قبيل وبعد “غصن الزيتون”

هل تعاود عفرين نموها الاقتصادي؟

camera iconبائع مازوت في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي - 21 حزيران 2018 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أسامة العبود

ضمن منطقة جبلية شمال غربي سوريا، تمتد منطقة عفرين على مساحة أربعة آلاف كيلومتر مربع، ما يشكل 2% من مساحة سوريا، وتعد الزراعة فيها عصب الحياة الاقتصادية لكونها من أشهر المناطق السورية في زراعة الزيتون، إذ بلغ عدد أشجارها نحو 18 مليون شجرة.

خلال الثورة السورية، حققت عفرين، مستفيدة من الاستقرار الأمني في السنوات الأربع الأولى، نجاحات اقتصادية ونفذت العديد من المشاريع الحيوية، لتشهد حركة اقتصادية وعمرانية لم تشهدها طيلة تاريخها قبل عام 2012.

انسحبت قوات النظام السوري من عفرين في عام 2012، لتبدأ بعدها المدينة ذات الغالبية الكردية، حكمًا ذاتيًا، وُضع خلاله نظام اقتصادي يقوم على الاكتفاء الذاتي، من خلال بناء مجتمع اقتصادي يعتمد على الجمعيات التعاونية، وفر للمنطقة ازدهارًا متتاليًا في عدة مجالات بدأ بالمجال الزراعي وصولًا إلى الصناعي والتجاري.

واكتسبت منطقة عفرين خصوصية اقتصادية نظرًا لعدة عوامل لعل أبرزها النأي بنفسها عن الخوض في مستنقع المعارك، وقد أسهم ذلك في الحفاظ على البنية التحتية، وخاصة المرافق والمؤسسات العامة التي كانت تشغلها الحكومة الرسمية قبل ذلك، إلى جانب موقعها الجغرافي الحدودي مع تركيا، كما أنها أصبحت منطقة وسيطة للتعاملات التجارية بين مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة وأخرى تحت سيطرة قوات النظام، الأمر الذي ضاعف من وتيرة نموها الاقتصادي بشكل كبير.

عقد الكرد السوريون مؤتمرًا في عفرين، في تشرين الأول 2015، وتبعه مؤتمر آخر في نفس الشهر في مدينة الرميلان بهدف تطوير الخطة الاقتصادية للمناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهو ما أسهم في نقل نحو 50% من المصانع والورش الصناعية من مدينة حلب المدمرة إلى عفرين، من خلال توفير الهيئة الاقتصادية لاحتياجاتهم. وأنشأت غرفة التجارة والصناعة في عفرين والتي استقطبت ما بين 2012 وحتى آذار 2018 أكثر من 450 تاجرًا وصناعيًا، بحسب ما ذكره كاوا اليوسف، عضو الهيئة الاقتصادية في عفرين، الذي نزح إلى الحسكة مع بدء العمليات العسكرية مطلع العام الحالي.

من جانبه، أطلع عضو غرفة التجارة والصناعة في عفرين، لقمان رستم، جريدة عنب بلدي، على حجم الآلة الصناعية والتجارية في منطقة عفرين، منوهًا إلى أن عودة شباب عفرين العاملين خارجها في كل من دمشق وحلب ولبنان، رغم هجرة بعضهم إلى أوروبا، شكلت دعمًا كبيرًا في تطوير العمل وتوسعه من خلال نقل خبراتهم الإنتاجية والصناعية إلى معامل ومشاغل عفرين.

وتميزت عفرين خلال “نهضتها الاقتصادية” في إنتاج صابون الغار وتصديره آنذاك للمحافظات السورية بالإضافة إلى تركيا. ووفقًا للقمان رستم، فإن إنتاج الصابون الغار بلغ في عام 2017 أكثر من 35 طنًا، وتنتج نحو 400 ورشة ومشغل ألبسة نحو أربعة ملايين بنطال من الجينز.

وأضاف رستم، الذي توجه إلى ألمانيا، أن منطقة عفرين ضمت ثلاث مصاف للنفط، و20 مقلعًا للأحجار ومواد البناء إضافة إلى مقلعين للرخام.

وعلى الصعيد العقاري، قال نيجرفان، وهو سمسار عقاري في عفرين يوجد حاليًا في القامشلي، إن الحركة العقارية شهدت انتعاشًا غير مسبوق من خلال الإيجارات السكنية والتجارية في ظل استقطاب منطقة عفرين آلاف السوريين كردًا وعربًا، إذ بلغ عدد سكان منطقة عفرين نحو 400 ألف نسمة، مقابل 90 ألف نسمة في 2010.

وبحسب نيجرفان، فإن الأجور السكنية بلغت بين ستة آلاف و25 ألف ليرة سورية، في حين تراوحت إيجارات المحلات التجارية بين 10 آلاف و180 ألف ليرة، استنادًا للمساحة والموقع ونوعية النشاط التجاري أو الصناعي.

عمليات “غصن الزيتون”.. “عصفت اقتصادنا”

استطاع الجيش التركي، وبمشاركة من فصائل معارضة تدعمها تركيا، السيطرة على مساحات شاسعة من منطقة عفرين بما فيها المدينة، في منتصف آذار الفائت، ضمن عمليات “غصن الزيتون”، التي بدأت في 20 من كانون الثاني بداية العام الحالي.

ونظرًا لظروف الاقتتال، حوصرت المنطقة من الجيش التركي ما أدى إلى انكماش اقتصادي ازداد مع حالة القصف المتبادل بين الجيش التركي، و”وحدات حماية الشعب” (الكردية) التي كانت تسيطر على عفرين، والتي تتهمها تركيا بالعلاقة مع حزب “العمال الكردستاني”، الذي تصنفه تركيا وأمريكا بأنه “كيان إرهابي”.

وتوقف إنتاج المعامل في منطقة عفرين بسبب العمليات العسكرية، وقد اتهمت مواقع إعلامية كردية الجيش التركي بقصف المصانع والمعامل، وهو ما تسبب بفقدان عشرات الآلاف لعملهم، وفقًا لما قاله عضو الهيئة الاقتصادية لعفرين، كاوا اليوسف.

كما اتهم اليوسف الجيش التركي بتسببه بتدمير البنية الصناعية والتي قدرها بملايين الدولارات، وخسارة عشرات المنشآت الصناعية آلاتها ومعداتها، منوهًا إلى أن فصائل من المعارضة “نهبت وسرقت” نحو 60% من تلك المنشآت والمعامل، بحسب تقديره.

وهو ما نفته تركيا رسميًا، ونشرت تسجيلات مصورة تظهر دقة العمليات العسكرية واقتصار القصف على المقرات العسكرية.

كما تضررت الثروة الحيوانية في عفرين، في ظل العمليات القتالية بين الجانبين، وقال اليوسف إن ضراوة الاقتتال منعت الأهالي من الوصول إلى ماشيتهم أو رعيها.

استهداف سد ميدانكي، الذي كان سابقًا يسمى”17 نيسان”، على نهر عفرين، وهو يروي ويغذي مناطق واسعة من عفرين سواء بمياه الشرب أو الري للأراضي الزراعية، ألقى بالضرر بنسبة 60% وفقًا لما قالته عضو الجمعية التعاونية الفلاحية، رزان شيخموس، لعنب بلدي.

كما أن عدم قدرة الفلاحين على الوصول إلى أراضيهم لرعايتها وتسميدها بسبب العمليات العسكرية، تسبب بفقدان الآلاف لمحاصيلهم الزراعية، ليكون سببًا آخر في هجرة أهالي عفرين إلى جانب الهرب من القذائف والمعارك، وفقًا لرزان.

وبلغ عدد النازحين من مدينة عفرين أكثر من 150 ألف نازح، نزح بعضهم إلى مناطق مجاورة تخضع لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، في حين عاد عدد قليل منهم بعد انتهاء عمليات “غصن الزيتون”.

“العمل على تنمية المنطقة”.. تركيا: باقون في عفرين

تندرج خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ضمن عمليات “غصن الزيتون”، وفق ما ينقله مسؤولون أتراك بين الحين والآخر، في تأكيد على أن تركيا ستعزز من الحيوية الاقتصادية والتجارية التي كانت تشغلها عفرين قبيل سيطرة الجيش التركي عليها برفقة المعارضة.

وقد جددت تركيا مؤخرًا تأكيدها على بقاء قواتها في مدينة عفرين بشكل مؤقت “من أجل تنميتها”، بحسب ما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية، حامي آقصوي.

ونقلت وكالة “الأناضول” التركية الاثنين 2 من تموز، عن آقصوي قوله، إن “الحياة عادت إلى طبيعتها في عفرين، لكن وجود تركيا في المنطقة سيستمر لبعض الوقت لمواصلة العمل على تنمية المنطقة”.

وأضاف المتحدث أن تركيا بدأت، بشكل تدريجي، بتسليم بعض المهام إلى المجلس المحلي الذي أسسه أهالي المدينة.

وكانت صحيفة “يني شفق” التركية ذكرت مطلع نيسان الفائت، أن الحكومة التركية ستطلب من نحو ثمانية آلاف رجل أعمال سوري في تركيا إنشاء مصانع في منطقة عفرين، كما تعمد الحكومة إلى إنشاء منطقة تجارة حرة، في حين سيتلقى السوريون في المخيمات التركية تدريبًا مهنيًا قبل دمجهم في فرص العمل التي ستوفرها تلك المصانع.

وكان الأتراك أقدموا مع دخولهم مدينة عفرين على تقديم عدة خدمات وإصلاحات في البنى التحتية في مسعى إلى إعادة صورة الحياة طبيعية بأسرع وقت ممكن، من خلال إصلاح شبكات المياه والكهرباء وتوفير مراكز طبية.

واعتبر محاضر سابق في كلية الاقتصاد بجامعة حلب، يوجد حاليًا في مدينة اعزاز قرب عفرين، رفض ذكر اسمه، أن الحديث حول تدرج عودة التنمية الاقتصادية إلى عفرين ليس دقيقًا، مشيرًا إلى أن تركيا تدفع إلى إيجاد أرضية اقتصادية ليس من السهل تحقيقها خلال الفترة الزمنية المقبلة.

ويرى محاضر كلية الاقتصاد أن نمو الاقتصاد يحتاج بالدرجة الأولى إلى فهم وتحقيق التنمية المستدامة والتي تعتمد بالمقام الأول على الموارد الطبيعية، وعمودها الفقري الجمعيات التعاونية التي ينشئها المجتمع المدني وتخلق أنشطة بيئية تزيد من الدخل.

كما أن الظروف الأمنية التي شكلت سابقًا حجر الأساس في توجه منطقة عفرين نحو تنمية اقتصادها وجلب مستثمرين ورؤوس أموال، باتت تفتقدها في الوقت الحالي رغم المساعي التركية لتصدير الاطمئنان والاستقرار الأمني، وتسليمها مؤخرًا أمن المنطقة لشرطة داخلية كانت قد دربتها سابقًا.

وشكل استقبال عفرين آلاف المهجرين القادمين من الغوطة الشرقية بريف دمشق وريف حمص الشمالي تحديًا آخر، لعدم التجانس سواء في طبيعة بنى المجتمع المدني أو بالسمات الخاصة بالأطر السياسية والاجتماعية التي تعمل فيها هذه البنى، ما يجعل أي محاولة متسرعة لاستخلاص استنتاجات عامة، تؤدي إلى إنتاج فهم مشوه للواقع الاقتصادي وأسس تنميته.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة