من "الشرقية" لـ"الكردي"

رحلة بين حاجزين في حلب

camera iconطفل سوري على طريق السفر بريف حلب- 21 حزيران 2018 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

منبج – برهان عثمان

بين ساترين ترابيين في منطقة العون يتنقل المدنيون الراغبون بالسفر، بين منبج الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ومناطق “الجيش الحر” في ريف حلب، مشيًا حاملين أمتعتهم أو راكبين في وسائل النقل، محاولين الوصول من حاجز إلى آخر بسلامة.

رحلة الطريق من أعزاز إلى العون ثم منبج “متعبة”، وخليط من حر الصيف والوقوف المتكرر على الحواجز وعرض الهويات والتدقيق والسير في طرقات شبه ترابية، بحسب ما وصفها وائل السعيد (28 عامًا)، الذي اعتبر أن الماء البارد أهم رفيق في الرحلة، إلى جانب السؤال المُلح عن وقت الوصول وعدد ساعات السفر، وشكوى التعب والعناء من هذا الحال.

قصة حاجزين

بعبور الحاجز الأخير لـ “الجيش الحر” المدعو بـ “حاجز الشرقية”، نسبة إلى أغلبية الفصائل الموجودة فيه من المنطقة الشرقية في سوريا، الذي ترتفع فيه أعلام الثورة والعلم التركي، وصل السعيد إلى فسحة اصطفت فيها مركبات النقل الصغيرة والمتوسطة والدراجات الهوائية التي تنقل العابرين إلى “الحاجز الكردي”، كما يسميه الأهالي، نسبة إلى وجود المقاتلين الكرد التابعين لـ “قسد”، بتكلفة 200 ليرة لمسافة لا تتجاوز كيلومترًا واحدًا.

بعد الوصول إلى “الحاجز الكردي” يتم إنزال الركاب بالقرب من بوابة حديدية، تتخللها أسلاك معدنية انتشرت قبلها عدة خيام لبيع المشروبات الساخنة والباردة وبعض أنواع الطعام، وتوجد غرف حجرية تموضع فيها عناصر “قسد” من عرب وكرد يشرفون على تنظيم عملية دخول المسافرين والتأكد من هوياتهم ووثائقهم الشخصية، قبل السماح لهم بالمرور إلى ساحة أخرى تبعد حوالي 500 متر تضم وسائل نقل.

ويتم نقل المسافرين إلى مركبات صغيرة ومتوسطة نحو الحاجز الرئيسي، الذي ارتفعت عليه أعلام “قسد” وشعاراتها، والذي يتولى أيضًا تفتيش الركاب والتدقيق في هوياتهم.

الحاجز مجهز بحواسيب وسجلات لتسجيل الآليات العابرة والأشخاص، ويضم عدة أقسام لكل منها اختصاصه في التدقيق والتسجيل، كما يضم عددًا من العناصر الذين يتولون إعطاء إذن العبور للداخلين نحو مناطق سيطرة “قسد”، وهو ما يراه السعيد أمرًا ضروريًا يفرضه الواقع الأمني في المنطقة، في حين يرى بعض من تواصلت معهم عنب بلدي أن تكاليف النقل وأجرة الترفيق وكثرة المصروفات مرتفعة، إلى جانب الإرهاق في أثناء الانتظار لفحص الوثائق الشخصية، وطول المدة الزمنية التي يستغرقها ذلك.

عناصر “قسد” يبررون الاتهامات

“الطريق المتعب” يتخلله الحديث عن ذكريات الماضي بين المسافرين، والمقارنة بين المناطق التي مروا فيها وتصرفات السلطات المسيطرة في كل منطقة، وانتقادهم لبعض سلوكيات العناصر على الحواجز التي مروا فيها، إذ تقول الحاجة أم علي “ألف حاجز تفتيش وألف سؤال، والمدني هو الضحية، إذ يدفع من ماله ووقته وسلامته”، مقارنة بين السفر قبل سنوات على الطريق نفسه وبين اليوم معبرة عن ذلك بالقول، “فقدنا الأمان ويدنا على قلبنا طوال الطريق”.

ويلفت السائق محمد الحلبي “أبو قاسم” (46 عامًا) إلى ضرورة مداراة العناصر على الحواجز لأنهم “يمتلكون سلطات مطلقة بلا رقابة، فأي كلمة منهم يجب أن تطاع، وإلا فالتهم جاهزة ولا يمتلك المدني أي قدرة للدفاع عن نفسه”، رافضًا التفريق أو استثناء أحد، مؤكدًا أن الخوف هو رفيق المسافر السوري هذه الأيام.

لكن عناصر من الحواجز التقتهم عنب بلدي أصروا على أنهم يقومون بواجبهم، ويسعون للحفاظ على الأمن وسلامة المسافرين، إذ يصف إبراهيم (22 عامًا)، أحد عناصر “قسد”، مهمته بالشاقة والمتعبة قائلًا، “نحن نقف في مراكزنا لساعات طويلة متحملين الحر والبرد والغبار ومخاطر التفجيرات لنحرص على سلامة وأمن المنطقة والأهالي “، مشيرًا إلى أن رفاقه يبذلون جهدهم لتلافي ما يحصل في مناطق أخرى من فوضى وتشليح وسرقات.

وأكد إبراهيم أن الغرض من وجودهم هو خدمة المواطن لا إرهاقه والتجني عليه وزيادة مشقته، مشيرًا إلى أنه من حق أي مسافر تعرض لأي ظلم أو مشاكل، أن يشتكي إلى الجهات المختصة وحقوقه مكفولة بالقضاء، رافضًا مقارنة من يلتزم بالقانون والسلطات المسؤولة عنه في هذه المناطق (مناطق قسد) بمناطق أخرى تغيب عنها الأخلاق والضوابط ويُفتقد فيها القانون وتعم الفوضى، بحسب تعبيره.

تكاليف عالية

ورغم تعدد الآراء حول تصرفات العناصر الموجودة على الحواجز، تبقى جزءًا مهمًا من معاناة المسافرين، فيما تشكل أجور السفر وتكاليفه جزءًا آخر، إذ دفعت سمية الملقبة بـ “أم علي” (43 عامًا) المسافرة مع عائلتها من أعزاز إلى منبج، سبعة آلاف ليرة سورية أجرة من أعزاز حتى حاجز “الجيش الحر” في العون، و200 ليرة أجرة التنقل بين الحاجزين، و600 ليرة أجرة النقل نحو مركز التفتيش التابع لـ”قسد” في قرية الحيات في ريف منبج، والذي يتجمع فيه المسافرون في ساحة واسعة منتظرين أن تسمح لهم دائرة الأمن العام الموجودة في المنطقة بالمرور وتعطيهم كشف أسماء العابرين ممهورًا بختمها أو ما يعرف بين سائقي مركبات النقل بـ “المنفست”.

وتضيف “أم علي” لعنب بلدي أنها تدفع 500 ليرة عن كل راكب من عائلتها رسم (ترفيق) وهو رسم فرضته “قسد” على العابرين في مناطقها، إذ تتم مرافقة مركبة النقل من قبل أحد عناصرها لمراجعة أسماء العابرين وفحص وثائقهم، والكشف عليها إن كانت تحتوي على مطلوبين للأمن العام التابع لـ “قسد” والحكم على صحتها من التزوير، كما تدفع 500 ليرة أجرة النقل نحو مدينة منبج، وعندها يكمل المسافرون طريق سفرهم إلى وجهتهم النهائية سواء كانت مدينة منبج أو الرقة أو ريف دير الزور، إذ تختلف الأسعار بحسب الوجهة المقصودة.

وإلى جانب ارتفاع الأسعار يقول السائق “أبو قاسم” لعنب بلدي إن السائقين من أكثر المتضررين بسبب غلاء المحروقات وأسعار قطع الغيار، في ظل رداءة أنواع المحروقات الموجودة في الأسواق، وعدم توفر بعض قطع الغيار، وكثرة الأعطال في مركبات النقل بسب سوء الطرقات، فضلًا عن إمكانية التشليح والسرقات والأتاوات، التي قد يضطرون إلى دفعها في بعض المناطق للحفاظ على سلامتهم وسلامة الركاب.

وقال “أبو قاسم”، “نحن محاصرون بالتهديدات والمخاطر، ورغم ذلك نفعل ما بوسعنا لمساعدة الركاب والتخفيف عنهم”، في حين أن أسعار النقل محددة في أغلب المناطق وغير قابلة للتلاعب، مشيرًا إلى أنهم يتحملون هذه المعاناة بشكل مستمر لتحصيل لقمة عيشهم، “إذا كان المسافر يتعرض للخطر مرة، فنحن نعيش معه في كل يوم نخرج فيه للعمل”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة