السويداء تدخل مرحلة جديدة بعد “الأربعاء الأسود”

camera iconعناصر من رجال حركة رجال الكرامة في مدينة السويداء - (انترنت)

tag icon ع ع ع

السويداء – نور نادر

دخلت محافظة السويداء مرحلة جديدة بعد يوم الأربعاء، 25 من تموز 2018، الذي شن فيه تنظيم “الدولة الإسلامية” هجومًا على عدة أحياء وقرى فيها بصورة مفاجئة، مخلفًا المئات من الضحايا بين المدنيين، فضلًا عن قتلى من التشكيلات المحلية.

واعتُبر الهجوم “حدثًا مفصليًا” في تاريخ المحافظة، إذ لم يمرر عليها مثله، كما لم تتلق صدمةً كالتي أحدثها، سواء بالصورة المفاجئة التي سار بها التنظيم، أو عدد الضحايا الكبير، الذي اقتصر على المدنيين بشكل أساسي.

الحديث عن المرحلة الجديدة التي أقبلت عليها المحافظة يرتبط بالظرف الذي تزامن فيه الهجوم، إذ جاء عقب الانتهاء من ملف محافظة درعا من قبل قوات الأسد، والحديث عن نيتها الانتقال إلى السويداء لترتيب أمورها الأمنية والمدنية، خلافًا لما تسير عليه حاليًا، والتي أعطت منذ عام 2011 نموذجًا في “النأي بالنفس”، والابتعاد عما تمر به المناطق السورية الأخرى، عدا عن موضوع “الخدمة العسكرية للشبان”، والذي لا يزال شائكًا حتى الآن.

اليوم، تدور التساؤلات عن التبعات التي قد يفرضها الهجوم في الأيام المقبلة، خاصةً بعد الاتهامات التي وجهت للنظام السوري بالوقوف كطرف مساعد للهجوم، وما أكد ذلك عدم مشاركة قواته في التصدي، واقتصار الأمر على التشكيلات المحلية البارزة فيها.

مؤشرات سابقة

هاجم تنظيم “الدولة”، فجر 25 من تموز الحالي، عدة قرى في الريف الشرقي للمحافظة، وتزامن ذلك مع أربعة تفجيرات انتحارية في مناطق عشوائية متفرقة من المدينة، ليتطور الأمر فيما بعد إلى اشتباك مسلح بين الأهالي والفصائل المسلحة والتنظيم دون أي تدخل من قوات الأسد.

وأسفرت الهجمات عن مقتل أكثر من 220 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، بحسب مديرية الصحة في المدينة، والتي أشار مصدر طبي مسؤول فيها لعنب بلدي إلى غياب جثث أي عسكري من قوات الأسد ضمن الجثث التي وصلت في الساعات الأولى.

وتبنى التنظيم الهجوم عبر وكالته الرسمية “أعماق”، وقال إنه استهدف مواقع قوات الأسد، واعتبر أن القتلى جميعهم عسكريون، لكن المصدر الطبي أكد أن معظم الضحايا من المدنيين، بينهم من أعدموا بشكل فوري بعد دخول التنظيم إلى بيوتهم.

واتهم ناشطون في السويداء النظام السوري بتدبير هجمات التنظيم، في ظل وجود عدد من المؤشرات الدالة على ذلك، بينها سحب النظام تعزيزاته العسكرية من البادية باتجاه ريف درعا الشرقي في وقت سابق، وسبق ذلك نقل عناصر لتنظيم “الدولة” من مخيم اليرموك جنوب دمشق إلى البادية الشرقية للسويداء، باتفاق غير معلن.

كما جاء الهجوم بعد زيارتين لوفد روسي إلى المدينة، التقى فيها مشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز، وتحدث إليهم عن وجود تنظيمات وفصائل وصفها بـ “الإرهابية”، في إشارة لـ “حركة رجال الكرامة”، وطلب منهم ضرورة سحب السلاح العشوائي من التشكيلات المحلية.

لم تمض أيام على الزيارة الروسية حتى توجهت قوات الأسد إلى وجهاء القرى ودعتهم لسحب السلاح من أيدي رجالهم، بحجة حل قضية انتشار السلاح العشوائي وانتهاء الخطر المحدق بالمحافظة من جهة درعا.

وكان الشيخ نزيه جربوع، قائد فصيل مسلح، أول المنفذين، إذ أمر بتسليم جميع الأسلحة التي وزعها على رجاله في السنوات الماضية، وتبعه تسليم السلاح من أهالي قرية السويمرة، والتي كانت ضمن القرى التي هاجمها التنظيم.

 لماذا الآن؟

رغم الهجوم المباغت و”الكبير” للتنظيم على المدينة، استطاعت التشكيلات المحلية العاملة فيها احتواءه وتمكنت من استعادة زمام الأمور، لكن التساؤلات عن السبب الذي كان وراه لا تزال تدور حتى اليوم، ويتخللها اتهامات كثيرة للنظام السوري، اعتمادًا على المؤشرات السابقة المذكورة.

واعتبر ناشط مدني من السويداء لعنب بلدي (طلب عدم ذكر اسمه)، أن تنظيم “الدولة” هو الورقة الرابحة التي يلعب بها النظام للدخول إلى المحافظة بصفة “المنقذ البطل”، بعدما تراجعت سلطته بشكل كبير ضمن حدودها وأصبح وجوده اسميًا فقط، إضافة لإعادة التأكيد على كونه “حامي الأقليات” أمام المجتمع الدولي.

وقال الناشط، إن “التخوفات كبيرة من شن هجمات أكثر دموية في حال استمرت السويداء في المقاومة، ورفض اعتبار الجيش مساهمًا في صد الهجوم، وتوسيع إطار حملات تكذيب الإعلام السوري بين الناشطين”.

وكان أهالي مدينة شهبا وقرية الشبكي طردوا محافظ السويداء، عامر العشي، في أثناء تشييع ضحايا هجوم تنظيم “الدولة الإسلامية”، وراجت على مواقع التواصل الاجتماعي ردود فعل رافضة للرواية التي تبناها النظام السوري في مشاركته بصد هجوم التنظيم.

من وجهة نظر أخرى عن الأسباب التي تقف وراء الهجوم، اعتبر الإعلامي مالك أبو الخير، ابن السويداء، أن هجوم التنظيم جاء لإعادة ترتيب أوراق المنطقة الجنوبية.

واعتبر في مقابلة مع قناة “العربية” نشرها عبر حسابه في “فيس بوك” أن السويداء تخوض حربًا سياسية تحت الطاولة منذ خمس سنوات مع إيران، لتنتقل اليوم إلى حرب مفتوحة عسكرية عبر التنظيم.

وبحسب أبو الخير تسعى إيران لتثبيت وجودها في المحافظة، وحاولت في السنوات الماضية فتح حسينيات “وتم رفض هذا الموضوع”، ثم انتقلت إلى محاولة استغلال فقر الناس وشراء الأراضي وتشييع بعض الشباب الدروز وإغرائهم في الانضمام إلى ميليشيا “حزب الله” اللبناني، لكن هذه الخطوات فشلت.

وربط أبو الخير فكرته حول المساعي الإيرانية بحادثة الخطف الأخيرة لرجل إيران و”حزب الله”، أحمد جعفر، من قبل “رجال الكرامة وقتله”، مشيرًا إلى أن التنظيم الذي هاجم السويداء بينه مجموعات البدو التي تتاجر بالمخدرات، وهي على علاقة بالنظام السوري، ويتركز نشاطها على الحدود السورية- الأردنية.

مصير غامض

طوال السنوات الماضية حُيّدت السويداء عن القرارات والمفاوضات من جانب النظام والمعارضة، أو اهتمامات الدول المؤثرة في الملف السوري، ليبقى مصيرها بعد سبع سنوات من النزاع المسلح غامضًا، وتزداد التساؤلات حوله في الوقت الحالي

وعقب انتهاء هجوم التنظيم برزت تكهنات عدة عن الأحداث التي قد تمر بها المحافظة في الفترة المقبلة، سواء بتكرار “الأربعاء الأسود”، أو الانتقال إلى صيغة مدنية وعسكرية جديدة للمحافظة ككل.

وفي بيان له بعد يومين من الهجوم، أعلن فصيل “قوات شيخ الكرامة” النفير العام والحرب على تنظيم “الدولة”، وطالب جميع الفصائل المحلية في محافظة السويداء بتوحيد صفوفها وترك الخلافات، ورفع الجاهزية لحماية المحافظة.

وأشار البيان إلى التخاذل من الجهات التي تدعي حماية المحافظة، مؤكدًا على ضرورة توحيد أبناء الطائفة صفوفهم لمواجهة التنظيم، داعيًا زعماء الطائفة لنصرة المحافظة ودعمها وتسليحها بجميع الوسائل الدفاعية، على أن تستمر في بذل الجهود لاستعادة النساء، الذين اختطفهم التنظيم في هجومه.

وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي، قدم عدد من شبان المدينة طلبات انتساب لحركة رجال الكرامة، على أن يتم الرد عليها.

وقال مصدر عسكري لعنب بلدي إن “المحافظة لن تهدأ حتى استعادة النساء المختطفات من قبل التنظيم”، واللاتي عُرضت صورهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخلفهن الراية السوداء التي يعتمدها التنظيم.

حالة من الركود والترقب تعيشها السويداء الآن، وسط حذر شديد وانتشار لحواجز عشوائية كثيرة على مفارق الطرق الرئيسيّة والفرعية ينشط عليها شبان المنطقة، كما أن المدنيين على اختلاف ميولهم يعيشون حالة سخط وغضب كبير من النظام السوري، فمنهم من يعتبر التنظيم جزءًا من مخابراته، وقسم آخر يعتبره تهاون في ردع الهجوم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة