نفوس غوطة دمشق.. ولادات ووفيات مؤجلة

camera iconطفلة في مدينة دوما التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة شرق دمشق - 17 نيسان 2018 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حلا إبراهيم

“لم أكن أتوقع أن يأتي يوم أجد نفسي أنا وطفلتي الصغيرة وحيدتين في هذا العالم، الذي يلغي وجودها ويلغي أمومتي لها”.

تنتظر مريم وهي إحدى الخارجات من الغوطة الشرقية، خارج مبنى “الأمانة العامة للتنمية” التي تصفها بأنها السبيل الوحيد أمام من لم تسعفهم أحوالهم المادية لتوكيل محام.

تقول مريم، التي تحفظت على ذكر اسمها الكامل، لعنب بلدي، “أرشدني أحد الجيران إلى هذا المكتب، قالوا إنه تابع لأسماء الأسد، والهدف منه توكيل محامين للمهجرين من الغوطة الشرقية بغية تثبيت الواقعات من زواج وولادة ووفاة، والتي مضى عليها سنوات، لعدم وجود دوائر نفوس خلال السنوات السابقة”.

ورغم طول المدة التي يمضيها المراجعون بعد خروجهم من الغوطة ليتوصلوا إلى أحكام قضائية، يضطر معظمهم للاستمرار لعدم وجود حل آخر، بينما يملّ آخرون من الانتظار فيلجؤون إلى محامين من خارج مكتب “الأمانة العامة”.

تضيف مريم، “تقدمت بطلب إلى المكتب لتوكيل محام يتقدم بدعوى تثبيت لزواجي، وولادة طفلتي، ووفاة زوجي، إذ تزوجت عام 2016 بعقد شرعي (كتاب شيخ)، أسوة بجميع المواطنين في الغوطة، إذ لا توجد محاكم شرعية أو دوائر نفوس، بعد أن أغلقها النظام عام 2013”.

وكانت الغوطة الشرقية تحت حصار من قوات الأسد يمنع فيه دخول وخروج المواطنين، وسط غياب لأي من مؤسسات الدولة، ما اضطر المحاصرين إلى إنشاء آليات وهيئات بديلة لتثبيت أحوالهم المدنية.

توفي زوج مريم ووالد طفلتها، خلال قصف الطيران السوري المدعوم من روسيا على الغوطة الشرقية، عام 2017، ثم خرجت من الغوطة مع المهجرين بعد سيطرة النظام عليها في نهاية آذار 2018، إثر حملة قصف مكثفة، لتجد نفسها في مركز إيواء في منطقة قريبة من دمشق.

يقول عمار، وهو محام من دمشق، “كثيرات هن النساء اللواتي يراجعنني بغية تثبيت زواجهن وولادة أطفالهن، بعضهن أرامل وأخريات أزواجهن معتقلون لدى النظام، وأنا أدلهم على مكتب التنمية الذي يساعدهم بتوكيل محامٍ مجانًا”.

ويضيف المحامي، “لكنهن يعدن إلي بعد أشهر قليلة، يشتكين من تأخر الدعاوى التي يرفعونها عن طريق المكتب، إذ تضطر كثيرات للانتظار لأكثر من عشرة أشهر، دون أن يحصل أي تقدم في دعواها، رغم أن هذا النوع من الدعاوى يعتبر بسيطًا ولا يحتاج إلى وقت طويل، خاصة أنها تعتمد على شهادة الشهود بالدرجة الأولى”.

تأخير الدعاوى يضطر الناس لدفع مبالغ كبيرة

سوسن واحدة من النساء اللواتي ألغين معاملاتهن لدى “مكتب التنمية” ولجأن إلى المحامي عمار، تقول سوسن لعنب بلدي، “بعد انتظار لأشهر طويلة، فوجئت أن معاملة تثبيت زواجي وأطفالي الاثنين لم تتحرك أبدًا، فأعداد المتقدمين كبيرة، بالإضافة إلى تباطؤ إجراءات التقاضي في المحاكم في حال كان المحامي يعمل مجانًا”.

“عندما ندفع أتعابًا للمحامي، يستطيع أن يدفع للموظفين في المحكمة لإعطائنا مواعيد قريبة، بينما في حالنا هذا نجد أنفسنا مضطرين للانتظار لأكثر من شهرين بين كل جلسة وأخرى”، تقول سوسن.

دفعت سوسن 150 ألف ليرة سورية (ما يعادل 300 دولار أمريكي تقريبًا)، للمحامي لرفع دعوى تثبيت زواجها وولادة طفليها، لأن زوجها اعتقله النظام السوري، خلال حملة في كفربطنا، أعقبت التسويات، وتضيف، “بعد أن وكلت محاميًا خاصًا حصلت على حكم قضائي خلال شهرين فقط، في حين لا تزال ابنة عمي تنتظر دورها في مكتب التنمية”.

الآلاف غير مسجلين

خلال فترة سيطرة فصائل المعارضة، لأكثر من خمس سنوات، شهدت الغوطة الشرقية عشرات آلاف الوقائع المدنية من زواج وطلاق وولادة ووفاة، عدا عن وقائع لم يتم تسجيلها رسميًا لدى المؤسسات الرسمية التابعة للنظام.

وأخذت المجالس المحلية والقيادات الثورية على عاتقها مهام تسجيل الواقعات في سجلات خاصة.

وقبل عملية التهجير القسري من الغوطة أهملت الفصائل بعض السجلات وتركتها عرضة للتلف، فضلًا عن استهداف الطيران الحربي لعشرات مراكز المجالس المحلية ودوائر السجلات المدنية التابعة للمعارضة، خلال الحملة العسكرية الأخيرة.

وفي 15 من تشرين الأول الحالي، فعّلت حكومة النظام دائرة نفوس كفربطنا، بعد ترميمها جزئيًا، لكن أبوابها لم تفتح أمام المراجعين بشكل كامل.

ولم تعلن حكومة النظام رسميًا عن افتتاح الدائرة في المنطقة، بعد أن نقلت دائرة الناحية إلى منطقة جرمانا بريف دمشق خلال مدة إيقاف عملها في الغوطة الشرقية.

إغلاق دائرة “النفوس” في المنطقة تسبب بفقدان سجلاتها إبان سيطرة المعارضة على الغوطة الشرقية، إلى جانب عدم قدرة الأهالي على تسجيل المواليد الجدد وتثبيت عقود الزواج والطلاق ما أدى لصعوبات واجهت الأهالي حين سيطرت قوات الأسد على المنطقة.

تأخير يدفع ثمنه أهالي الغوطة

وفق معلومات عنب بلدي، يعاد تثبيت عقود الزواج في المحكمة من جديد مع دفع مخالفات للتأخير في تسجيل وتثبيت بيانات المواليد الجدد، كما يضطر الأهالي إلى رفع دعاوى لتثبيت الزواج، في حال كان الزوج متوفى، ثم توفيته لتسجيل حالات الولادة المتعلقة بتلك الحالة.

يقول أحمد، الذي توفي شقيقه خلال القصف على الغوطة الشرقية، “بعد خروجنا من الغوطة أنا وعائلتي وبرفقتنا عائلة أخي المتوفى، كان لا بد أن أثبت نسب أولاد أخي الذين ولدوا خلال الحصار، لذلك وكلت محاميًا لتثبيت وفاة أخي ونسب أطفاله إليه، وكلفنا ذلك مبالغ كبيرة لوجود مخالفات مترتبة على تأخر تثبيت الوفاة وتثبيت الولادات، رغم أن الذنب ليس ذنبنا، فلو كانت هناك دوائر نفوس لما تأخرنا”.

ويتساءل أحمد عن عدم إعفاء المهجرين من دفع هذه المخالفات، خاصة أنهم لم يتأخروا عن التسجيل بملء إرادتهم، بالإضافة إلى أن معظمهم خسروا منازلهم وأعمالهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة