tag icon ع ع ع

تتفرق المؤسسة الدينية في حلب وفق تبعية وفكر أصحابها بين هيئة شرعية ومجلس شرعي، في حين تتدخل الكتائب العسكرية وتتحكم بقرارات المؤسسة، ما ينتج في غالب الأحيان خلافات في الأحكام وتعيين الخطباء، وسط مساعٍ لاندماج بين مكونات المؤسسة يحقق استقلاليتها ويوحد قراراتها.

خلفيات التأسيس وفق التيارات

تأسست مديرية الأوقاف في حلب منذ أن دخلها الجيش الحر شهر رمضان عام 2012 كمؤسسة دينية مستقلة، وتسبب هروب الكثير من أئمتها وخطبائها بشواغر كان لابد من سدها، كما أوضح مصطفى مصطفى مؤسس مديرية الأوقاف في ذلك الوقت لجريدة عنب بلدي، وأضاف أن خطيب المسجد «كان يُعين نظرًا لثوريته بغض النظر عن مذهبه».

واستمر عمل المديرية حتى تأسست الهيئة الشرعية مطلع العام 2013، فقررت المديرية الانضمام إليها «كخطوة لتوحيد الصفوف والتنسيق بين العملين العسكري والمدني تحت مظلة واحدة».

وأردف مصطفى بعد تأسيس الهيئة الشرعية بخمسة أشهر «تأسس المجلس الشرعي الذي كان يطغى عليه التيار الصوفي، وبدأ يهتم بتكليف خطباء للجوامع ما سبب تضاربًا في عمل الهيئة الشرعية، كون التيار السلفي يطغى عليها، لذا صار المجلس والهيئة يصنفان كتيارين مختلفين».

خلاف فكري وصدام

لخص مصباح العبدة، وهو أحد أعضاء المجلس الشرعي، في حديث مع عنب بلدي، الخلاف بين الجانبين بقوله إن «جوهر الخلاف هو أن هناك من جاء يفرض منهجًا وفكرًا معروفًا بالتشدد على بلاد الشام المعروفة بوسطيتها العلمية»، ملمحًا إلى التيار السلفي.

وفي المقابل كان رد الهيئة الشرعية على لسان مصطفى «كنا نأخذ على المجلس الشرعي تعيين خطباء جوامع نراهم بنظرنا متخاذلين ويغردون خارج السرب، بعيدًا عن أحداث الثورة وشحذ الهمم للجهاد ضد النظام».

لكن العبدة يردف «خلافنا معهم أساسه اعتلاء أنصاف العلماء منصة الحكم والإفتاء، حيث أساءت الهيئة الشرعية في تعاملها مع الأئمة والخطباء وأقصت الكثير ممن خالفوا فكرها»، معقبًا «اتهمونا بالتخاذل عن قول كلمة الحق دون تثبت، فنحن نوازن بين واقع البلد المفروض منذ 40 سنة، وبين حب الجهاد وأسلوب التغيير، ونحن بالأصل من أشعل الثورة ضد الطاغية».

لكن مصطفى (ممثل التيار السلفي) يرد على الاتهام بتعيين أنصاف العلماء بالقول: «إن أول من أسس مديرية الأوقاف هم علماء تخرجوا من كلية الشريعة من جامعة دمشق، وإن لجأنا أحيانًا لتعيين طلاب علمٍ وفضلناهم على بعض العلماء، فذلك لأن الأفضلية كانت بنظرنا لمن يمتلك أسلوب الخطابة الحماسي، الذي يشحذ الهمم لقتال النظام ويحث على الجهاد في وقت انتهكت فيه الأعراض والأرواح، ولا يمكن أن يقبل وجود عالم يتحدث بسلبية وتخاذل ولا يقول كلمة الحق في مثل هذه الظروف».

ويتابع «حاولنا على مدى أشهر أن نجتمع لنقرب وجهات النظر ونوحد الجهود لكن دون جدوى، وبقي كل منا يعمل لوحده».

حل الهيئة الشرعية

انسحبت جبهة النصرة من الهيئة الشرعية قبل 5 أشهر، فضعفت مكاتب الهيئة وظهر الفساد لدى بعض موظفيها، ما أثّر على سمعة الهيئة بشكل كبير؛ وحاولت مديرية الأوقاف الإصلاح فيها قدر الإمكان، لكن في النهاية جاء قرار الكتائب العسكرية (أحرار الشام ولواء التوحيد)، والتي بات المجلس الشرعي مقربًا منها بحل الهيئة، وعزا حينها الشيخ أبو النور، رئيس الهيئة القديم، الأمر إلى أن «القرار بيد العسكريين، ونحن لا نستطيع عمل أي شيء».

وأعلنت هذه الكتائب تغيير اسم الهيئة الشرعية إلى «المحكمة العليا لحلب وريفها»، ولم يتبق فيها سوى القضاء والشرطة، وحُلّت باقي المكاتب وسحب عنها الدعم، لكن مديرية الأوقاف رفضت أن يُحل مكتبها، وقررت أن تُعلن نفسها جهة مستقلة غير تابعة للمحكمة العليا.

في هذا الوقت كانت تجري محاولات لتوحيد المهتمين بشؤون المساجد والأوقاف في حلب والإجماع على ترشيح أسماء من كلا التيارين، لكن المحكمة العليا تدخلت بفرض أسماء مرشحي مديرية الأوقاف، ما سبب خلافًا حادًا حمل مدير المديرية مصطفى الجبان ورئيس الهيئة القديم الشيخ أبو النور على الاعتراض والانسحاب.

تدخل المؤسسة الأمنية

في اليوم التالي للخلاف وتحديدًا في 29 تشرين الثاني 2014، استقدم لواء التوحيد قوة عسكرية (المؤسسة الأمنية بقيادة مضر نجار) وسيطرت على مبنى الهيئة الشرعية، وطردت رئيس القضاة، العالم إبراهيم شاشو، المحسوب على التيار السلفي، لاعتراضه أيضًا على تدخل المحكمة العليا في ترشيح الأسماء، كما صودر حاسوبه وأوراقه من المكتب واعتقل مدير الأوقاف مصطفى الجبان لـ 24 ساعة.

لجوء مديرية الأوقاف لجهة عسكرية تحميها

«اضطر القاضي إبراهيم شاشو للجوء إلى قوة عسكرية تحميه بعد أن كان مستقلًا تمامًا، وذلك نتيجة مواجهته بالقوة لأنه يحمل فكرًا معينًا (سلفيًا)»، وفق رواية مصطفى مصطفى.

وعليه وقعت مديرية الأوقاف «ميثاق الأوقاف والشؤون الإسلامية» مع كل من جبهة النصرة وجيش المهاجرين والأنصار وحركة فجر الإسلامية ممثلة بحركة أحرار الشام، ما جعل المحكمة العليا بقيادة لواء التوحيد ترضخ أخيرًا للاتفاق مع مديرية الأوقاف «التي باتت محمية من جهة عسكرية»، للعمل على توسيع عمل المديرية حتى تشمل التيارين.

رد المحكمة العليا على اتهامها بالتدخل العسكري

بدوره قال القاضي الحالي في المحكمة العليا، عمرو شميس، في حديث لعنب بلدي «بعد أن صدر قرار قيادة الجبهة الإسلامية في حلب بتعييني قاضيًا عامًا، ودعوة الشيخ عبد القادر فلاس، رئيس الهيئة الشرعية الحالية، لأتسلم منصبي، لم يناسب بعض المتنفذين في الهيئة الشرعية (أعضاء مديرية الأوقاف) ذلك كونه سيضعهم تحت سلطة المحاسبة والمساءلة فحاولوا إشعال فتنة».

وتعليقًا على التدخل العسكري يوضح شميس «استغل هؤلاء الدعاية المذهبية التي كادت تؤدي إلى إراقة دماء المجاهدين لولا التدخل الحكيم لقائد الجبهة الإسلامية مضر نجار الذي حال دون ذلك».

أما بخصوص اعتقال مصطفى جبان فيوضح شميس أن الأمر «كان نتيجة شكوى تقدم بها الشيخ عبد القادر فلاس بحقه لدى المكتب القضائي، مفادها قيام المدعى عليه بشتم رئيس الهيئة في إحدى غرف الواتس أب، وتم إطلاق سراحه بعد إسقاط الشيخ الفلاس حقه عنه».

وما بين الهيئة والمجلس تطرح تساؤلات بارزة في الساحة الحلبية، إلى متى سيجابه الفكر بقوة السلاح؟ ومتى ستستطيع هيئات مدنية -مثل الأوقاف- مزاولة عملها بشكل مستقل؟ وهل ستصل مؤسسات الدولة إلى مرحلة من الوعي تجعلها تُقيم الكفاءات نظرًا لمؤهلاتهم العلمية والمهنية دون النظر إلى انتماءاتهم المذهبية؟

مقالات متعلقة