قطاع العقارات في سوريا.. حجر ترميم للاحتياطي النقدي

camera iconأطفال يلعبون في حي برزة بدمشق - 22 نيسان 2017(عدسة شاب دمشقي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حلا إبراهيم

في سعي سوري رسمي لاستجرار أموال لخزينة الدولة من ملفات حيوية، بدأ مصرف سوريا المركزي باتباع خطة جديدة، تتضمن إعادة تسعير العقارات بناء على مؤشرات جديدة، يكون المصرف هو المشرف والرقيب عليها، بينما تعمل وزارة المالية على تعديل قانون البيوع لرفع قيمة الضرائب العقارية.

ظهرت محاولات لحكومة النظام السوري لإنعاش خزينة الدولة، بعدما تراجعت قيمة الليرة السورية في سوق الصرف وجف رصيد المركزي السوري من العملات الأجنبية، ليصل إلى 700 مليون دولار مقابل 20  مليار قبل الأزمة، بحسب بيانات نشرها البنك الدولي في نيسان 2016.

هذه المحاولات كانت واضحة في سلوك مصرف سوريا المركزي، الذي تدخل أكثر من مرة بسعر صرف الليرة، ما دفع المواطنين للإقبال على بيع القطع الأجنبي الذي بحوزتهم للمصارف السورية أو لشركات الصرافة، أو بمحاولات الحكومة الاستفادة من الرسوم المفروضة بالدولار، على غرار رسوم تجديد واستصدار جواز السفر للسوريين المقيمين في الخارج (الرسم القنصلي)، والذي قد يصل إلى 800 دولار للجواز المستعجل.

المركزي يسعّر العقارات

أخيرًا، أعلن المصرف المركزي أنه يعمل على وضع مؤشرات، تسهم في إعادة “تسعير” العقارات على اختلاف أنواعها، وذكرت صحيفة “تشرين” الحكومية، في 19 من تموز الماضي، أن المصرف أصدر تعميمًا لجميع المصارف باعتماد خبراء للتخمين العقاري.

وحدد المصرف آلية عمل هؤلاء الخبراء بوضع استمارة للتقييم العقاري، وصفها بأنها “شاملة”، خاصة أنها راعت المنطقة الإدارية، والمنطقة العقارية للعقار، لتحديد سعره.

يقصد بالمنطقة الإدارية، المنطقة التي يتبع لها العقار إداريًا (النواحي)، وهي التي تخضع لتقسيمات المحافظة أو البلديات وغالبًا ما تكون حديثة الإنشاء، أما المنطقة العقارية فهي المنطقة التي يعود إليها تحديد موقع العقار عندما كان في حالة الأرض الزراعية، (ما قبل البناء) مثل منطقة “بساتين الشاغور”.
ويطلب المركزي من الخبراء العقاريين المعنين لدى المصارف ملء تلك الاستمارات على أساس سعر المتر، والملكية ونوع العقار (سكني أو تجاري)، في إشارة إلى أن الأسعار الواردة في الاستمارات الموجودة في المصارف غير دقيقة.

كما تتضمن استمارات التقييم الحد الأعلى لسعر المتر المربع والحد الأدنى، بالإضافة إلى بعد العقار عن مركز النشاط الحيوي، ونوع الملكية هل هي كاملة أو على الشيوع.

ويعلل الباحث الاقتصادي يونس الكريم، في حديث إلى عنب بلدي، لجوء المركزي إلى هذه الخطوة بالقول، “كون البلاد خارجة من الحرب فإن حركة النشاط الاقتصادي سوف تنحصر بالإجمال في قطاع العقارات، وبالتالي يحاول النظام أن يستفيد ويستغل هذه الفرصة، لزيادة موارده المالية”.

هل يعتبر تدخل المركزي قانونيًا؟

يقول الكريم، إن “المتعارف عليه قانونًا أن المصرف المركزي يهتم بالسياسات النقدية، وبالتالي مهامه تنحصر بالسيولة وسعر الصرف والإدارات النقدية، أما الإدارات المالية فهي من اختصاص وزارة المالية”.

ويرى الباحث أن تدخل المركزي في “تسعير” العقارات خاطئ، لأن تحديد أسعار العقارات ليس من مهامه، ولكنه في نفس الوقت يعتبر أن هذا التصرف يهدف إلى الاستفادة من الضرائب التي ستترتب على هذه العقارات في حال بيعها، أو إجراء أي تصرف على ملكيتها، إذ يزيد ذلك من الكتلة النقدية للمركزي، ويعيد ترميم الاحتياطيات النقدية لديه.

بالإضافة إلى كون المركزي بمختلف أجهزته المصرفية والمالية والتأمينية، لديه كثير من الرهونات العقارية، وبالتالي فإن إعادة تخمين العقارات باتجاه إعادة تسعيرها يمهد لرفع هذه الأسعار، وترميم جزء كبير من الخسائر المالية التي مني بها النظام خلال السنوات السبع الماضية.

تخمينات جديدة.. ما مصير القيد المالي

يحدد “القيد المالي” هوية العقار لدى الدوائر المالية، ولطالما اعتمد هذا القيد في معاملات البيع والشراء، وذلك لتحديد الضرائب والرسوم الواجب استيفاؤها.

ولكل عقار قيد مالي لدى مديرية المالية التابع لها، تحدد فيه قيمته المخمنة من قبل خبراء عقاريين، بالإضافة إلى نوعه العقاري.

وهذه القيود مضى عليها سنوات، إذ تعود تلك التقديرات لتاريخ إحداث صحيفة العقار في مديرية المالية، أي تاريخ بناء تلك العقارات.

وكان وزير المالية مأمون حمدان، صرح عن مشروع مقترح لقانون ضريبة البيوع العقارية، يعتمد على تقدير الضريبة بحسب “القيمة الرائجة” للعقار (سعر سوق العقارات)، وليس بحسب التقييم المالي المسجل لدى مديرية المالية (القيد المالي)، بحسب ما نقلته عنه صحيفة ”الوطن“ المحلية، في 24 من حزيران 2018.

وبحسب القانون الجديد تخفض نسبة الضريبة من 25% من قيمة العقارات السكنية المقيّمة عام 1985 وما بعده في مديرية المالية، ومن 15% من قيمة العقارات المقيّمة عام 1986 وما بعده، لتصبح 1% من قيمة العقار الرائجة.

ورغم أن هذا القانون يعني الالتفاف على الضرائب القليلة على القيود المالية القديمة التي لا تزال مقيّمة بالأسعار الرائجة عند تقييمها، وبالتالي الحصول على ضريبة أعلى ورفع أسعار العقار تلقائيًا، إلا أن الوزير حمدان قال إن هذا المشروع لن يؤدي إلى رفع أسعار العقارات.

شركات ضخمة قد تستفيد

يرى الكريم في مشروع قانون البيوع العقارية، الذي تحدث عنه حمدان والمطروح حاليًا أمام مجلس الشعب لإقراره أنه يحوي ثغرة مهمة، وهي استثناء الشركات العقارية الضخمة مثل “الشام القابضة” و”سوريا القابضة“ من القانون، فقد ورد في نص المشروع “لا تطبق أحكام هذا القانون على الجهات العامة ذات الطابع العقاري وعلى مشاريع التطوير العقاري المرخص، وفق أحكام القانون رقم 15 لعام 2008“.

والهدف من هذا الاستثناء هو دفع هذه الشركات نحو أرباح جديدة وضخمة، بحسب الباحث الاقتصادي، من خلال رفع ضرائب العقارات المملوكة لمواطنين عاديين وغير العائدة لهذه الشركات، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها وبالتالي ضعف الإقبال على شرائها.

بينما سيؤدي عدم تكليف هذه الشركات بدفع ضرائب عن العقارات المملوكة من قبلها في حال بيعها، إلى انخفاض سعرها عن سعر السوق، ما سيدفع الناس للإقبال عليها وشرائها، بالإضافة إلى تأمين “مطرح” لهذه الشركات للتهرب الضريبي، فينحصر اعتماد النظام على المواطنين العاديين لاستيفاء ضرائب مرتفعة.

وتندرج السياسات الاقتصادية والمالية المتبعة في حكومة النظام السوري تحت ما تسميه “خطة إعادة الإعمار”، التي قدرت الأمم المتحدة كلفتها بنحو400  مليار دولار، بينما تحدث رئيس النظام السوري، بشار الأسد، منتصف نيسان الماضي، أن هذه العملية “تتطلب وقتًا من عشرة إلى 15 عامًا”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة