مدارس ومكدوس وعيد.. دمشق تختار الأكثر ضرورة

camera iconتحضرات عيد الاضحى في أسواق الميدان بدمشق - 16 من آب 2018 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حلا إبراهيم

“البيت بحاجة للمونة وخاصة المكدوس”، تقول “أم محمد”، وهي ربة منزل تعيش في دمشق، بينما ترى جارتها “أم فراس”، وهي أم لأربعة أطفال، أن مستلزمات المدرسة أهم، وخاصة الملابس والقرطاسية.

مع اقتراب نهاية فصل الصيف يجد المواطن السوري نفسه داخل دائرة الضروريات والمفاضلة بينها، لعدم قدرته على تلبيتها جميعًا، خاصة أصحاب الدخل المحدود، أو الذين يعتمدون في معيشتهم على حوالات من أقاربهم، تجعلهم يقرّعون أنفسهم إن هم أنفقوها على أشياء يرون أنها غير ضرورية.

وهذا كان حال “أم محمد”، التي اجتمعت هذه الضرورات أمامها في وقت واحد، إذ يصادف موعد افتتاح المدراس التحضير لمؤونة الشتاء، من ملوخية، وبامية، ومربيات، وأهمها “المكدوس” وهو هاجس كثير من السوريين، لأنهم اعتادوا وجوده على مائدتهم في الخريف والشتاء.

“راتب زوجي لا يتجاوز 100 ألف ليرة سورية (200 دولار)، وفي كل عام يأتي موسم المؤونة وخاصة المكدوس، مع موسم العودة إلى المدارس، لكن هذا العام والعام الذي سبقه اجتمعت هاتان المناسبتان مع العيد”، لتكتمل عناصر معاناة العائلة، وغيرها من العائلات التي لديها أطفال في مرحلة الدراسة.

فضلت “أم محمد” إنفاق ما استطاعت أن تنقذه مما تبقى من راتب زوجها، مع الحوالة التي أرسلها لها أخوها منذ أشهر، لتحضير مؤونة “المكدوس” وأن تضحي بضيافة العيد، الذي تعتبره أقل أهمية من بقية مستلزمات المنزل، حسب تعبيرها.

أما “أم فراس”، التي يعمل زوجها موظفًا في إحدى الدوائر الرسمية، فتقول “لدي أربعة أطفال وجميعهم في المدرسة، أحاول أن أوفر من مصروف المنزل منذ إغلاق المدارس حتى افتتاح السنة الدراسية الجديدة، لكي أشتري لأولادي ما يلزمهم من ملابس وقرطاسية، خاصة أن معلمات هذه الأيام طلباتهن كثيرة، لذلك أرى نفسي أمام خيارين إما أن أحضر مستلزمات المدارس، أو أحضر ضيافة العيد، فترجح كفة المدارس”.

ارتفع سعر اللوازم المدرسية خلال السنوات السبع الأخيرة إلى عشرة أضعاف، فقلم الحبر الناشف كان سعره خمس ليرات والآن أصبح 50 ليرة، بينما الدفتر ارتفع سعره من 15 ليرة إلى 150.

ولم يعد الأطفال يقبلون ارتداء ملابس إخوتهم الأكبر سنًا، وهذا يشمل أيضًا الحقيبة المدرسية، على ما تقوله “أم فراس”، التي تضيف “أمضينا دراستنا أنا وإخوتي والكبير يورث الأصغر سنًا لباسه وحقيبته، لكن هذا الأمر أصبح غير مقبول لهذا الجيل، فابني في الصف الثالث الابتدائي يرفض أن أختار ملابسه وحقيبته، فارضًا أن يختارهما بنفسه، وخاصة الحقيبة التي تحمل صور الأبطال الخارقين، والتي لا يقل سعرها عن 1500 ليرة”.

وارتفعت أسعار الملابس المدرسية في سوريا، بين عامي 2011 و2014، بنسبة تراوحت بين 200 إلى 300% مع بداية استعداد الطلاب للدخول إلى المدارس وشراء حاجياتهم.

وتدرجت أسعار الحقائب المدرسية في أسواق البيع والشراء من 1500 ليرة إلى 5000 ليرة، في حين تجاوز سعر اللباس المدرسي (المريول) لطلاب المرحلة الابتدائية 1500 ليرة.

وبالنسبة لأسعار البدلات المدرسية لطلاب التعليم الأساسي من صف السادس حتى التاسع، وصلت أسعارها إلى 4500 ليرة، كما ارتفعت أسعار القرطاسية ووصل سعر علبة أقلام التلوين مثلًا إلى 550 ليرة.

وأرجع التجار هذا الغلاء إلى تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي بنسبة عشرة أضعاف، إذ انخفضت قيمة الليرة من 50 إلى 440 للدولار الواحد.

أسواق العيد شبه خالية

“هذا العيد الأسواق حركتها طبيعية”، قد يبدو هذا الجواب مطمئنًا، لكن عندما يقصد به أن أسواقًا مثل “الحميدية” و”الجزماتية” تمر عليها تحضيرات العيد كما تمر عليها بقية الأيام، فهذا يعني أنه ثمة مشكلة.

يقول عبد الغني، وهو صاحب محل لبيع الحلويات في السوق الأشهر بدمشق “الجزماتية”، الذي يقع في حي الميدان العريق، “إقبال الناس في هذا العيد ليس كالعيد الذي سبقه (عيد الفطر)، فحركة الشراء في أسواق مثل الصالحية، الحميدية، والجزماتية، طبيعية وتشبه الأيام العادية، ويعود ذلك لأسباب عدة، أولها أن الفارق الزمني بين العيدين بسيط، فهناك عائلات لا تزال محتفظة ببعض حلويات من العيد الماضي، والسبب الثاني أن العيدين جاءا في فصل الصيف، والناس تفضل الفواكه والمثلجات على الحلويات، وهذا ينطبق على الملابس أيضًا، فمن يشتري ملابس في عيد الفطر لا يشتري في عيد الأضحى، لأن هناك ضرورات أخرى”.

وبحسب ما رصدته عنب بلدي في دمشق فإن أسعار الحلويات في العيد مرتفعة، إذ وصل سعر كيلو معمول العجوة (وهو أرخص أنواع الحلويات) إلى 3600 ليرة (ما يعادل تسعة دولارات)، بينما البقلاوة أربعة آلاف ليرة (ما يعادل عشرة دولارات)، في حين لا يتجاوز الراتب الشهري للموظف الحكومي 50 ألف ليرة سورية (ما يعادل 100 دولار تقريبًا).

ويرجع سبب إحجام السيدات عن صنع الحلويات في المنازل، برأي عبد الغني، إلى مصادفة موسم العيد مع موسم المدارس، والتحضير للمؤونة، وخصوصًا المكدوس، فالكيلو غرام الواحد من الجوز الذي يعد المكون الأساسي للمكدوس يبلغ سعره ثمانية آلاف ليرة (20 دولارًا تقريبًا)، وكيلو الباذنجان 90 ليرة، بينما كيلو الفليفلة الحمراء 160 ليرة، بالإضافة إلى زيت الزيتون الذي ارتفع سعر عبوته من 2500 ليرة إلى أكثر من 25 ألف ليرة، وكل حبة مكدوس كلفتها التقريبية 200 ليرة (تعادل 0.5 دولار).

 حوالات خارجية مشروطة

معظم العائلات في سوريا تعتمد في مصروفها الشهري على الحوالات الخارجية التي يرسلها الأبناء والأقارب سواء من أوروبا، أو دول الخليج، إذ يتوزع أكثر من نصف عدد السوريين على القارات الخمس، ومعظمهم يعمل ويحول مبلغًا إلى أهله مستفيدًا من فرق سعر الصرف.

وسجلت الحوالات رقمًا قياسيا في عام 2016 عند 1076.2 مليار ليرة سورية (بوسطي 2.95 مليار ليرة يوميًا)، مقارنة بنحو 59 مليار ليرة في عام 2011 (بوسطي 162 مليون ليرة يوميًا)، بحسب بيانات للمكتب المركزي للإحصاء نشرها في تموز الماضي.

وبتحويل مبالغ التحويلات إلى الدولار الأمريكي، بلغ الصافي في عام 2016 نحو 2.37 مليار دولار أمريكي (على أساس وسطي سعر الصرف الرسمي بنحو 455 ليرة للدولار)، بوسطي يومي نحو 6.5 ملايين دولار أمريكي.

في عام 2011، بلغ صافي التحويلات 1.22 مليار دولار أمريكي، بوسطي يومي نحو 3.3 ملايين دولار أمريكي، أي أن الزيادة تصل إلى الضعف عن عام 2011.

وأشارت الإحصائيات إلى أن هذه النسبة ليست دقيقة، وأن الرقم الحقيقي يفوق ذلك، نظرًا لوجود مكاتب وشركات صيرفة وتحويل أموال غير مرخصة لم تدخل في الإحصائيات الرسمية.

لكن معظم الحوالات التي ترسل في فترة ما قبل عيد الأضحى يكون هدفها محددًا سلفًا، فيشترط مرسلها أن تنفق لذبح أضحية.

يقول “أبو رامي”، وهو صاحب محل بقالة صغير، “مطلع كل شهر يرسل لي أخي الذي يقيم في الخليج مبلغًا من المال لأتدبر به أموري، خاصة أني أسكن منزلًا بالإيجار، بعد أن دمر منزلي في القصف على ريف دمشق، لكن الحوالة التي استلمتها مؤخرًا طلب مني أخي أن أنفقها ثمن أضحية لروح والدنا المتوفى، ورغم حاجتي للمبلغ إلا أن هذه أمانة، سعر الأضحية حوالي 125 ألف ليرة سورية (ما يعادل 284 دولارًا) والمبلغ الذي أرسله لي أخي 300 دولار”.

ويبقى السوريون الذي بقوا في سوريا في دوامة الأفضل والأكثر ضرورة، بعد أن أصبح الفرح بالعيد ضربًا من ضروب الكماليات، إذ خلص تقرير أعدته كل من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (الأسكوا) وجامعة “سانت اندروز”، في عام 2017 الى أن عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر تضاعف ثلاث مرات تقريبًا منذ اندلاع الحرب.

وخلص التقرير إلى أن نحو 83.4% من السوريين يعيشون الآن تحت خط الفقر، مقارنة بـ 28% في عام 2010، وأن حوالي 13.5 مليون نسمة من سكان سوريا باتوا بحاجة إلى معونات إنسانية بحلول نهاية عام 2015، أكثر من أربعة ملايين منهم في محافظتي دمشق وحلب.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة