عن زيارة وزير الدفاع الإيراني لسوريا

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

من دون مقدمات ولا إعلان عن الزيارة، وصل وزير الدفاع الإيراني إلى دمشق، يوم الأحد 26 من آب 2018، وأتت هذه الزيارة بعد الضربات الإسرائيلية المتلاحقة على المواقع الإيرانية في سوريا، حيث صارت تقوّض جهود إيران التي بنتها مع النظام طوال سنوات، وعلى حساب الشعب السوري الذي تكبد مئات ألوف الشهداء وملايين المهجرين بسبب هذا الحلف.

المفارقة أن وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي جاء يبشر مؤيدي النظام بإعادة إعمار سوريا، في نفس الوقت الذي فقدت فيه العملة الإيرانية ثلثي قيمتها في السوق، وتعاني المدن الإيرانية من انقطاع الماء والكهرباء، ومن الاضطرابات الداخلية ضد الفساد، إذ إن خمسة آلاف من أبناء المسؤولين الإيرانيين يعيشون في أوروبا وأمريكا “الشيطان الأكبر”، ولديهم أكثر من 150 مليار دولار في حساباتهم الأجنبية، وهذا ما صرح به الرئيس السابق، أحمدي نجاد، وهو يحاول خلافة الخامنئي كمرشد للملالي.

ناهيك عن الحصار الدولي الخانق الذي يسوق إيران إلى معادلة “النفط مقابل الغذاء”، تلك المعادلة الغربية التي دمرت العراق وجعلته جثة ترتع فيها داعش والميليشيات الإيرانية التي تجعر بالشعارات والثارات التاريخية، وتحول العراق من دولة استبداد مخابراتي إلى دولة استبداد ديني ومذهبي، وهذا ما جعل إيران دولة إقليمية مؤثرة ولكن باتجاه الخراب، فقد فاقت ايران دولتي البعث في سوريا وفي العراق بنشر الشعارات الطنانة وهي تنشر الموت والحروب في أرجاء الشرق الأوسط.

إيران اليوم تكاد تصل إلى معادلة “النفط مقابل الغذاء” تحت ضغط الأمريكيين الذين تعاونوا معها على تدمير العراق، وهي تحاول اليوم أن تغطي على هزائمها المتلاحقة في سوريا بسبب إصرار المجتمع الدولي على إخراجها من سوريا، ناهيك عن كسب كراهية الشعب السوري لها بجناحيه المعارض والمؤيد، فقائد القوات الإيرانية في سوريا حسين همداني، الذي قتل في 8 من تشرين الأول عام 2015، قال في محاضرة في طهران ومنذ سنوات، إن السوريين جميعًا يكرهوننا المؤيدين قبل المعارضين، ولكننا جعلنا بشار الأسد يطيعنا مثل تلميذ صغير، وسرعان ما تم اغتيال همداني بعد أشهر من تلك المحاضرة في معركة وهمية في سوريا، وربما من قبل صقور الخامنئي المتحمسين لاستمرار القتل والتعذيب والتهجير في سوريا.

يستنسر وزير الدفاع الايراني في بلادنا، ويبدو في الإعلام الأسدي وكأنه قائد عسكري لجيش إقليمي محترم يزور جيشًا لدولة محترمة لا تمارس القتل والتدمير ضد شعبها، وإنما هو في الواقع مجرد مشرف على ميليشيات طائفية وهمجية، تقوض استقرار المنطقة وتعايشها عبر مئات السنين، فهذا التخريب لن تكون طهران نفسها بمنجاة منه، مهما تسلحت بالأسد، وبمخابرات الأسد، وبانتصارات الأسد في رمال حرب متحركة تلتهم منتصريها قبل مهزوميها.

في عام 1951، قامت ثورة “مصدق” في إيران ضد النظام الملكي الاستبدادي، وتآمر الإنكليز ضدها بعد تأميمه للبترول، وأعادوا نظام حكم الشاه، ومنها قامت المظلومية السياسية الإيرانية، وتأسست بذور مقولة الشيطان الأكبر الأمريكي والغربي التي استثمرتها الخمينية اعتبارًا من عام 1979، تاريخ إزاحتها للنظام الملكي واستيلاء الملالي على الدولة الإيرانية، وها هي الخمينية تقوم بنفس الدور ضد السوريين، فقد قامت الثورة السورية في آذار 2011 من أجل الحرية والكرامة، ولكن الخمينية الإيرانية دعمت نظام الاستبداد، وأعادت تثبيته ضد إرادة الشعب السوري وبمعونة روسية. الإيرانيون لم ينسوا حتى اليوم وبعد أكثر من نصف قرن ثورتهم الموؤودة على يد الإنكليز والأمريكيين، فكيف ينسى السوريون الدور الإيراني في تثبيت نظام الاستبداد الأسدي ودورهم في تدمير سوريا، وكيف لا يكون مشهد الوزير الإيراني بنظر السوريين لا يختلف أبدًا عن مشهد أمير داعشي وهو يزور موقعًا لسجن أو ساحة للإعدام، فهؤلاء جميعًا يتشاركون بالاستهانة بالشعب السوري وكَيل التهم له كخونة وككفار وكأعداء!

أسهمت إيران بفكرها التكفيري، والتخويني، وبصواريخها، وبميلشياتها بقلب حياة الشرق الأوسط، وحولت النقاش فيه من مطالب الحرية، والتحديث، والعدالة إلى نقاش الأحقاد التاريخية، والمذهبية التي تذيب قدرات الشعوب، وتستهلكها بتنمية الأوهام، وليس في البناء، والابتكار، والوقوف جنبًا إلى جنب مع الأمم المتحضرة ذات الحكم الرشيد.

أضاعت إيران وقتها وما تبقى من هيبتها، ودفعت المليارات وهي تغذي حرب الأسد ضد الشعب السوري، ويأتي وزير دفاعها مستنسرًا في أرضنا بعد كل هذه الجرائم الكبيرة التي ارتكبتها ميليشياته وأنصاره ضد السوريين. ولعل النظام والروس استدعوا الوزير الإيراني للإسهام في جريمة جديدة مسرحها إدلب وريفها، ووقودها حوالي ثلاثة ملايين مواطن سوري بحجة محاربة الإرهاب، لذلك لا نجد في وصف هذه الزيارة إلا الوصف الذي يستعمله الخامنئي دائمًا، وهو أن هذه الزيارة “وقحة”!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة