كأس العالم .. جسر للسلام وغطاء للحروب

tag icon ع ع ع

“دعونا نلعب اللعبة في سلام ومن أجل السلام”، بهذه الكلمات رد رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جياني إنفانتينو، على دعوات مقاطعة كأس العالم في روسيا من قبل بريطانيا ودول أوروبية.

تعتبر كرة القدم، بشعبيتها، وسيلة من أجل تعزيز السلام والتقارب بين الشعوب، فإلى جانب مهمة “فيفا” بالتحسين المستمر لكرة القدم والترويج لها، أفرد النظام الأساسي للاتحاد مادة خاصة تنص على عدم التفرقة وتناهض العنصرية، ويمنع فيها منعًا باتًا ممارسة التفرقة والتمييز، أيًا كان نوعه، ضد أي بلد أو شخص أو مجموعة من الناس لأسباب الجنس أو النوع أو لأسباب عرقية أو دينية أو سياسية ويعاقب على ذلك بالإيقاف أو الطرد.

لكن كرة القدم لم تنجح دائمًا بسياسة النأي بالنفس أو بمساعيها للمقاربة بين الشعوب، بل تم توظيفها أحيانًا كواجهة لتحقيق أهداف سياسية وإعلامية، أو استغلت جهات ودول توقيت بطولاتها لشن عمليات عسكرية، في وقت يكون الإعلام فيه مشغولًا بالتركيز على تغطيتها.

روسيا لا تريد تعكير صفو المونديال

انطلقت الخميس الماضي، 14 من حزيران، فعاليات الحدث الكروي الأكبر، نهائيات كأس العالم 2018 في العاصمة الروسية، موسكو، هذه النهائيات تعتبر مشروع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخاص، إذ صب اهتمامه من خلاله في محاولة لتغيير صورة الرأي العام العالمي نحو روسيا، خاصة بعد قضايا شائكة تتهم روسيا بتحريكها أو أنها أحد أطرافها على الأقل، كقضية تسميم الجاسوس الروسي في بريطانيا، وانفصال شبه جزيرة القرم، والحرب في سوريا.

بوتين أراد أن يبقى الرأي العام العالمي وتركيز وسائل الإعلام متجهًا نحو موسكو والحدث الكروي دون غيره، فناشد إسرائيل لضبط النفس وعدم قصف أو تنفيذ غارات جوية ضد القواعد الإيرانية الموجودة في سوريا خلال البطولة.

ونقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية، الخميس 14 من حزيران، عن مصادر دبلوماسية وصفتها بالرفيعة، أن روسيا أرسلت رسائل تطمينية إلى إسرائيل والأطراف المتنازعة في سوريا (إيران والنظام السوري) تفيد بعدم تنفيذ أي غارات خلال فترة كأس العالم.

الطلب الروسي يأتي خشية من حدوث تصعيد قد يخرج عن السيطرة، خاصة بين تل أبيب وإيران الموجودة في سوريا، وقد يكون مغايرًا لخطط قوات الأسد التي حشدت تعزيزاتها وطاقاتها العسكرية في الجنوب السوري، خلال الأسابيع الماضية، الأمر الذي أثار مخاوف من أن الأسد كان ينتظر انطلاق بطولة كأس العالم لشن عملية عسكرية ضد فصائل المعارضة في الجنوب، مستغلًا انشغال العالم بأخبار المونديال.

لكن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، نفى ما أوردته الصحيفة الإسرائيلية، وأكد أن “تأييد موسكو لتخفيف التوتر في سوريا ليس مرتبطًا بشكل خاص بكأس العالم الذي تستضيفه روسيا، وإنه أمر طالما نادت به بلاده”.

وفي رده على سؤال حول التقرير الإسرائيلي، أكد بيسكوف أن “سياسة روسيا الدائمة هي دعوة الدول لتبني موقف متوازن ومنع أي أعمال قد تؤدي إلى تفجير عواقب وخيمة وزعزعة وضع هش بالفعل”.

بوتين لا يريد تعكير صفو المونديال، ويطالب بأن يمر دون أي أحداث قد تؤدي إلى التصعيد، لذلك أطلق تحذيرًا إلى السلطات في أوكرانيا أيضًا، بألا تستغل كأس العالم وتشن هجومًا على متمردين موالين لروسيا شرقي البلاد.

وحول احتمال قيام أوكرانيا بعمل عسكري في أثناء كأس العالم، أعرب بوتين، خلال حواره السنوي مع المواطنين، في 7 من حزيران الحالي، عن أمله بألا تحدث أي استفزازات، لكن “إذا حدث ذلك، فستكون لها حسب اعتقادي عواقب وخيمة للغاية على دولة أوكرانيا بشكل عام”، بحسب تعبيره.

ملايين عشاق كرة القدم في العالم ينتظرون الحدث التاريخي كل أربع سنوات، لكن بعض الدول أو الجهات السياسية استغلت انشغال العالم بنسخ سابقة للكأس لتمرير مخططاتها.

إسرائيل تجتاح لبنان في مونديال 1982

من أمثلة استغلال الحدث الرياضي العالمي، ما حدث في حرب لبنان وحصار بيروت على يد الجيش الإسرائيلي في عام 1982، إذ بدأت إسرائيل بحصار العاصمة في السادس من حزيران قبل أسبوع من تنظيم البطولة، التي انطلقت في إسبانيا في 13 من حزيران من العام نفسه.

وبينما كانت البطولة تشهد أولى مبارياتها، كانت قوات وزير الدفاع الإسرائيلي حينها، أرييل شارون، قد أحكمت الطوق على بيروت من كل جانب، وبدأت قصفها بمختلف أنواع الأسلحة والقنابل.

في ذلك الوقت كانت أنظار الشعوب العربية تتجه نحو المونديال الذي ضم منتخبين عربيين لأول مرة، هما الجزائر والكويت، خاصة وأن المنتخب الجزائري حقق نتائج مميزة بفوزه على ألمانيا في 16 من حزيران.

وتوجه اهتمام الشعوب العربية آنذاك إلى أداء المنتخب الجزائري المميز، وما تبعه من مؤامرة بين منتخبي ألمانيا والنمسا لإخراجه من الدور الأول.

الصحف العربية انفجرت في وجه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) معتبرة أن ما حصل مع منتخب الجزائر مؤامرة وفضيحة كروية.

وتمكنت تل أبيب من استغلال المونديال بشكل جيد، لكنها تفاجأت بمنتخب إيطاليا الذي حصل على لقب البطولة، عندما أهدى الكأس إلى الشعب الفلسطيني، تضامنًا معه في مواجهة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.

أحداث سياسية في كأس العالم

النسخ السابقة من الكأس شهدت أحداثًا طغى عليها الطابع السياسي، وتراوحت بين إقصاء ومقاطعة منتخبات، في حين وصلت في بعض الأحيان إلى حروب دموية.

البطولة توقفت في نسختي 1942 و1946 بسبب الحرب العالمية الثانية، التي استمرت لست سنوات انتهت بعد استسلام اليابان في 15 من آب 1945، وكان من المفترض إقامة البطولة في 1946، لكن الدمار الذي لحق بالمنشآت الرياضية والملاعب والبنية التحتية في الدول الأوروبية أجل البطولة أربع سنوات أخرى وغير مكانها إلى البرازيل.

في 1950 انطلق الحدث الكروي مجددًا من البرازيل، لكن بغياب كل من ألمانيا واليابان، وذلك عقوبة لهما على دورهما في الحرب العالمية الثانية.

في نسخة 1970، رفض منتخب كوريا الشمالية لعب مباراة فاصلة ضد نظيره الإسرائيلي، من أجل التأهل بسبب خلافات سياسية، ما أدى إلى غياب الكوريين عن المونديال الذي أقيم في المكسيك.

أما في نسخة 1974 فغاب الاتحاد السوفيتي، بعدما رفض لعب مباراة العودة ضد منتخب تشيلي، بسبب انقلاب قاده الجنرال بينوشيه على الحكومة المشتركة الشرعية، واستخدم حينها الملعب الوطني في تشيلي ساحة لأحداث مأساوية.

100 ساعة حرب و4 آلاف قتيل بسبب مباراة

بالرغم من أن أحد أهداف كرة القدم هو تعزيز السلام، قد تتحول أحيانًا إلى مؤجج لمشاعر الكراهية بين الشعوب وتصبح فتيلًا للحرب.

وتعتبر المعركة بين السلفادور وهندوراس من أكثر الحوادث المرتبطة بكأس العالم، إذ تحولت المنافسة إلى حرب استمرت لمدة 100 ساعة وخلفت أكثر من أربعة آلاف قتيل وآلاف الجرحى.

البداية كانت بخوض المنتخبين مواجهة حاسمة لتحديد هوية الفريق المتأهل إلى المكسيك، ولعبا مباراتين فازت الهندوراس في الذهاب منها بهدف، في حين فازت السلفادور في الثانية بثلاثة أهداف نظيفة، فاحتكم الطرفان إلى مباراة فاصلة أقيمت في المكسيك وفازت السلفادور في الوقت الإضافي وصعدت إلى المونديال.

وعقب ذلك أعلنت السلفادور قطع علاقتها مع هندوراس، بعد اعتداء مشجعين على الفقراء السلفادوريين، لتتحول القضية بعد ذلك إلى حشود عسكرية وحرب استمرت أربعة أيام تدخلت إثرها عدد من الدول لإيقافها.

تعرض جماهير السلفادور للضرب داخل الملعب (baavar)

الصورة ليست سوداء تمامًا

ولكن بطولة كأس العالم قد تكون طريقًا إلى السلام بين دول متصارعة، وأقرب مثال على ذلك ما اقترحه رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، حول إمكانية استضافة نهائيات كأس العالم في 2030 بالاشتراك مع كوريا الشمالية، بحسب ما ذكرت صحيفة “ذا صن” البريطانية.

وكان بين الدولتين الجارتين خلاف سياسي كبير تطور إلى حرب باردة، لكنهما وقعتا اتفاقية سلام، في نيسان الماضي، في شبه الجزيرة الكورية المتنازع عليها منذ سنوات تقضي بنزع السلاح النووي منها، ما يعني انتهاء الحرب وكتابة تاريخ جديد.

وقال الرئيس الكوري الجنوبي، “إذا استضافت الدولتان بطولة كبرى مثل كأس العالم لكرة القدم، وهي التي توحد الشعوب، سيكون أمرًا رائعًا للغاية أن تعمل الرياضة على إفشاء دور السلام، وسيعم السلام على شمال آسيا وهو أمر مطلوب ورائع”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة