أبشر بطول سلامة يا داعش!

tag icon ع ع ع

حذام زهور عدي

لم يكن خافيًا على كثير من الكتاب والمحللين والمتابعين للثورة السورية، بدء ظهور التطرف الديني، منذ نهاية العام الأول لها، ليس لأن بثينة شعبان تحدثت عن التوجه الطائفي الإسلامي للثورة بعد أسبوعين من انطلاقها، فقد كان الحراك ديمقراطيًا صافيًا نقيًا لاعلاقة له بالتهمة التي ألصقتها به إلا بالقدر الذي افتُرض، وهو أنها بهذا رسمت طريق التطييف الذي سيعالج النظام به الأمر، لا سيما أن السيد حسون أضاف بعد ذلك إلى التطييف الخلايا النائمة التي هدد بها الغرب إن تعاطف مع الثوار ولم يؤيد بشارعلى ما يمارسه من قمع لهم.

وكان المراقبون المحايدون يستغربون الصمت الذي يواجه به الغرب والولايات المتحدة تحديدًا هذا التطرف، وكأن مسؤولي البيت الأبيض لم يصدقوا أن الأوضاع تسير بذلك الاتجاه حتى بعد ظهور داعش واشتداد عودها وقيامها بتفجيرات ضخمة أزهقت بها أرواحًا بريئة، وبات لديها مواقعها وشبه وكالة إعلام خاصة بها، تنشر من خلالها أخبار أنشطتها ودعاويها، وتُلقي الرعب في قلوب من تستهدفهم بأعمالها.

في ظروف الاضطرابات ليس مستغربًا ظهور أعمق ما في المجتمعات من تخلف ووحشية، وما مر تاريخيًا على منطقة الشرق الأوسط ترك فيها كثيرًا من تلك القصص والفتاوى، لكن اللافت للنظر أن يستحضره عالم القرن الواحد والعشرين ويزيد عليه ليوظفه من أجل إخضاع طالبي الحرية والكرامة وإيقاع أكبر وأطول توحش ممكن بهم ووضعهم في النهاية أمام معادلة سلطتنا أم سلطانهم؟ يحدث هذا أمام العالم الحر المتمدن وسمعه وبصره، حتى وصل البل إلى ذقنه، عندها تنادى بصوت جهوري غضنفري، لاحتلال الأرض والسماء، وافتعال الكوارث التي وفرها داعش، لمحاربته.

والمضحك المبكي أن عددًا ضخمًا من أقوى التحالفات الدولية تحتل سماء سوريا وأرضها من أجل القضاء على ذلك التنظيم الجهنمي، وتُدمر سوريا من أجله، ويُشرد أهلها وتُسرق بيوتهم وأراضيهم ويُقتَل أطفالهم ونساؤهم باسم ذلك التنظيم، وتمر الشهور والسنون وأزيز الطائرات وقصف الصواريخ الأحدث بقوتها التدميرية يستمر، وتُعلن الدول الكبرى والصغرى انتهاء تنظيم داعش والسيطرة عليه وتحرير سوريا منه، ثم نسمع فجأة أنه ما زال موجودًا بسيارات ذات دفع رباعي وموتورات تجوب بادية مكشوفة أكثر من راحة اليدين، يهاجم ببساطة شديدة قرى آمنة، بعد أن يُنزع سلاح أهلها البسيط الذي امتلكوه بشق الأنفس للدفاع عن أنفسهم وأعراضهم، وتُقطع الكهرباء عنهم، ويُترك الوباء الداعشي يفتك بمن خالف رغبة النظام ولم يؤيد تقتيل أهله بيده. أي مسرحية كوميدية سوداء يمكن لأحمق أن يصدقها؟! وخاصة أنها مُثلت قبلًا قرب السلمية وجبلة وطرطوس، حين تململ أهالي تلك المناطق مما يحصل لهم ولأولادهم نتيجة التصميم على التمسك بكرسي الحكم.

ولا يحتاج الأمر إلى ذكاء كي يتضح أن هذا الأسلوب يقصده النظام الأسدي وحلفاؤه قرب من يسميهم الأقليات عندما لا يستطيع المتاجرة بهم دوليًا، عقوبة على عدم الرضوخ لقتال شركاء الوطن واشتراكهم بجرائمه، والمسؤول عند ذلك: البعبع داعش.. وحاميهم الجيش الأسدي المغوار! الذي يظهر دومًا بعد فوات الأوان.

الحوار اليوم لا يجب أن يكون هل الأفكار الداعشية هي وريث شرعي للرسالة الإسلامية أم لا؟ وهل يجب أن تعالج باستئصال أصحابها أم بتهديم الدين الذي تتحرك باسمه، فذلك ما يريده النظام الأسدي وحلفاؤه، بل يُفترض بالحوار أن يتوجه إلى ما هي الظروف التي أوجدت داعش، ومن المستفيد من تشكيلته ووجوده، ولماذا يتنقل أفراده سالمين على مساحة الأرض السورية، ومن أين تمويلهم، وهل يستطيع تنظيم متخلف مثله مواجهة قوة التحالف العالمي، ويخرج وهو قادر بعد سنتين من ادعاء محاربته لمتابعة جرائمه؟ وكثير من التساؤلات التي تُثيرها وقائع مماثلة أخرى.

وسواء كانت لأفكاره علاقة ما بالتراث التاريخي الإسلامي أو كانت تحريفًا مقصودًا أو غير مقصود للرسالة الإسلامية، وبصرف النظر عن نظام الفساد والاستبداد المطلق التوحش، واستعداء جمهور الطوائف السورية على بعضها بعضًا، والتي تُمارس يوميًا، فإن التنظيم الداعشي أدى الوظائف التي لم يستطع أي تنظيم آخر تحقيقها. وذلك هو ما يجب أن يهتم السوريون به وما على العالم أن يتنبه له قبل أن يرتكب -لغاية في نفوس العارفين- مجازر وجرائم أشد قذارة وبربرية.

لقد احتل الإيرانيون -صُناع الإرهاب- سوريا، باسم القضاء على الإرهاب الداعشي “التكفيري”، ثم جاء الاحتلال الروسي تحت الحجة ذاتها، ولحقتهم أمريكا ولعبت بالأمر معظم الدول الإقليمية، ودمرت سوريا جيشًا وشعبًا ودولة، وتقاسمها كلٌ وفق مصلحته، وتحولت الأرض السورية إلى مراكز استخبارات لستين دولة -كما يُقال- وأُفشلت الثورة تحت تلك اللافتة، ودخلت المنطقة في صراع ونزاع لا تُرى نهايته، وتحول الإسلام والمسلمون إلى فزاعة العالم… فأي أهداف استطاع داعش تنفيذها؟! وإذا استطاع أقطاب العالم الأقوياء تحقيق مصالحهم كلها في منطقة الشرق الأوسط بسبب داعش فما مبرر القضاء عليه إذًا؟ ولمصلحة من يُحافظ أو لا يُحافظ عليه.

واليوم لا تزال دواعش إدلب تنتظر تنفيذ المهام الموكلة إليها. قد تتغير الأسماء من القاعدة إلى النصرة إلى داعش والمضمون واحد، والأهداف نفسها.

يبدو أن السوريين وحدهم أصحاب المصلحة بالقضاء على داعش، وحتى تتغير ظروفهم ويستطيعوا تحقيق الحرية والكرامة، التي قدموا أغلى ثمن في التاريخ العالمي لها، سيبقى داعش، ويستمر، والجواب الأوضح لتهديد الأسد وحلفائه والتحالف الدولي لتنظيم داعش، أبشر بطول سلامة، طالما مصالحهم تتطلب سلامته، وحالما تستقر تلك المصالح وتتطلب استقرارًا سيتبخر داعش ولن يُرى له أثر ولا يبقى منه سوى حكايا البربرية التي صنعها العالم الحر!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة