هل بدأت أمريكا تسليم قاعدة التنف؟

camera iconمقاتلون أمريكيون يجرون تدريبات على قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" في قاعدة التنف على الحدود العراقية - 22 تشرين الثاني 2017 (وزارة الدفاع الأمريكية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أسامة العبود

كثر الحديث، منذ أواخر أيار الماضي، عن قاعدة “التنف” الأمريكية، الموجودة على المثلث الحدودي لسوريا مع كل من العراق والأردن، بالتزامن مع دراسة مستقبل المناطق الجنوبية من سوريا، وإذا ما كان هناك أي اتفاق أمريكي- روسي يدور حولها.

وتحتل القاعدة التي تديرها أمريكا عن طريق فصائل من “الجيش الحر” موقعًا بارزًا، وأداة مهمة من شأنها أن تغير المعادلات على الأرض، وخاصةً في البادية السورية، التي تحاول إيران جعلها ممرًا آمنًا، كون طريق طهران- دمشق يمر منها.

وارتبط مصير القاعدة بالتطورات التي تدور في محافظة درعا، إذ ربط النظام السوري على لسان وزير خارجيته، وليد المعلم، مستقبلها بمستقل درعا والقنيطرة، وقال إنه لا اتفاق حول الجنوب دون انسحاب أمريكي من “التنف”، إضافة إلى حديثه عدة مرات سابقًا أن القوات الأمريكية موجودة بشكل غير قانوني في سوريا، ويجب عليها الانسحاب من “التنف” أو أي مناطق أخرى في سوريا.

وجاء كلام المعلم ردًا على ما تناقلته وسائل الإعلام، حول اتفاق يجمع أمريكا وإسرائيل مع روسيا، يقضي بأن تبقى الميليشيات التي تدعمها إيران بعيدة عن الحدود الجنوبية.

وبالعودة إلى أيلول العام الماضي، أبرمت روسيا اتفاقًا تعهدت من خلاله بألا تقترب ميليشيات تدعمها إيران لمسافة أقل من خمسة كيلو مترات من الحدود الجنوبية، بعد رفضها طلب إسرائيل وأمريكا بأن تبعد تلك الميليشيات مسافة 50 إلى 70 كيلو مترًا، خوفًا من شن إيران هجمات على إسرائيل.

إيران على الأسوار

ويبدو أن طهران وحلفاءها يريدون مبادلة تراجعها في الجنوب السوري بالحدود السورية من جهة الشرق، إذ نشرت وسائل إعلام عراقية مجموعة صور من داخل مقر الاستخبارات في العاصمة العراقية بغداد، 19 من نيسان الماضي، خلال اجتماع ضم مسؤولين عسكريين من روسيا وإيران والعراق وسوريا، في إعلان واضح وصريح من قبل الدول الأربع عن تحالف بديل يتحدى المصالح الأمريكية التي تقود تحالفًا ضم 20 دولة للقتال ضد تنظيم “الدولة”.

وتزامن ما سبق مع غارات مكثفة للطائرات العراقية من طراز “F16” الأمريكية إلى جانب طائرات روسية وسورية على أهداف في البادية السورية، في ردٍ على عودة تنظيم “الدولة” بشكل مفاجئ.

ومنذ إعلان التحالف الدولي بدء عملياته للقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” في عام 2014، نفذ المئات من الغارات الجوية، لكن دخول روسيا إلى دائرة المعارك في ريف حمص الشرقي وصولًا إلى دير الزور برفقة الميليشيات المدعومة إيرانيًا وقوات الأسد أسفر عن سيطرة النظام السوري على مساحات واسعة، على عكس الدور الأمريكي في قيادة التحالف الدولي لمعارك البادية، والذي لم يحقق مكاسب ميدانية.

وفي الأسبوع الماضي، سيطرت قوات الأسد وحلفاؤها، على الجيب الخاضع لسيطرة تنظيم “الدولة”، بين مدينة البوكمال ومعبر التنف الذي توجد فيه القاعدة الأمريكية.

وذكر “الإعلام الحربي” أن السيطرة جاءت على مساحة نحو 2500 كيلو متر مربع، شرق مدينة السخنة وحتى الحدود العراقية، لتصبح على خط التماس مع منطقة 55 كيلو مترًا وهي المنطقة التي حذرت أمريكا من الاقتراب منها تحت طائلة التدمير.

ومع ذلك لا يزال تنظيم “الدولة” يسيطر على منطقة صغيرة جنوب مدينة الميادين في ريف دير الزور، وباتت محاصرة في جيب صحراوي منعزلة عن الحدود العراقية، في حين لا تزال قاعد “التنف” الأمريكية تؤرق مصالح النظام السوري وإيران على الحدود السورية-العراقية.

توتر علاقات

وأحاطت المعارك بين قوات الأسد وحلفائها ضمن البادية بقاعدة “التنف” من الجانب السوري، ورافق ذلك توتر العلاقات الأمريكية مع الجانب العراقي في ظل سيطرة ميليشيا “الحشد الشعبي” على الجانب العراقي المقابل للتنف، ما دفع القوات الأمريكية لاستهداف مواقع ميليشيا “الحشد” عدة مرات، آخرها في 18 من حزيران، قابلها تهديد “الحشد” رسميًا للقوات الأمريكية الموجودة على الأراضي العراقية.

وبالرغم من المحاولات المتكررة لتلك “الميليشيات” التقدم نحو قاعد “التنف” الأمريكية، لم تحرز أي تقدم جراء الغارات الأمريكية المتكررة.

وفي 21 من حزيران، أطلق عناصر مسلحون يتبعون للميليشيات التي تساند النظام السوري النار على مستشارين عسكريين من “التحالف الدولي” و”جيش مغاوير الثورة” قرب قاعدة “التنف” الأمريكية عند الحدود العراقية السورية دون وقوع إصابات، وسرعان ما شن الطيران الأمريكي غارات جوية دمر خلالها نقطة تابعة لميليشيا موالية للنظام السوري في قرية العليانية غرب قاعدة التنف.

ومن غير المرجح أن يقدم النظام السوري وحلفاؤه على الهجوم المباشر على القاعدة الأمريكية، وإنما دوافع الولايات المتحدة لسحب قواتها من “التنف” تتعلق بعدم نيتها تحمل أعباء وجودها في تلك المنطقة، من خلال حد من أدوارها ومدى أهميتها لأمريكا في تلك المنطقة.

وكما تمت الإشارة سابقًا فإن طبيعة القاعدة العسكرية الأمريكية في التنف تظهر أن دورها الأساسي بالنسبة للولايات المتحدة هو وجودها ضمن الصحراء السورية والعراقية، وجعلها ورقة مفاوضات وضغط على النظام السوري وروسيا وإيران من أجل حفظ أمن إسرائيل ومصالحهما.

وحتى اليوم لا يملك نظام الأسد وحلفاؤه أي سبل مباشرة في إنهاء وجود القاعدة الأمريكية في التنف، وما تشكله من عائق للمصالح الإيرانية والروسية التي تسعى لكف جناح أمريكا من تلك النقطة الحيوية، كما تعيق المصالح العراقية والسورية، ما يفسر خوض النظام وحلفائه صراعين متوازيين لإنهاء القاعدة العسكرية عبر خلق صراع عسكري نحو مناطق تشكل نفوذًا لأمريكا والضغط على إسرائيل في جر حليفتها إلى صراع الدبلوماسية.

هل بدأ التسليم؟

نقلت وكالة الأنباء الروسية عن وزارة الدفاع، في 28 من حزيران، أن موسكو لم تخرج عن اتفاق “تخفيف التوتر” في جنوب سوريا، وذلك في أعقاب اجتماع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ومستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون.

كما قدمت المملكة الأردنية للولايات المتحدة ترتيبات جديدة تخص الأوضاع في الجنوب السوري، بعد إقناع إسرائيل بها، في مسعى منها إلى احتواء الوضع المتأزم في المنطقة.

وتعتبر قاعدة “التنف” العسكرية التي أنشأتها القوات الأمريكية عام 2014، “العمود الفقري” لأي اتفاق تسوية لمنطقة “تخفيف التوتر” في الجنوب، إذ تساوم الولايات المتحدة على تفكيك القاعدة، عقب إبعاد الميليشيات المدعومة من إيران عن الحدود الأردنية ونشر قوات روسية، وتشكيل آلية للرقابة على التنفيذ.

وسبق إنشاء أمريكا قاعدتها في التنف، توقف الأردن عن استقبال اللاجئين السوريين وإدخالهم إلى أراضيها، ما تسبب في تشكل مخيم عشوائي بات يضم الآلاف من الخيام، غالبيتها لا تصلح للعيش خصوصًا في تلك الطبيعة الصحراوية، بالإضافة إلى الظروف المأساوية التي يعيشها سكان “مخيم الركبان”، رغم افتتاح مخيم الأزرق في الأردن التابع للأمم المتحدة والذي يستوعب عشرات الآلاف.

وفتح الانتشار المفاجئ لقوات التحالف الدولي، في 25 من حزيران، بالقرب من معبر القائم الحدودي على الجانب العراقي مع سوريا، بابًا من التساؤلات حول مصير قاعدة التنف العسكرية.

وقالت صحيفة “سفوبودنايا برس” الروسية في تقرير لها، إن الحصار الذي باتت تفرضه قوات الأسد وحلفاؤها على القاعدة الأمريكية سيدفع بها لمغادرة المنطقة، كما أصبحت الولايات المتحدة تخشى من انتفاضة سكان المناطق الشرقية في سوريا، خاصة بعد تجاهل العشائر العربية في الحسكة والرقة ودير الزور والفشل في التحالف معهم.

بنية غير ثابتة

طبيعة بنية القاعدة العسكرية لا تشير إلى أن أمريكا تسعى لبقائها وقتًا طويلًا في تلك المنطقة، والتي تشكل نسبة الكثبان والسواتر الترابية الأغلبية في بنيتها، على عكس القواعد الأمريكية في شمالي سوريا، والتي بنت في بعضها مهابط للطائرات.

وعللت أمريكا بناء القاعدة في عام 2014 بأنها بهدف تدريب مقاتلي المعارضة السورية وقد شكلت لاحقًا “جيش سوريا الجديد”، وسرعان ما تكشف غياب جدية تدريب وتسليح التشكيل المعارض مقارنة بالتسليح والدعم الذي حصلت عليه “قوات سوريا الديمقراطية” في الشمال.

فيما بعد تحول “سوريا الجديد” إلى “مغاوير الثورة”، ويعتبر حاليًا حاميًا للوجود الأمريكي في القاعدة، وأوكلت له مهمة حماية النازحين في مخيم الركبان القريب منه وسط الصحراء على الحدود مع الأردن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة