحضير منذ الآن لحلول جذرية سواء على مستوى الدفع الإلكتروني أو على مستوى طباعة فئات نقدية تلائم المراحل المقبلة، التي يجب أن تكون بها الكتلة النقدية معادلة دومًا للكتلة السلعية وبما لا يحرض ارتفاعات غير مقبولة في الأسعار”.

لكن الباحث الاقتصادي يونس الكريم قال في حديث إلى عنب بلدي، إن الورقة النقدية من فئة خمسة آلاف مطبوعة مسبقًا لدى روسيا لكن بكميات قليلة، موضحًا أن الطباعة كانت في عهد الحاكم السابق أديب ميالة في 2012، الذي حاول إيجاد ما وصفه كريم بـ “الدولار السوري أو المحلي”، والذي يعني وجود ورقة نقدية مطبوعة بقيمة 100 دولار للتخلص من التعامل بالدولار، وبهدف منح قوة للاقتصاد السوري (في 2012 كانت خمسة آلاف ليرة سورية تعادل 100 دولار بسعر صرف 50 ليرة للدولار الواحد).

في حين أوضح معاون وزير المالية في الحكومة السوية المؤقتة، عبد الكريم المصري، أن العملة الجديدة ما زالت مشروع قانون قد يحتاج إلى دراسة وموافقة وطباعة لطرحها لمدة عام أو عامين.

واعتبر، في حديث إلى عنب بلدي، أنه من الطبيعي أن تكون هناك قطعة نقدية كبيرة بعد فقدان الليرة أكثر من 85% من قيمتها من أجل تسهيل التعاملات، إضافة إلى أن تكلفة الطباعة تقل، فبينما تطبع خمس ورقات من فئة الألف ليرة تطبع قطعة واحدة بقيمة خمسة آلاف بنفس التكلفة.

التمويل بالعجز وراء طباعة العملة الجديدة

الحكومة في أي بلد تطبع عملة جديدة في حالتين: الأولى نقص الأوراق النقدية في السوق بسبب اهترائها، ما يدفعها إلى استبدال العملة المتداولة المهترئة بطباعة أوراق نقدية، وهذا أمر يحصل في كثير من الدول دون زيادة العرض النقدي.

أما السبب الثاني والذي يعتبر خطيرًا، بحسب المصري، هو تمويل الموازنة العامة للدولة بالعجز، فإذا وجد عجز في الدولة تقوم بطباعة أوراق نقدية دون توفر أي رصيد أو إنتاج مقابل هذه العملة.

وهذا ما يحصل في سوريا، إذ إن موازنة سوريا كما أعلنها مجلس الوزراء السوري لعام 2018، فيها عجز بقيمة 799 مليار ليرة، بحسب المصري، الذي أكد أنه منذ بداية الثورة وحتى الآن يوجد عجز متراكم بنحو ثلاثة تريليونات و973 مليار ليرة، وبالتالي يريد النظام إصدار ورقة نقدية جديدة دون تغطية إنتاجية أو رصيد من العملات الأجنبية أو الذهب.

يعرّف التمويل بالعجز باستدانة الحكومة من الجهاز المصرفي (البنك المركزي) لسد العجز الذي يحدث في ميزانية الدولة، وله آثار سلبية أهمها مشكله التضخم ويعني زيادة في النقود يقابلها نقصان في السلع.

ويكون التمويل بالعجز عند زيادة نفقات الدولة عن إيراداتها، وينتج عنه عجز يغطى بالإصدار النقدي الجديد الذي يؤدي إلى التضخم، أي ارتفاع في الأسعار، لزيادة الإنفاق الحكومي وعدم تناسب هذه الزيادة مع كمية السلع والخدمات المنتجة عند حدوث تلك الزيادات.
أما كريم، فأرجع سبب طرح الورقة النقدية الجديدة إلى سببين، الأول هو التضخم الذي لا يوجد له رقم محدد داخل سوريا، في حين تشير بيانات المكتب المركزي السوري للإحصاء، في كانون الأول 2016 إلى أن معدل التضخم ارتفع بنسبة 521% منذ 2010 وحتى أيار 2016.

والسبب الثاني يعود إلى أن الأوراق النقدية الصغيرة من فئة 50 و100 اهترأت، وخرجت من العملية التجارية اليومية بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، لذلك أصبحت طباعة خمسة آلاف أمرًا ضروريًا لتلبية احتياجات الناس اليومية، في ظل توجه المواطنين إلى التعامل بالدولار.

تأثير سلبي على المواطن

حاكم المصرف برر طرح العملة بأن الفئات الكبيرة تعتبر مناسبة جدًا لتسهيل التعاملات وعميات العد والفرز والنقل وغيرها، إضافة إلى أن سوريا مقبلة على نشاط اقتصادي ولا بد من طباعة فئات نقدية تلائم المراحل المقبلة.

الكريم اعتبر أن تبرير درغام من حيث المبدأ صحيح، لكن من حيث التطبيق خاطئ، كون الناس لا تتعامل بالليرة إلا مع الجهات الحكومية لكن التعاملات الكبيرة تتم بالدولار.

أما المصري فاعتبر تبرير المصرف غير مقبول وهو من نوع “الدعاية الإعلامية الإيجابية”، فمن الممكن أن تساعد العملة النقدية الجديدة في تسهيل المعاملات وهذا أمر إيجابي، لكن الأمر غير الإيجابي هو انخفاض قيمة العملة السورية، وفقدان قيمتها إضافة إلى وجود عجز في الموازنة بشكل كبير دون وجود إنتاج مقابل العملة المطبوعة.

وعن آثار العملة في حال طرحت، أكد المصري أنها ستؤدي إلى تضخم كبير وانخفاض في قيمة الليرة وربما انهيارها، إذا لم تترافق مع وجود إنتاج أو احتياطي من العملات الصعبة والذهب، وهذا لا يمكن حاليًا كون الميزان التجاري لحكومة النظام السوري خاسرًا، إلى جانب الديون الكثيرة لإيران وروسيا، وبالتالي من المؤكد انخفاض الليرة وارتفاع الأسعار.

في حين أكد كريم أن طباعة العملة الجديدة سيُخرج العملات الصغيرة من قيمة 25 و50 من التداول وكذلك فئة 100 ليرة، وحصر التعامل بفئتي 200 و500 وألف ليرة، كما سيزيد طرح العملة التضخم كونها لتمويل عجز الموازنة المتراكم منذ خمس سنوات، وستترافق بارتفاع أسعار كبير جدًا، ما سينعكس سلبًا على المواطن أينما كان سواء في مناطق النظام أو الخاضعة لسيطرة المعارضة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة