مظاهرات إدلب.. عود على غير ذي بدء

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نور عبد النور

يوثّق “يوتيوب” ذاكرة زاخرة للحراك السلمي في محافظة إدلب في الفترة بين عامي 2011 و2014، حينها لم تكن المحافظة قد انضمت بكاملها لقبضة فصائل المعارضة.

تتحول نتائج البحث في الموقع ذاته عن الفترة التالية إلى مشاهد المجازر وأعمدة الدخان، وتنضم إليها تقارير مصورة عن جماعات “متطرفة”، وصراعات فصائلية، ونازحين جدد يحملون صفة “مهجر” يحطون الرحال في المدن والقرى الإدلبية.

وكما كانت إدلب محطة أخيرة للمهجرين من مناطق عدة في سوريا، بدت محطة أخيرة للثورة السورية، ووقفت أمام خيارين وحيدين، العودة أو الهزيمة.

اجتمع الظرف السياسي والرؤية الدولية لصالح العودة إلى السلمية، التي تحمي الوضع العسكري، وتشكل مشهدًا مختلطًا من ثمانية أعوام تاريخية في حياة سوريا.

بين التغيير و”تثبيت الوضع”

تتشابه لافتات مظاهرات أيام الجمعة في إدلب خلال الشهر الحالي، إلى حد كبير مع لافتات المظاهرات الأولى، إذ ترفع شعارات الحرية وإسقاط النظام والإفراج عن المعتقلين.

هذا التشابه المبدئي يخفي خلفه فوارق عدة، إذ كانت المظاهرات قبل عام 2014 مدفوعة بإرادة التغيير، والذي يتركز في التخلص من القبضة الأمنية والقمع وتكميم الأفواه.

في آذار 2015 تم الجزء الأكبر من التغيير الذي طالب به المتظاهرون، إذ سيطرت فصائل المعارضة على المحافظة كاملة، وتخلص السكان من سلطة أمنية لازمتهم على مدى أربعين عامًا، وحصلوا على نوع من أنواع الحرية.

لكن المتظاهرين اليوم يحملون في دوافع تظاهراتهم دعوات لتثبيت الوضع في المحافظة، ومنع دخول النظام إليها مجددًا، بعد جملة تهديدات طالتها على اعتبار أنها “آخر معاقل المعارضة”.

يتظاهر اليوم أهالي إدلب أمام حالة السيطرة العسكرية، عبر تحريك رأي عام دولي يحول دون توجه آليات النظام وحليفه الروسي باتجاه محافظتهم، وينجحون في ذلك إلى حد كبير، إذ غطت الصحافة الغربية بكثافة تظاهرت إدلب، واعتبرتها دليلًا على حالة سلمية طاغية على المدينة تواجه الحديث عن وجود “جماعات إرهابية” داخلها.

التغطية الصحفية أثرت على الحراك السياسي، فحضرت صور المظاهرات في جلسة لمجلس الأمن، عُقدت في 11 من أيلول الحالي حول إدلب، واستخدمها مندوب فرنسا فرانسوا ديلاتر، ليؤكد أن “المظاهرات السلمية في إدلب أثبتت أن المدينة ليست مرتعًا للإرهاب”.

توظيف “العاطفة”

بدأت المظاهرات خلال الشهر الحالي في إدلب بدعوة من ناشطين مدنيين في المحافظة، وجذبت الساحات العامة في المدن والبلدات والقرى المتظاهرين من جميع الشرائح، ثم عاد عرف “يوم الجمعة بعد الصلاة” ليحدد مواعيد التجمع.

وكان سكان إدلب، من مقيمين ونازحين من مختلف المناطق السورية، بحاجة إلى التعبير عن حالة عاطفية، يتم استثمارها لإعادة رفع معنويات أحبطتها آلة النظام الإعلامية، بالترويج لهجوم قريب، ساندتها روسيا بالتلميح إلى إمكانية استخدام الأسلحة الكيميائية.

في الوقت ذاته، أعادت مظاهرات إدلب تشكيل معنويات أكثر صلابة بالنسبة للمعارضين السوريين سواء داخل سوريا أو خارجها، بعد جملة إحباطات متتابعة عنونت عام 2018، بعام “هزيمة الثورة”.

فبعد أن سيطر النظام على الغوطة الشرقية، وألحقها بجنوب دمشق والجنوب السوري والقلمون الشرقي، ثم ريف حمص الشمالي، تزعزع الإيمان بإمكانية توقف الزحف الذي ترعاه روسيا، لكن عودة الثورة بشكلها الأول في إدلب خلقت مبررات جديدة للأمل.

ورغم أن المظاهرات وحدها لا يمكن أن تخلق هذا الأمل، دون الظرف السياسي الحالي والتفاهمات الدولية حول إدلب، لكنها أعادت استثمار أدوات عاطفية خسرها السوريون في حرب الأعوام الثمانية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة