طلابنا.. بين الحلم والتحدي

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

نقلت إذاعة بي بي سي البريطانية، في شهر آذار الماضي، خبرًا مفاده أن أحد طلاب غوطة دمشق أرسل رسالة لجامعته التي يدرس فيها، عن بعد وعبر الإنترنت، يعتذر فيها عن حضور الدرس، لأن النظام والروس قصفوا بيته البارحة، ويطلب السماح له بالتغيب عدة أيام، ريثما يستطيع أن يؤمّن الإنترنت ويقدم امتحانه.

وأوردت وكالة أنباء أخرى فيديو تم تداوله على مختلف وسائط الميديا، يظهر رجال القبعات البيضاء، وهم ينقذون رجلًا من تحت الركام، وكان أول ما تكلم به بعد نفض الغبار عنه هو كيف يستطيع أن يعلم أولاده وسط هذا القصف!

يحرص السوريون على طلب العلم كوسيلة للرفاهية وللمعرفة، وتجنّد العائلات السورية كل قدراتها في تعليم أبنائها. فبعد أن خذلنا الساسة، وخذلنا العسكر، وتعاملت معنا المخابرات، والتنظيمات الدينية كخونة أو ككفار، وبعد أن خذلنا العالم.. لم يعد لنا إلا طالباتنا وطلابنا الذين يخترقون اللغات، والنظم التعليمية العربية والعالمية، ويعبرون الحواجز الطائفية والعنصرية، ويتحدون الفقر والعوز، عابرين إلى الحلم بالمعرفة، وبالخلاص.

في هذا الشهر وفي الشهر المقبل ينطلق طلابنا السوريون إلى الامتحانات عبر العالم، طلاب في الداخل السوري، وطلاب في تركيا، وطلاب في الأردن، وفي لبنان، وفي دول الخليج، وفي الدول الأوروبية، وفي مختلف أنحاء العالم، وبعدد كبير من اللغات ومن الأنظمة التعليمية، إنهم يمثلون التحدي الكبير، والحلم الذي لا يزال يراود السوريين للحرية والتقدم وأخذ مكان في هذا العالم.

طلابنا يعبرون حواجز النظام الإجرامية، ويتجرعون بمرارة إضافاته على مناهج التعليم التي تقدس الاستبداد، وترسخ الاحتلال الروسي، والأوهام الإيرانية ولطمياتها المستمدة من مزابل التاريخ.

طلابنا في الخارج يعيشون في بيوت صغيرة ومكتظة، أو في مخيمات، ويدرسون بلغات متعددة، ويعانون من صعوبات الفهم والترجمة، ناهيك عن العوز المالي والمعيشي، فكثير من الطلاب ومن الطالبات يذهبون إلى الجامعة مشيًا على الأقدام ولمسافات طويلة، لأن ثمن تذكرة الباص ليس قليلًا بالنسبة لهم، وبالنسبة لأهاليهم، ناهيك عن عدم قدرتهم على تناول وجبة في مطعم الجامعة، فيجلبون معهم ما تيسر من طعام البيت البائت، من أجل أن يسندوا جوعهم، ويتماسكوا حتى نهايات الساعات الطويلة للدوام.

حتى الطلاب المحظوظون، والذين نالوا منحًا دراسية، يجدون أنفسهم مفلسين، لانقطاع الدفع لهم عدة أشهر أحيانًا، وعليهم أن يتدبروا مع أهاليهم ما يضمن استمرارهم لتحدي صعوبات الحياة.

وخلال إقامتي في تركيا، كان الأتراك يتساءلون دائمًا، لماذا يتفوق الطلاب السوريون رغم حواجز اللغة، وكان كثير من الأصدقاء الأتراك يسعون جادين لمعرفة سبب هذا الاندفاع للطلاب، وللأهالي السوريين إلى التعليم، والإصرار على تجاوز صعوباته. ولقد أحيا الطلاب السوريون الكثير من الجامعات الصغيرة، والمهملة، وأعادوا لها الحياة، ووضعوا أسماءها على خارطة التعليم بقوة، من خلال تفوقهم، وتعاونهم في مسائل الترجمة، وتداول المعلومات، والملخصات، وطرق التعامل التي تفتح أبواب المجتمع التركي أمامهم، ما حدا بالسلطات التركية إلى تجنيس الكثير من الطلاب، ومن المعلمين السوريين الذين يبذلون جهودًا مضاعفة لتهيئة طلابهم، وإعدادهم للتفوق، ولأخذ مكانة لائقة في قوائم النتائج التعليمية عبر تركيا.

وقد نال الدرجات الأولى طلاب سوريون في السعودية وفي فرنسا وغيرها من الدول، حيث تفوق أكثر من طالب على مستوى البلاد، ولعل الطالب الدرعاوي الذي ضرب رقما قياسيًا في البكالوريا الفرنسية العام الماضي كان مثار إعجاب لدى الشعب الفرنسي، وفي وسائط الميديا التي تداولت مهاراته اللغوية والعلمية. وهو مثال واحد من أمثلة كثيرة وفي دول مختلفة.

الطلاب السوريون يتقدمون في مشروعهم وفي حلمهم غير آبهين بالصعوبات التي تستنزف الكثير من جهودهم، وكل ما علينا كسوريين هو أن ندعم هذا الزخم الحيوي والفعال، فقد فشلت التنظيمات السياسية والعسكرية في أن تعيد بناء حلم للسوريين، وفشل النظام في خلق مشروعية لوجوده رغم تحكمه بأجهزة الدولة واستنجاده بالمحتلين الأجانب وتضحيته بفقدان استقلال البلاد.

وفي المقابل فشلت التنظيمات الدينية في إعادة السوريين إلى متاهات التاريخ المتعفنة، واستهلاك قدرات الناس في الحقد والانتقام، أو في اللطميات وترهات المهدي، وعبادة آلهة التمر كالبغدادي والخامنئي. ورغم استغلال الكثير من قبل الجمعيات الدينية لحاجة السوريين والأرامل والأيتام، فإن السوريين لا يزالون مصرين على طلب العلم وعلى المعرفة كطريق للوصول الى أهدافهم المتمثلة في الكرامة والحرية.

نحن السوريون يجب أن نحمي حلم بناتنا وأولادنا الطلبة الذي يبذلون طاقات خارقة لتحدي الصعوبات، وعلينا أن نقاوم كل تحرش بطالباتنا أو بطلابنا وكل محاولة استغلال، أو تضليل ضدهم، من قبل الساسة، أو العسكر، أو التنظيمات الدينية، أو التنظيمات الطائفية والعشائرية. ومن يريد أن يساعد في إعادة الأمل للسوريين عليه أن يمنع استغلالهم وخاصة الطلبة، ومن يريد أن يتبرع فعليه أن يساعد ولو بثمن تذكرة باص يدفعها عن طالبة، أو عن طالب يراه في الصباح وهو يصعد إلى الباص، لقد شبعنا أوهامًا ومؤامرات وتهويمات.

لنلتفت إلى طلبتنا ولندعمهم، فهم حلمنا في تجديد بناء وطننا وانتشاله من الضياع، ومن الاستنزاف لقدراته العلمية والحياتية، فهذا النظام يستنزف بلادنا منذ السبعينيات ويهجّر العقول، والقدرات، حتى أوصلنا إلى التهجير الجماعي!

طالباتنا وطلابنا هم أملنا فلنفسح لهم الطريق!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة