الأسد يمسك بالجنوب السوري

camera iconعناصر من قواات الأسد على حدود الجولان المحتل - تموز 2018 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خاص

دون أي خسائر تذكر، أمسكت قوات الأسد بالجنوب السوري، بعد السيطرة الكاملة على مناطق سيطرة المعارضة وتنظيم “الدولة الإسلامية” في محافظتي درعا والقنيطرة، والتي لم تشابه المعارك فيها نظيراتها في المناطق السورية الأخرى، سواء من ناحية الفترة الزمنية التي دارت فيها، أو التحركات المرسومة لها.

دخلت قوات الأسد منذ اليوم الأول للعملية العسكرية، أواخر حزيران الماضي، باتفاقيات تسوية و”مصالحة” مع قادة فصائل المعارضة، تمكنت فيها من استعادة جميع المناطق التي خسرتها في السنوات الأولى للثورة، ودُعمت في ذلك بشكل أساسي من الجانب الروسي، الذي دخل كطرف رعى بنود التسوية مع المدنيين والمقاتلين العاملين في المنطقة.

وتبقى الضمانات التي أعطيت لأهالي ومقاتلي الجنوب بموجب التسوية أمام استحقاق التطبيق، مع الحديث عن استعداد النظام لفرض سياسة عسكرية وأمنية جديدة، بدأت أولى بوادرها بحملات تمشيط للمناطق التي سيطرت عليها في الريف الشرقي من درعا.

اتفاق استسلام في الحوض

منطقة حوض اليرموك كانت آخر المناطق التي سيطرت عليها قوات الأسد في الجنوب، بعد معارك استمرت لأسبوعين ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وعلى خلاف التوقعات، لم يصمد التنظيم الجهادي كثيرًا في المعارك، إذ تسارعت التطورات العسكرية لصالح قوات الأسد، التي انضمت لها مجموعات عملت سابقًا في “الجيش الحر”، وكانت رأس الحربة على الأرض، كونها تعرضت في السنوات السابقة لضربات “موجعة” من التنظيم، وكسبت فرصة ترد فيها “الثأر”.

وجاءت السيطرة على حوض اليرموك بموجب اتفاق “استسلام” للتنظيم أمام “مجموعات التسوية” والنظام السوري، كحادثة هي الأولى من نوعها في سياسة التنظيم، فقد سلم أكثر من 100 مقاتل أنفسهم بعد أسبوعين من القتال، أعدم منهم 25 عنصرًا بشكل ميداني، وآخرون نقلوا إلى مركز تجميع أمني تابع للنظام.

الروس ينتشرون في الجولان

في محافظة القنيطرة، التي دخلتها قوات الأسد بعد الانتهاء من الريف الغربي لدرعا، بدأت روسيا بالتجهيز لنشر قواتها في هضبة الجولان، وإقامة ثماني نقاط مراقبة هناك لمنع أي استفزازات ضد مواقع الأمم المتحدة.

وذكرت وكالة “إنترفاكس” الروسية، في 2 من آب، أن قوات من الشرطة العسكرية التابعة للقوات المسلحة الروسية ستتمركز على امتداد خط “برافو” الذي يفصل المناطق المحتلة من الجولان.

وأشار المسؤول بوزارة الدفاع الروسية، رودسكوي سيرجي، إلى أن قوة “حفظ السلام” التابعة للأمم المتحدة، التي توقف عملها في هضبة الجولان عام 2012 يمكنها استئناف عملها.

وبالتزامن مع الاستعداد للانتشار، أرسلت روسيا تطمينات لإسرائيل بعدم مشاركة أي عناصر من “حزب الله” في الانتشار على الحدود، إذ أكد السفير الروسي في تل أبيب، أناتولي فيكتوروف، أن السيطرة على الحدود السورية مع إسرائيل ستكون فقط للجيش النظامي السوري ولن توجد هناك تشكيلات أجنبية.

وأكد السفير الروسي في لقاء بُث عبر القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، وجود اتفاق حول عدم انتشار قوات على حدود إسرائيل من الجانب السوري غير القوات النظامية للجيش السوري، مضيفًا، “الأولوية هي ضمان أمن إسرائيل، وهذا ليس مجرد كلام بالنسبة للسياسة الخارجية الروسية”.

خريطة توضح توزع السيطرة العسكرية في الجنوب السوري – 4 تموز 2018 (livemap)

“جيش خالد” من التشكيل إلى المبايعة.. فالاستسلام

تأسس “جيش خالد” في أيار 2016، من اندماج فصيلين رئيسيين، هما لواء “شهداء اليرموك” وحركة “المثنى الإسلامية”، إلى جانب فصيل آخر يسمى بـ “جماعة المجاهدين”، وانتمى بفكره وعقيدته إلى التيار السلفي الجهادي.

وفي بيان التشكيل الذي ذيل باسم “قاطع حوض اليرموك”، أوضح “الجيش” أنه سيتم إلغاء مسمى “مقر 105” وتحويله إلى مسمى “الأندلس”، ومن ثم يلغى “مقر 106” بشكل نهائي.

واعتبر المقران المذكوران حينها مراكز أمنية تابعة لـ “لواء شهداء اليرموك” في المنطقة، وشهدا سابقًا قيادة المعارك في مواجهة فصائل المعارضة في محافظة درعا.

اندماج “شهداء اليرموك” و”المثنى” سبقه تشكيل تحالف عسكري مشترك بينهما، مضاد لفصائل المعارضة في المنطقة الجنوبية، واتهما حينها من قبل فصائل المعارضة بالتبعية لتنظيم “الدولة الإسلامية”.

أما “جماعة المجاهدين”، فهو مسمى جديد لـ “سرايا الجهاد” التي تمركزت سابقًا في منطقة القحطانية في ريف القنيطرة، ولوحقت أمنيًا وعسكريًا من قبل “جبهة النصرة” بحجة مبايعة تنظيم “الدولة”، وحصلت معارك بين الطرفين في نيسان 2015 راح ضحيتها نحو 100 قتيل من الجانبين، قبل أن ينسحب هذا الفصيل إلى حوض اليرموك.

وكان بيان التشكيل الأول للتنظيم أغفل بشكل كلي النظام السوري والمعارك ضده، وشدد على أن مسؤولية “مقر الأندلس” (الأمن الداخلي) هي “التصدي لمحاولات الغدر والخيانة من قبل المرتدين (فصائل المعارضة)”، وسيكون منطلق عمل هذا المقر هو “المحكمة الإسلامية”.

وعين التنظيم أميرًا جديدًا بعد إعلان التشكيل في منطقة حوض اليرموك يدعى “أبو عثمان الشامي”، خلفًا للأمير السابق “أبو عبد الله المدني”، وذهب ناشطون آنذاك إلى أن قرار تعيين “أبو عثمان الشامي” جاء بأوامر مباشرة من زعيم تنظيم “الدولة”، أبو بكر البغدادي.

ضربات طالت الأمراء

تعاقب على مسيرة التنظيم الجهادي عدة قادة وأمراء، وكانت الضربة الكبيرة التي طالته في آب 2017، حين قتل ثلاثة من أمرائه خلال شهرين، بغارات جوية.

الأمير الأول الذي هو “أبو محمد المقدسي”، والذي استلم الزعامة بعد مقتل زعيمه السابق “أبو هاشم الإدلبي” في تشرين الأول 2016، قتل بعبوة ناسفة استهدفت سيارته.

وتزعم المقدسي تنظيم “الدولة” في منطقة الضمير بريف دمشق الشرقي، وخرج منها إثر اتفاق مع النظام السوري يقضي بانسحاب التنظيم من المنطقة إلى البادية، بدأ في نيسان 2016.

وبعد تشكل “جيش خالد” في حوض اليرموك، في أيار 2016، التحق المقدسي به ليصبح زعيمًا له، قبل أن يُقتل بغارة جوية، في 7 من حزيران 2017، إلى جانب قائده العسكري العام “أبو عدي الحمصي”، والقيادي “أبو دجانة الإدلبي”.

الأمير الثاني الذي فقده التنظيم هو “أبو هاشم الرفاعي” من بلدة تل شهاب في ريف درعا الغربي. وعمل الرفاعي سابقًا كـ “أمير عسكري” لـ “لواء شهداء اليرموك”، وكان أحد أبرز مرافقي “أبو علي البريدي” (الخال)، مؤسس اللواء.

وفي 29 من حزيران 2017، استهدف صاروخ من طراز “توماهوك”، رجحت مصادر مطلعة لعنب بلدي أن يكون قد أطلق من بارجة عسكرية أمريكية في البحر المتوسط، اجتماعًا لقيادة الجيش، ما تسبب بمقتل الرفاعي إلى جانب عشرة قياديين بارزين فيه.

“أبو تيم إنخل” هو الأمير الثالث البارز الذي تلقى التنظيم ضربة “قوية” بمقتله، وينحدر من بلدة إنخل في ريف درعا، وترك “الجيش الحر” والتحق قبل ثلاثة أعوام بفصيل “جيش الجهاد”، الذي خاض، في أيار 2015، معارك ضد “جبهة النصرة” و”الجيش الحر” في ريف القنيطرة، على خلفية اتهامه بارتباطه بتنظيم “الدولة”.

استراتيجية الكمائن

منذ اليوم الأول لسيطرة التنظيم الجهادي على حوض اليرموك، لم تتمكن فصائل المعارضة من إحراز أي تقدم فيه، رغم العمليات العسكرية والمعارك التي أطلقتها ضده بين الفترة والأخرى.

واعتبرت جبهات “جيش خالد” هاجسًا أمام الفصائل، وخسرت المئات من مقاتليها بهجمات مباغتة اتبعها التنظيم على فترات متفاوتة، وسيطر في كل مرة على سلاح وذخيرة.

الهجوم الأكبر الذي نفذه “جيش خالد” كان في شباط 2017، وانتزع من خلاله بلدات وتلالًا أبرزها سحم الجولان وتسيل وتل الجموع، لتتوسع خريطة السيطرة له في الجزء الشمالي الغربي من مدينة درعا.

واعتاد “جيش خالد” معارك الكر والفر في منطقة حوض اليرموك، كما لم تنجح المعارضة في التقدم على حسابه خلال الأشهر الماضية، لاعتماده على الكمائن.

ومنذ منذ مطلع 2018، وثق “مكتب توثيق الشهداء في درعا” مقتل أكثر من 100 مقاتل من الطرفين (المعارضة، جيش خالد)، بالإضافة إلى المئات خلال العام الماضي.

محاكاة تنظيم “الدولة”

رغم عدم إعلان “جيش خالد” العقيدة التي يسير عليها في حوض اليرموك، كانت الإجراءات والأمور التي اتبعها كفيلة بالتأكيد على تبعيته لتنظيم “الدولة”، وخاصةً من حيث الإعدامات التي نفذها والأحكام التي أطلقها على العسكريين والمدنيين القاطنين في مناطق سيطرته.

وتكررت صور تنفيذ أحكام الإعدام التي نفذها بحق المدنيين بتهم شتى، أبرزها “التعامل مع النظام أو الجيش الحر والسحر وسب الذات الإلهية والردة”، وغيرها.

وفي كانون الثاني 2017، نقلت عنب بلدي عن مصادر مطلعة في حوض اليرموك، أن قرارًا صدر عن “جيش خالد” المسيطر على المنطقة، بتبييض سجونه بالكامل.

وأشارت المصادر حينها إلى وجود حوالي 20 معتقلًا في سجونه، قد يواجهون أحكام إعدام خلال الفترة المقبلة.

لم تستهدف الإعدامات المدنيين فقط، بل طالت قادة في التنظيم نفسه، ففي حزيران 2017، أفادت مصادر من حوض اليرموك أن التنظيم نفّذ “حكم القصاص” بحق مجموعة من قيادات سابقة وعناصر عملوا في صفوفه، بتهمة “العمالة” واغتيال قيادات في صفوفه، إضافةً إلى مدنيين.

ومن بين القياديين الذين أعدمهم الفصيل أبو عبيدة قحطان، ونادر القسيم أبو حسن النواوي، وخالد جمال البريدي، إلى جانب أبو تحرير الفلسطيني.

لكن بعد قرابة عام، برأ الفصيل القياديين الذين أعدمهم، وقال إن “المدعى عليهم مسلمون لم تثبت عمالتهم ولا تورطهم في مقتل أبو هاشم الإدلبي، والأصل براءة ذمتهم وأنهم قتلوا ظلمًا، على أن ترد الأموال التي صودرت منهم”.

مبايعة

بقي “جيش خالد” محتفظًا بهويته دون توضيح الجهة التي يتبع لها حتى حزيران عام 2018، إذ أقر بانتمائه لتنظيم “الدولة” في بيان نشره مكتب العلاقات العامة للأخير.

وتزامن إقرار الفصيل بالتبعية للتنظيم مع العملية العسكرية التي بدأتها قوات الأسد في محافظة درعا ضد فصائل المعارضة، والتي بدأت أولى تحركاتها في الريف الشرقي وخاصة منطقة اللجاة.

اختلفت الإعلانات الخاصة بـ “جيش خالد” وانتقلت أخبار معاركه من معرفاته الرسمية إلى معرفات وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم، والتي أطلقت اسم “ولاية حوران” في الأخبار التي توردها عن حوض اليرموك.

وبالتزامن مع تقدم قوات الأسد على حساب المعارضة في درعا، استغل “جيش خالد” الفرصة واستقبل العشرات من المدنيين من المناطق التي شهدت قصفًا من الطيران الروسي، وأدرجهم في معسكرات تدريبية، كخطوة استباقية للعملية العسكرية التي أطلقت ضده.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة