خطاب يتجه لـ “الاعتدال”.. تحليل بيان “تحرير الشام” حول اتفاق إدلب

أبو محمد الجولاني مع قادة تحرير الشام في الغوطة الشرقية - (تحرير الشام)

camera iconأبو محمد الجولاني مع قادة تحرير الشام في الغوطة الشرقية - (تحرير الشام)

tag icon ع ع ع

وافقت “هيئة تحرير الشام” على اتفاق “سوتشي” حول محافظة إدلب، ورغم أنها لم تذكر ذلك بشكل مباشر في بيانها، أمس، إلا أن المعنى الأساسي له يفضي إلى القبول والتطبيق.

وجاء بيان “تحرير الشام” الذي نشر أمس، الأحد 14 من تشرين الأول، بعد أيام من سحب الفصائل العسكرية للسلاح الثقيل من على خطوط التماس مع النظام السوري، على أن يتم الانتقال للمرحلة التالية من الاتفاق، وهي خروج الجماعات “المتشددة”.

ولم يقتصر سحب السلاح، في الأيام الماضية، على فصائل “الجيش الحر” المتمثلة بـ “الجبهة الوطنية للتحرير”، بل شمل “تحرير الشام”، والتي سحب السلاح منها من ريف اللاذقية الشمالي وجبهات إدلب لكن بالخفاء بعيدًا عن الإعلان الرسمي.

غاب عن بيان “تحرير الشام” حدود المنطقة العازلة أو الاتفاق التركي- الروسي، وركز على كلمات “فضفاضة” تؤكد على الاستمرار في “الجهاد” والالتزام بـ “ثوابت الثورة السورية”.

وكانت النقطة الأساسية التي أشارت لها “تحرير الشام” هي الشكر غير المباشر للجانب التركي، والذي يعتبر الطرف الأساس في الاتفاق الموقع في “سوتشي” مع روسيا.

وقالت “الهيئة”، “نقدر جهود كل من يسعى في الداخل والخارج إلى حماية المناطق المحررة، ويمنع اجتياحها وارتكاب المجازر فيها”، محذرةً من “مراوغة المحتل الروسي أو الثقة بنواياه”.

“مراوغة مكشوفة”

القيادي المنشق عن “تحرير الشام”، صالح الحموي المعروف باسم “أس الصراع في الشام” علق على البيان.

وقال إن “الهيئة وافقت على الاتفاق وطبقته أكثر من كل الفصائل، لكنها تراوغ أمام عناصرها لتوهمهم أنها رفضته كما أوهمتهم يوم فك الارتباط بالقاعدة أنه بأمر من الظواهري من خلال كلمة أبو الخير المصري”.

وأضاف القيادي السابق أن البيان أظهر “مراوغة فاشلة ومكشوفة”، مشيرًا إلى أن “الجبهة الوطنية قالت بأنها لن تتراجع مترًا عن الجبهات والرباط وهو ما لم تجرؤ أن تقوله الهيئة”.

وبحسب الحموي، “موضوع عدم تسليم السلاح هو مزاودة فيما هو غير مطروح أصلًا بالاتفاق، وكذلك عدم الثقة بالروس سبقهم بها بيان الجبهة الوطنية”.

وبالعودة إلى اتفاق “سوتشي” لم يأت في بنوده شرط تسليم السلاح، بل نص على سحب السلاح الثقيل من المنطقة منزوعة السلاح المحددة بعرض 20 كيلومترًا.

وكانت تركيا أعلنت أن سلاح الفصائل العسكرية في إدلب لن يتم سحبه، إلا من المنطقة المتفق عليها، والتي ستبقى فيها مقرات الفصائل ونقاط رباطهم على النظام السوري.

الخطاب يتغير

جاء في نص البيان عبارة “ندعو العالم إلى تحمل مسؤولياته”، وتعتبر بادرة أولى من نوعها في خطاب “تحرير الشام”، والتي تناولت في خطاباتها وبياناتها السابقة عبارات مضادة لذلك، كـ “لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى”.

كما أكدت في معظم البيانات السابقة على شعارات تناهض الغرب والمؤسسات التابعة له العاملة في سوريا، واعتبرت أن الاستعانة به من “المحرمات والكفر”.

ويبدو أن القائد العام لـ “تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني من “التيار المعتدل” الذي يريد إنهاء العزلة الدولية، وذلك من خلال عدة مواقف كان أولها في أيلول عام 2016 إذ تخلل خطابه الحديث عن العمل السياسي وارتباطه بالعمل العسكري.

وتبع ذلك انسحاب “تحرير الشام” من عشرات القرى بريف إدلب الشرقي، العام الماضي، وترجم الأمر حينها بتطبيق بنود اتفاق “أستانة” بشكل تفصيلي.

لكن النقطة الأساسية التي تعطي تأكيدًا على التحولات التي يقوم بها “الجولاني” لإزالة صفة “الإرهاب” عنه، هي الخطوة التي قام بها مطلع العام الحالي بعزل قسم من التيار المتشدد في فصيله، والذي شكل بدوره “تنظيم حراس الدين”، وفيما بعد بدأ الأخير باستقطاب عشرات المجموعات “المتطرفة” من “الهيئة” وإدراجها في صفوفه.

وقال مصدر مطلع على سير الحركات الجهادية في سوريا لعنب بلدي في وقت سابق إنه من المتوقع أن يبدأ الجولاني في المرحلة المقبلة بمهاجمة “تنظيم حراس الدين”، كخطوة لإثبات “الاعتدال”.

لكنه أضاف أن “الجولاني” لا يملك القرار الكامل لحل “تحرير الشام” حتى اليوم، مع وجود قادة مهاجرين يرفضون بشكل قاطع هذه العملية.

وتعود التحولات السابقة إلى تجربة طالبان الأفغانية، التي توجّهت إلى العمل السياسي بعد صراع مرير، وافتتحت مكتبًا في قطر عام 2013، وأبدت كابول والولايات المتحدة الاستعداد لمفاوضة الحركة.

ضغوط

القيادي السابق في “تحرير الشام”، علي العرجاني (أبو حسن الكويتي)، قال عبر “تلغرام”، إن البيان مكتوب بناء على رغبة بعض الدول المؤثرة عليهم وبالأخص الداعم.

وأشار إلى أن “الهيئة” وافقت بشكل “ضمني” على الاتفاق، وطبقت بنوده المتمثلة بسحب السلاح الثقيل، وإيقاف العمليات العسكرية.

وإلى جانبه، أوضح القيادي “أبو سراقة الشرعي”، أن “تحرير الشام” استخدمت مصطلحات لم تطلب منها، وهي “استمرار الجهاد والمهاجرين والمظاهرات والمصالحات وعدم تسليم السلاح”.

وقال إن “الهيئة” لا تستطيع أن تذكر موقفها صراحة خوفًا من انشقاق جنودها عنها.

ويمكن القول إن تركيا في الوقت الحالي تمسك بزمام قسم لا يستهان به في “تحرير الشام”، ويرتبط ذلك بما حصل في معارك الريف الشرقي مؤخرًا، بعد انسحاب “تحرير الشام” من مناطق واسعة، بالتزامن مع اتفاق “أستانة6″، والذي وضع الريف الشرقي لإدلب بيد الروس والنظام السوري، الأمر الذي أعطى صورة حينها بأن “الهيئة” نفذت البنود المتفق عليها دوليًا بالتفصيل، إلى جانب فصائل “الجيش الحر” التي كانت موجودة سابقًا في المنطقة.

ويقود الحديث السابق إلى مقابلة لمسؤول إدارة الشؤون السياسية في “الهيئة”، يوسف الهجر، مع قناة “الجزيرة”، أيار الماضي، وحذفته القناة بعد أيام، لكن معرفات “تحرير الشام” كانت قد نشرته وتداولته قبل الحذف.

تحدث الهجر في المقابلة عن العلاقة “المتينة” التي تربط تركيا و”تحرير الشام”، وقال، “نحن من أسهم بإدخالها وتثبيتها، وقد أفشلنا أصحاب الثورة المضادة الذين أرادوا أن يحصل اصطدام بين الثورة وحليفتها، حين وضعوا الجانب التركي أمام اتفاق دولي يفضي إلى وضع نقاط مراقبة”.

وكون الهيئة الفصيل الأكبر في الشمال السوري، أوضح الهجر “كان عليها أن تكون هي المعنية بالأمر، فبعد المشاورات الشورية والشرعية وأصحاب الرأي والحكمة، اتخذنا هذا القرار، واستطعنا الحفاظ على خيارنا الثوري، إضافة إلى تقوية الحليف التركي”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة