ضباط المخابرات العسكرية تظاهروا بأنهم من جبهة النصرة

المعتقلة السورية التي أنقذت حياة صحفي ألماني

tag icon ع ع ع

منصور العمري

“سمعت عن مذبحة التريمسة في حزيران 2012، وسمعت قصصًا متناقضة عنها، فأردت أن أذهب إلى سوريا لأتحقق منها بنفسي”، قال لي بيلي سيكس ذلك وهو يشرح لماذا فكر بالذهاب إلى سوريا. كان بيلي مراسلًا حربيًا لصحيفة جونج فريهيت الألمانية في مصر عام 2011، وفي وقت لاحق غطى الصراعات في ليبيا وسوريا ولبنان وأوكرانيا.

في عام 2012، رفضت الحكومة السورية دخول بيلي، فعبر الحدود التركية إلى مناطق المعارضة، وفي وقت لاحق توجه إلى التريمسة مع مترجم، ليوقف سيارتهم جنود من الجيش السوري، قال بيلي: “على الطريق ظهر جنود نظاميون فجأة، وأوقفوا سيارتنا. كانوا في خنادق على جانبي الطريق”، في كانون الأول 2012.

أخذ الجنود بيلي ومترجمه أولًا إلى قاعدة محردة العسكرية قرب حماة، ثم نُقل إلى سجن عسكري في حماة، والذي كان يديره أيضًا الجيش النظامي السوري، قال بيلي:

“كانت الزنزانة باردة جدًا، قذرة، شعرت أنني في كهف شتوي. لم يضربوني في هذا المكان، رغم أنهم هددوا بتعذيبي، إلا أنني اعتدت سماع المعتقلين الذين كانوا يعذبونهم. سمعت الناس يبكون ويتوسلون: يا سيدي، يا سيدي. استطعت أن أرى من خلال باب زنزانتي بعضًا من هذا التعذيب في الممر. يضعون الناس داخل الإطارات ويضربونهم ويتركونهم في الإطارات لفترات طويلة”، وأضاف أنه رأى الدماء تغطي الأروقة وأنه تعرض للتهديد بالتعذيب.

 

التعذيب بالدولاب، ©هيومن رايتس ووتش أقبية التعذيب: الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري في مراكز الاعتقال السورية منذ آذار 2011

نُقل بيلي بعد ذلك إلى فرع فلسطين، حيث أراد ضباط المخابرات العسكرية خداع بيلي بأنهم خاطفون من جبهة النصرة: “قاموا بتقييدي.. وقالوا لي: “نحن جبهة النصرة”. قضى بيلي فترة احتجازه، دون إبلاغه بمكانه: “لم يخبروني أبدًا من هم، حتى وجدت نفسي في يوم من الأيام واقفًا بجوار السفير الروسي في سوريا ونائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في مؤتمر صحفي لإطلاق سراحي.

 لكن ما القصة وراء إطلاق الصحفي الألماني؟

تواصل الحكومة السورية إنكار أي تورط في اختطاف وإخفاء كثير من الصحفيين بمن فيهم الصحفي الأمريكي أوستن تايس، وتتظاهر بجهلها حول مكان وجودهم، وهذا ما حدث مع بيلي.

كان بيلي خائفًا في أثناء احتجازه لأنه يعلم أن الحكومة السورية تعتقل الناس لسنين طويلة. أراد إيجاد طريقة لإخبار أي شخص بأنه معتقل في هذا المكان. خدش بيلي الجدار باستخدام شريط معدني: “أنا بيلي سيكس، صحفي ألماني، تم احتجازي في مكان ما في حماة، وأنا معتقل هنا”.

عندما عاد بيلي إلى وطنه، أخبرته السلطات الألمانية أن شخصًا زود السلطات الألمانية بمعلومات عنه.

هذا الشخص كان المعتقلة السابقة ختام بنيان، التي كان عمرها 20 عامًا حين اعتقلت في 11 من كانون الأول 2012، من مظاهرة ضد نظام الأسد في وسط دمشق. قالت ختام: “استمروا في استجوابي لمدة 12 ساعة، من السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا. خلال الاستجواب، قادني الضابط عدة مرات إلى ممر ليُظهر لي الرجال يتعرضون للتعذيب ويعيدني للاستمرار في استجوابي”.

أمضت ختام شهرين في فرع فلسطين، ورأت رجلًا لا يبدو سوريًا بل أجنبيًا، قالت ختام: “طوال فترة احتجازي، رأيت مرتين رجلًا غريبًا يتكلم لغة أجنبية”. المرة الأولى التي رأته فيها ختام كانت عندما كانوا يأخذونه في الممر، “بدا متعبًا ومتسخًا، وأجنبيًا”. المرة الثانية عندما كانت ذاهبة إلى الحمّام وكانوا يأخذونه إلى التحقيق.

في أثناء وجوده في المعتقل، طلب أحد السجانين من المعتقلة السابقة والناشطة الحقوقية هند المجلي، أن تترجم له ما الذي يقوله بيلي، كان بيلي يطلب صابونة، فقال لها السجان: “خليه ياكل خرا”.

بعد بضعة أيام، نُقل بيلي من الزنزانة المجاورة، وأُحضرت معتقلة أخرى إلى هذه الزنزانة. أمضت الفتاة الجديدة يومين، ثم نُقلت إلى الزنزانة الجماعية مع معتقلات أخريات، ومن بينهن ختام. أخبرت الفتاة الجديدة زميلاتها في الزنزانة أنها رأت خدوشًا على الحائط تقول إن بيلي كان محتجزًا هناك.

قالت ختام: “بعد إطلاق سراحي، غادرت سوريا، وتمكنت من إرسال أخبار بيلي إلى وزارة الخارجية الألمانية، ثم اتصلت بي السفارة في السعودية وأرسلت موظفًا لمقابلتي”.

وصفت ختام بيلي للموظف وقدمت كل المعلومات التي لديها، وأخبرها بدوره أنهم يعلمون أن بيلي مفقود في سوريا، لكن لم يكن لديهم أي فكرة بأنه قد تم اعتقاله من قبل الحكومة السورية، “بعد أسابيع، تلقيت رسالة من السفارة تشكرني، وتخبرني أن عدة منظمات اتصلت بالسلطات السورية، وأطلق سراح بيلي”.

ختام بنيان، معتقلة سابقة، كشفت عن مكان وجود بيلي سيكس للسلطات الألمانية

تحدث بيلي سيكس لاحقًا إلى عائلة أوستن تايس الصحفي الأمريكي الذي تم اختطافه في سوريا في 12 من آب 2012، وظهر فيما بعد في مقطع فيديو معصوب العينين ويدفعه رجال مجهولون وهم يصرخون “الله أكبر”. كان الفيديو نفسه مهزلة بالنسبة لعديد من السوريين الذين يعرفون تكتيكات المخابرات السورية، وهم على دراية كبيرة بالعادات واللهجات الخاصة ببلدهم. كانت الثياب ولهجة أولئك الذين يصرخون “الله أكبر” كافية لتوضح أن الفيديو مفبرك من قبل المخابرات السورية، التي لديها تاريخ طويل في فبركة مقاطع الفيديو.

قال بيلي لأسرة أوستن إنه رأى سيارات في ساحة مكان احتجازه، تشبه تلك التي ظهرت في الفيديو، “رأيت شريط فيديو أوستن، شعرت بنفس الطريقة عندما كنت في الاحتجاز مع ضباط مخابرات يتظاهرون بأنهم جبهة النصرة”.

الصحفي الأمريكي، أوستن تايس © مراسلون بلا حدود

حظرت الحكومة السورية وسائل الإعلام الأجنبية من دخول البلاد منذ عام 2011، ولاحقت جميع الصحفيين ومقدمي الأخبار الذين حاولوا تزويد العالم بالحقائق والقصص الحقيقية. تحتل سوريا المرتبة 177 من بين 180 دولة في مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود للحرية العالمية لحرية الصحافة لعام 2018.

أنهى بيلي حديثه لي بهذه الجملة: “تجربتي في الاعتقال بسوريا، علمتني أن أجد هدفًا في الحياة، وطريقًا لصنع شيء جيد من التجربة السيئة. استعدت حريتي وما زلت على قيد الحياة”.

الصحفي الألماني بيلي سيكس

 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة