الدعاوى الجنائية.. سلاح النظام السوري للانتقام ممن “صالحوه”

camera iconفرع الأمن الجنائي في العاصمة السورية دمشق (وزارة الداخلية السورية موقع)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد حمص

لم يكن خيار سامر، أحد أبناء بلدة الرستن في ريف حمص الشمالي، بالبقاء في منطقته صائبًا كليًا، فبعد أن قرر العودة إلى مهنته السابقة في صيانة وتصليح السيارات، رفعت دعوى عليه بتهمة السرقة، ودخل متاهة المحاكم وإثبات ملكيته لمعداته الخاصة.

يقول سامر (38 عامًا) إنه قضى أعوامًا، قبل انطلاق الثورة السورية، في جمع الأموال لشراء المعدات الخاصة به وفتح محله الخاص، ولكن الأمر لم يسر كما خطط له، فانطلاق الثورة وتطور الأحداث في المنطقة دفعه إلى إغلاق ورشته والالتفات إلى أعمال أخرى ليعمل كسائق لسيارة إسعاف.

وعقب توقيع فصائل المعارضة في المنطقة اتفاق التسوية مع قوات الأسد، في أيار الماضي، بقي سامر مع الراغبين بالبقاء في بلدته، لكن أحد معارفه رفع دعوى عليه في القضاء، مدعيًا أن المعدات التي في ورشة الصيانة التي يملكها سامر ليست له، وإنما تعود ملكيتها لـ “الدفاع المدني” بريف حمص، وفق ما ذكر سامر لعنب بلدي، والذي رفض الكشف عن اسمه كاملًا لدواع أمنية، معتبرًا أن الدعوى “كيدية بسبب خلاف شخصي ولا تمت للواقع بصلة”.

الدعوى ليست الأولى من نوعها وليست الأخيرة، إذ رفعت عشرات الدعاوى المشابهة في المناطق التي وقعت فيها اتفاقيات تسوية مع قوات الأسد، إلى جانب دعاوى أخرى تشمل “التعفيش والاستيلاء على المنازل والقتل والجنايات”، وباتت المحاكم في حمص تشتغل في حل القضايا والخلافات التي نشبت في مناطق التسويات.

معظم الدعاوى رفعها أهالي المنطقة الذين غادروها إبان سيطرة المعارضة عليها، وعادوا بعد سيطرة قوات الأسد.

ولم يختلف الوضع في درعا كثيرًا على الرغم من عدم افتتاح الكثير من المحاكم الرسمية في المنطقة، إذ رفض عدد من أهالي بلدة جباب في درعا عودة الكثير من مقاتلي المعارضة الذين خضعوا لاتفاقات التسوية إلى البلدة، بحجة أن هناك تصفية حسابات بسبب مقتل الكثير من أهالي البلدة المجندين في صفوف قوات الأسد والميليشيات المحلية الموالية لها.

تحريض من النظام السوري

بعد سيطرة النظام السوري على محافظتي درعا والقنيطرة جنوبي سوريا، بدأ محسوبون عليه في المنطقة بتحريض الأهالي على رفع دعاوى جنائية على المعارضين ومقاتلي المعارضة السابقين الذين وقعوا اتفاقات تسوية.

وعلى الرغم من تعهدات روسيا والنظام بعدم التعرض لهم مقابل تسليم السلاح، يستخدم النظام المدنيين سلاحًا في رفع دعاوى جنائية ومدنية في المحاكم لإخضاعهم، وفق شهادات عدة جمعتها عنب بلدي، وتشمل تلك الدعاوى جرائم قتل وسرقة ممتلكات وغيرها.

وقد تكون هذه الدعاوى غير حقيقية تندرج تحت الدعاوى الكيدية بسبب خلافات شخصية، أو قد تكون حقيقية.

ولم تحدث التبليغات القضائية في الكثير من المناطق بسبب غياب محاكمها، مع ترجيحات بازدياد الشكاوى الجنائية والمدنية مع عودة المحاكم بشكل كامل.

الشكاوى ازدادت 15 ضعفًا في درعا

المحامي العام في درعا، سعود المحمد، قال إن عدد الشكاوى ازداد أكثر من 15 ضعفًا عما كان عليه سابقًا، ومعظمها متعلقة بجرائم قتل بحق أشخاص نتيجة “غياب المحاكم السورية وأجهزة الشرطة عن المناطق الساخنة”، وفق ما نقلت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، في 13 من آب الماضي.

وذكر المحمد أنه قريبًا سيتم افتتاح المحاكم في كامل محافظة درعا جنوبي سوريا، وأنه سيتم افتتاح مجمع قضائي في مدينة نوى.

وأضح المحامي العام، وفق ما نقلت الصحيفة، أن أقرباء “المقتول يتقدمون بشكوى للنيابة العامة بحق مرتكبي الجرائم وبدورها النيابة تحرك الدعوى بحقهم”، مضيفًا “هذا الشيء الطبيعي بأن القاتل يجب ألا ينجو من العقاب”.

وتنص اتفاقية المصالحة التي وقع عليها الراغبون بالبقاء في المنطقة على ضمان عدم تعرض صاحبها للملاحقة الأمنية، والتي تم بموجبها إسقاط الحق العام عن جميع القياديين وعناصر المعارضة الموقعين، غير أن الورقة تتضمن موافقة كل من وقع على “التسوية” على الخضوع للمحاكم عند أي نزاع.

عملية انتقامية أم تحصيل للحقوق

ويرى القاضي في “مجلس القضاة السوري الحر المستقل”، إبراهيم حسين، أن النظام لا ينسى من وقف في وجهه وجاهر بالحق، حتى لو كانت الأوضاع والظروف دعته لإبداء نوع من المرونة في بعض المناطق التي جرت بها المصالحات، وأكد أن النظام سينتظر اللحظة المناسبة لينتقم ممن أغراهم بالصلح.

ولا يجد حسين أن تصرف النظام السوري “غريب”، فهو “سيجد ألف وسيلة ليعاقبهم (المعارضة وقادات الفصائل)، ولا يوجد أسهل من الاستناد إلى سلاح القانون والمحاكم”.

وفي حديثه لعنب بلدي، قال حسين، “لا أعتقد أن الهدف من فتح الملفات القضائية يندرج في إرضاء الموالين له، بل الهدف هو ممارسة ما اعتاد عليه من خلال تطويع القوانين والمحاكم للانتقام من المخالفين له”.

وعند السؤال عن سبب تأخر النظام بالقيام بهذه الخطوة، أجاب أن “النظام كان يسعى لفرض سيطرته على مناطق كثيرة عبر اتفاقيات المصالحة”.

ويرى القاضي لو أن النظام طبق السياسة العقابية عبر المحاكم مبكرًا لعرقل ذلك إجراء المصالحات في مناطق أخرى، لأن المواطنين كانوا سيرون حينها كيف يلتف على ما يدعيه من عفو وتسامح، وكانوا سيتشددون أكثر في رفض المهادنات.

ولا تتوفر في سوريا أجواء محاكمات سليمة، بحسب حسين، وخاصة في ظل استمرار سيطرة النظام على السلطة القضائية ومصادرته لاستقلاليتها.

وختم القاضي حديثه بالقول، “لمعرفتنا الدقيقة بالآليات التي يلجأ إليها النظام من خلال استخدام النصوص القانونية لمعاقبة معارضين، فإنه لن يتوانى عن إلصاق أشنع التهم بهم وتشويه صورتهم”.

دعوات وتهديدات وفتح ملفات جنائية

تعرض القيادي في “الجيش الحر” أدهم الكراد، الذي وقع اتفاق تسوية مع النظام السوري في درعا، إلى تهديد بالمقاضاة الجنائية، وفق رسالة تهديد وردته نشرها عبر صفحته على “فيس بوك”.

وقالت شبكة “صوت العاصمة”، التي تنقل أخبار العاصمة، إن “فرع الأمن الجنائي في ريف دمشق بدأ بفتح ملفات قديمة لشباب مدينة قدسيا الذين وقعوا اتفاق تسوية مع قوات الأسد”.

ونقلت الشبكة عن مصدر وصفته بالخاص، أن قرابة “200 اسم من أبناء المدينة بينهم أعضاء لجنة المصالحة، أصبحوا مطلوبين لفرع الأمن الجنائي بتهم مختلفة، وتم تعميم أسمائهم على الحواجز المنتشرة في المنطقة”.

وفي حادثة مشابهة لما حصل مع القيادي أدهم الكراد، وجه عضو مجلس الشعب السوري عن محافظة حماة، وضاح مراد، نداءً لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، بضرورة محاسبة عمر الرحمون الذي عاد وصالح النظام السوري بعد نشاطاته الإعلامية ضده.

وكتب مراد، عبر صفحته في ”فيس بوك”، في 27 من آب، “سيدي الرئيس حصلت على معلومات بأن المجرم المدعو عمر الرحمون العائد إلى حضن الوطن (بعد أن تيقن بأن سوريتنا منتصرة)، أمر بقتل مواطنين سوريين ويده ملوثه بدماء السوريين، وهو مطلوب لمحكمة الإرهاب بادعاء شخصي من أهالي المغدورين وهو يمارس عليهم الضغوطات لسحب دعواهم بتهديدهم”.

وأشار مراد إلى أن رئيس شعبة الأمن العسكري هو من يحمي رحمون، متهمًا إياه بأنه “قبض الثمن”، ومطالبًا بإلقاء القبض على رحمون وإحالته إلى القضاء.

وعلى اختلاف التهديدات والشكاوى وتحريض محسوبين على النظام السوري للأهالي بفتح ملفات مقاتلي وقيادات فصائل المعارضة الجنائية، إلا أن النتيجة تصب في صالحه، سواء كانت لإرضاء مواليه أو للانتقام من معارضيه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة