الآلهة العطشى لـ أناتول فرانس

tag icon ع ع ع

يصوّر رائد الأدب الفرنسي «أناتول فرانس» في روايته التي كتبها منذ أكثر من مئة عام الأجواء التي سادت خلال الثورة الفرنسية عبر تحفته الأدبية «الآلهة عطشى»، التي نال عليها جائزة نوبل في الأدب، عبر التفاصيل الإنسانية الصغيرة، تلك التي تمر عليها كتب التاريخ مرور الكرام أو قد لا تمر أصلًا. فيعبر خلال الانتصارات العظيمة التي حققتها الثورة إلى تلك المشاعر الإنسانية البسيطة والمعاناة البشرية التي تستحق أن يقف لها التاريخ والأدب، وقلما يفعلون.

الرواية أكثر من تحفة أدبية، لما تحويه من فلسفة عميقة تتجلى عبر الحوارات بين الأبطال والعوام وبين المؤمنين والملحدين وبين الثوار المتحمسين وأولئك الذين سئموا دوامة العنف، وما تمتلئ به من فن وبصيرة يسبر فيها الكاتب أغوار النفس الإنسانية وانفعالاتها وتحللها، وما تحكيه من تاريخ يروي فيه ما جرى وكل ذلك عبر قالب روائي بديع، لم تفقده الترجمة براعته.

فبرغم صعوبة نقل العمل الأدبي من لغة إلى لغة بنفس الروح، تلك الصعوبة التي تكاد تلامس حدود المستحيل، إلا أن «عادل زعيتر» استطاع نقل هذا العمل الأدبي مع سرّه الكامن في لغته إلى العربية، وفي هذا فهو يستحق اللقب الذي أطلق عليه: « شيخ المترجمين العرب».

ترافق القارئ دهشة لا يجد لها جوابًا عبر تتبعه لحكاية «إيفارست»، ذلك الرقيق العطوف والفنان المرهف الذي رسمت ريشته أبدع التصاوير وعاش في كنف أمه يحنو عليها ويرعاها، هذا الإنسان الذي كان يقسم الخبز أيام ندرة الأقوات بينه وبين الجياع هو ذاته الذي يتحول إلى رجل بلا قلب يقود الناس مع المحلفين تباعًا بلا رفق إلى المقصلة، كيف يحدث هذا؟ وكيف ينتقل الإنسان في حياته من النقيض إلى النقيض؟ هذا مما لا تجيب عنه الرواية ويعود ليطرحه التاريخ اليوم.

تصور الرواية الثورة التي أكلت ثوارها، وباسم العقل قطعت رؤوس مفكريها ولم تستثنِ حماتها أو أبطالها، من جانبها الدموي الذي قلما نسمع عنه، ولعل من شأن هذه الرواية أن تغير نظرة الناس المثالية إلى الثورة الفرنسية ما من شأنه أن يقودهم لينصفوا الثورات التي تجري اليوم، فالحوارات بين شخصيات الرواية عن دموية الثورة وغلاء الأقوات واللاجدوى التي يشعرها الجميع والعنف الذي سئمه الشعب تتكرر كثيرًا في الثورات العربية التي نشهدها اليوم.

رواية بهذه الفخامة ومن هذا الطراز تجعل من الصحيح القول إن الأدب، وليس التاريخ، هو الوسيلة الأقرب للناس والأدنى للحقيقة في نقل مجريات الزمان وحوادث الأيام.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة