حاول الانتحار مرتين وأنقذه مواء قطة في المرة الثالثة

قصة شاب سوري في لبنان فقد “المرونة النفسية”

tag icon ع ع ع

رهام الأسعد | منال شخاشيرو

يصف نفسه بأنه شخص محايد يحب “السلام”، مفهوم السلام هذا، وما تبعه من تشوهات نقيضة بفعل الحرب، أفضى بالشاب السوري سامر إلى اتخاذ قرار من شأنه تسريع وتيرة الحياة، بل إنهاؤها، محاولًا الانتحار ثلاث مرات، باءت بالفشل.

عنوان مشكلة سامر (32 عامًا) العريض هو “أزمة اللجوء”، تلك الأزمة التي حلت بأكثر من 5.6 مليون سوري، في حين اندرج تحتها عناوين فرعية “مؤلمة”، بدأت بإصابة سامر في قدمه وعجزه عن إعالة نفسه، ولم تنتهِ عند فقدانه من تعلق بهم من أفراد أسرته.

لجوء وإصابة وفقد

لجأ سامر إلى لبنان هاربًا من الحرب في سوريا، حاملًا معه ذكريات “سيئة”، تحفّظ عن الإسهاب في الحديث عنها لعنب بلدي، مفصحًا عن بعض المشاهد المؤلمة، كرؤية من يحب يموتون، فضلًا عن أصوات القتل والقصف والدمار.

عمل سامر في ورشة حجر صناعي، مقدمًا العون المادي والنفسي لأسرته التي لا تزال تعيش داخل سوريا، في حين كان يعيش هو في منزل أخته بلبنان، لكن إصابة عمل في قدمه أقعدته في الفراش، لتبدأ بعدها أعراض الأزمات النفسية بالظهور عليه.

كان شعور العجز الذي رافق حياة الوحدة، وراء تفكير سامر للمرة الأولى بالتخلص من حياته، فبعد أن غادرت عائلة أخته البيت الذي كانوا يعيشون فيه معًا، لم يحتمل الشاب فراق ابن أخته ذي الأشهر الثمانية، الذي تعلق به كثيرًا وربطته به علاقة خاصة.

“الجميع تخلوا عني، لم يسمعني أحد، كنت أقول لهم إني أتألم لكن أحدًا لم يجب”، يقول سامر لعنب بلدي، متحدثًا عن كوابيس لم تفارقه في ليالٍ أمضاها مع إصابته في قدمه، بالإضافة إلى حالات هلع ورعب مترافقة مع رجفة مزمنة، أفقدت سامر الأمل بالحياة، فقرر الانتحار بشفرة وضعها في الوريد دون توانٍ.

تلك المحاولة الجريئة لم تودِ بسامر إلى ما كان يصبو إليه، فقد فشلت، وربما منحته دافعًا جديدًا للحياة، إذ قرر بعدها البدء بتلقي علاج نفسي، رافقه أمل جديد منحته إياه مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في لبنان، حين وعدته بتسفيره إلى بلد أوروبي يقدم له العلاج اللازم، جسديًا ونفسيًا.

يقول سامر إن مفوضية اللاجئين في لبنان قدمت ملف لجوئه إلى كل من إيرلندا والسويد بالفعل، لكن ملفه قوبل بالرفض في المرتين دون ذكر الأسباب، ما أفقده الأمل الذي استعاده بعد عناء، لتراوده فكرة الانتحار من جديد، فتناول 30 حبة دواء دفعة واحدة، أودت به إلى العناية المشددة لا إلى القبر.

واصل سامر تحدي الحياة متخبطًا بين الانتحار والعلاج، فعاود تلقي العلاج النفسي مع طبيب مختص في جمعية، لم يذكر اسمها، تلك الجمعية سلبت من سامر ما كان يفترض أن تعطيه، إذ تفاجأ بإحدى المرشدات النفسيات في الجمعية تؤنبه بسبب عدم تحسن حالته النفسية، مشيدة بتحسن ملحوظ على جميع المرضى النفسيين لديها باستثنائه هو.

بشكل مباشر، أثر ما قالته المرشدة النفسية على سامر، الذي شعر بالذنب لأنه لم يستجب للعلاج، كما قيل له، لتعود الكوابيس والأوهام تراوده بشكل يومي، حينها ضاقت به الحياة للمرة الثالثة، مقررًا إنهاء حياته بحبل علقه في سقف الغرفة، لكن أصوات القطط التي كان يربيها في منزله حالت دون ذلك، حين وقفت بجانبه تنظر إليه “متوسلة” ألا يفعلها، كما تهيأ له.

يتلقى سامر الآن علاجًا نفسيًا ودوائيًا لدى جمعية للدعم النفسي في لبنان، وقدم وعدًا للعاملين فيها بإخطارهم بأي أفكار انتحار تراوده من جديد، مشيرًا لعنب بلدي إلى أنه لا يريد سوى أن تعود حياته إلى ما كانت عليه قبل الحرب في سوريا.

تحدي “المرونة النفسية” لدى السوريين

تعليقًا على حالة سامر يقول الدكتور عمار بيطار، منسق الصحة النفسية والدعم النفسي في منظمة “إحياء الأمل” العاملة في تركيا، إن الأمر يعود إلى ما أسماه “المرونة النفسية” لدى كل شخص، والمرتبطة بالقدرة على تقبل الظروف الطارئة أو عدم تقبلها.

بيطار أضاف، في حديث إلى عنب بلدي، أن مدى تقبل الشخص للظروف المتغيرة، خاصة السيئة منها، مرتبط بعوامل عدة هي البيئة التي تربى فيها الشخص والمنظومة القيمية التي يملكها.

وتابع “تلقى سامر صدمات عدة أهمها اللجوء والإصابة وفقدان ابن أخته ورفض طلبات لجوئه بالإضافة إلى عدم تفهم أقاربه وأصدقائه لحالته”، تلك الصدمات سببت لسامر “هشاشة نفسية” أودت به إلى الانتحار، بحسب بيطار، مشيرًا إلى أن الانتحار كان رسالة من سامر إلى المحيطين به مفادها “أنا خائف، أنا حزين، أريدكم أن تفهموني”.

كثيرة هي الدراسات التي رصدت الآثار النفسية للحرب في سوريا، ورغم أنها لا تخلو من المبالغات وفي بعض الأحيان من المغالطات، إلا أن ما لا يمكن إنكاره هو ندبات خلفتها الحرب في نفس كل سوري، تلك الندبات كانت كفيلة بدفع بعض “ضعاف النفوس” إلى تبني فكرة حديثة على المجتمع السوري، هي الانتحار.

إذ كشفت دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة، في تموز الماضي 2014، أن 41% من الشباب السوريين في لبنان فكروا بالانتحار، وأن السبب في ذلك يعود إلى عدم شعورهم بالأمان والاستقرار القانوني.

ورغم أن الانتحار مرفوض في أعراف وتقاليد و”دين” المجتمع السوري، يُحسب لسامر “شجاعته” في الإفصاح عن حالته وارتياد العيادات النفسية في مجتمع يكاد ينفر من هؤلاء الأشخاص، كما يقول الشاب.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة