ماذا لو كنت مكانهن!

فتاة لم تعش مآسي الحرب.. عانت كوابيسها

tag icon ع ع ع

رهام الأسعد | منال شخاشيرو

“جلد الذات” و”تأنيب الضمير”، أصبحتا مشكلتين في حياة سوزان، التي اعتادت سماع قصص اغتصاب وقتل وتعذيب لفتيات سوريات بالسجون، في أثناء عملها بالدعم النفسي في أحد المراكز الصحية.

تعترف سوزان (20 عامًا) أنها لم تعش مآسي فعلية للحرب في سوريا، وربما هذا ما يزعجها، فلا يوجد أحد من عائلتها قتل أو اعتقل أو عذّب جراء الحرب، ما دفعها إلى وضع نفسها مكان كل فتاة كانت تقابلها وتسمع قصتها، محملة نفسها مسؤولية ليست بيدها، متسائلة “ماذا لو كنت مكانهن”.

تعمل سوزان في مركز للصحة النفسية في لبنان، اضطرت من خلاله إلى الاحتكاك مع سيدات متضررات من الحرب، ذلك المركز الذي تحولت فيه سوزان من استشارية نفسية إلى مريضة بحاجة فعلية للاستشارة، بعد سماعها قصصًا “مروعة” خرقت أذنيها إلى صحتها النفسية بتنبيه من ضميرها، كما تقول لعنب بلدي.

بدأت مشكلة سوزان حين كانت تعود من العمل إلى المنزل محمّلة بشعور “لا يوصف” بالذنب، لتتخيل أنها تعيش تمامًا ما كانت تعيشه السيدة التي سمعت قصتها اليوم، بجميع التفاصيل وحتى بالمؤثرات الصوتية نفسها، تتخيل أنها معتقلة، بدءًا من لحظة المداهمة ومرورًا بالإهانة والتعذيب، وصولًا إلى الاغتصاب في مراكز الاحتجاز، ثم تستفيق من تخيلاتها على صوت بكائها الشديد.

تفاقمت مشكلة سوزان، التي خرجت وعائلتها من سوريا منذ بداية سنوات الحرب، حين بدأت بمشاهدة كوابيس، شبيهة تمامًا بقصص سمعتها ولم تعايشها، تستفيق من الكابوس المزعج لتعاود استكماله حين تغفو عيناها مجددًا، ثم تتكرر الحادثة في كل ليلة.

ولأن سوزان واعية لمشكلات الصحة النفسية، لم تتوانَ عن استشارة أحد الاختصاصيين النفسيين في المركز الذي كانت تعمل فيه، والذي أخبرها أنها تعيش “صدمة ثانوية”، لا تختلف كثيرًا عن صدمة أولئك السيدات اللواتي عشن المعاناة.

تحسنت صحة سوزان تدريجيًا، كونها استوعبت جزئيًا ما يحدث معها، وانخفضت رؤيتها للكوابيس، لكنها لم تستطع تجاوزها كليًا، حيث تراودها بين الحين والآخر.

ولا تزال الفتاة تبحث عن إجابات لأسئلة تفوق استيعابها، حسبما تقول، إذ تلوم نفسها بقولها، “كيف تحمّلت هذه الفتاة الاغتصاب، كيف تحملت رؤية أهلها يقتلون أمام عينيها، كيف استطاعت رؤية المجازر وسماع صريخ المعذبين”، لتجيب نفسها “لو كنت مكانهن لما كنت قد تحمّلت”.

“صدمة ثانوية” سببها الشعور بالذنب

يرى الدكتور عمار بيطار، منسق الصحة النفسية والدعم النفسي في منظمة “إحياء الأمل” العاملة في تركيا، أن الشعور بالذنب يدفع الإنسان إلى وضع نفسه مكان الشخص المعاني، ما يعرضه لصدمات متكررة تؤثر على نفسيته، خاصة إن لم يكن مؤهلًا نفسيًا.

وتعليقًا على حالة سوزان، قال بيطار إنها لم تكن مهيأة بشكل كامل لدخول مجال الاستشارات النفسية، مشيرًا إلى أن العاملين في هذا المجال يحاولون عادة تلقي الدعم والمساعدة قبيل الانخراط في العمل، منعًا لحدوث “الاحتراق الوظيفي” الذي تسببه شدة التعاطف مع الناس.

وتابع، “هناك شيء اسمه معاوضة، ويقصد به درجة التحمل، والتي ترتفع لدى العاملين في مجال الصحة النفسية كلما تلقوا شرحًا وفهمًا وتدريبًا”.

وتندرج حالة سوزان ضمن ما يعرف علميًا بـ “اضطراب ما بعد الصدمة” أو “الصدمة الثانوية”، والتي لا تختلف كثيرًا عن أعراض “الصدمة الأولية”، سوى أن الشخص الأول شاهد وعايش الحدث، بينما الثاني سمع عنه فقط، بحسب ما قال الدكتور عمار بيطار.

وأضاف أن الإصابة بهذه الاضطرابات تترافق مع حزن شديد وخوف وكآبة، إذ يلازم المصابين شعور قوي مرتبط بالصدمة التي عاشوها، ويراودهم هذا الشعور عن طريق الأحلام أو التذكر المستمر للحادثة.

ومن الممكن أن تبدأ تلك الاضطرابات بعد حدوث الصدمة مباشرة، أو بعد مرور عام كامل عليها، إذ لا تقتصر الإصابة على الأشخاص الذين تعرضوا للأزمة بشكل مباشر، بل يمكن أن يصاب بها شخص عاش في بيئة تشهد أحداثًا خطرة، أو رأى شخصًا يتعذب أمامه.

وتشير دراسة أجرتها جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة إلى أن ثلثي اللاجئين السوريين في لبنان يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة.

وأرجعت ذلك إلى الهجرات القسرية والأحداث المؤلمة التي تعرض لها اللاجئون السوريون، ما خلف آثارًا نفسية سلبية، قد تؤدي إلى التطرف والعنف.

وبحسب “منظمة الصحة العالمية” يشمل علاج المرض تقديم الدعم النفسي والإسعافات النفسية الأولية، فيما نصح الدكتور عمار بيطار المصابين بالتواصل الاجتماعي مع الناس وممارسة الهوايات والتعود على فصل العمل عن الحياة الشخصية، كأفضل حل للمشكلة.

أرقام عن المعتقلات

تُطرح قضية تعرض المعتقلات في سجون النظام للاغتصاب في المحافل الدولية بين حين وآخر، وتشغل الرأي العام وتلقى موجة من التنديدات ثم سرعان ما تختفي في دوامة الأزمات السورية المنسية.

ويقدر عدد السوريات المعتقلات في سجون النظام السوري، منذ آذار 2011، بنحو ثمانية آلاف معتقلة، 43 منهن قتلن تحت التعذيب، وفق إحصائيات صادرة عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في 8 من آذار الماضي.

لكن المنظمات الحقوقية السورية تقدر عدد السوريات اللواتي تعرضن للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري بنحو 13500 امرأة، منذ عام 2011 وحتى نهاية 2017.

وتشير الشبكة السورية إلى تعرض الإناث في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري إلى أصناف من الإهانة والشتائم والضرب والتعذيب الوحشي الممنهج، منذ لحظة الاعتقال حتى وصول المعتقلة إلى مركز الاحتجاز.

وتشير الأرقام إلى ارتكاب قوات الأسد والميليشيات الموالية له ما لا يقل عن 7699 حادثة عنف جنسي، بينها قرابة 864 حادثة حصلت داخل مراكز الاحتجاز، وما لا يقل عن 432 حالة عنف جنسي لفتيات دون سن الـ 18 عامًا منذ آذار 2011 حتى آذار 2018، وفق تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

التقرير أشار إلى أن السجانين يلجؤون إلى اغتصاب النساء كوسيلة للتعذيب، وسط عجز المجتمع الدولي عن تحقيق أي إنجاز بهذا الصدد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة