جمال.. غياث.. لوكربي

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

في نفس اللحظة التي كان فيها السفير الأمريكي بدمشق، روبرت فورد، يقدم تعازيه لعائلة الشهيد غياث مطر، صرّح ضابط في المخابرات الأسدية بأنه أجبر غياث مطر على تقبيل حذائه قبل أن يقتله في زنزانته. كان السفير الأمريكي وعدد من السفراء الأوروبيين في مجلس العزاء حزينون على مقتل غياث مطر تحت التعذيب يوم السبت التاسع من أيلول 2011، وقد بعث هذا التظاهر الأمل لدى الشعب السوري بأن الدول الكبرى التي تنادي بحقوق الانسان، تناصر ثورتهم للخلاص من العبودية في مزرعة آل الأسد.

وفي نفس اللحظة التي يتباكى الأمريكيون والأوروبيون على مقتل خاشقجي بهذا الشكل البشع، يقومون بابتزاز القتلة والمسؤولين السعوديين بتنازلات وبعقود تستهدف إفراغ خزينة الدولة السعودية وإفلاسها، فهذا التباكي جربناه في سوريا ودفعنا ثمن تصديقه بحرًا من الدماء، لأن النظام استطاع أن يعقد صفقات مع الأمريكيين ومع الأوروبيين، ناهيك عن تحالفه مع الروس والإيرانيين، حيث تنازل لهم فيها عن كل ما يريدون مقابل الإذن له بمعاقبة السوريين بشكل لم تشهد له البشرية مثيلًا منذ الحرب العالمية الثانية!

وفي جريمة لوكربي للطائرة المدنية الأمريكية (بان ام) الرحلة 103 التي تحطمت فوق بلدة لوكربي البريطانية عام 1988، ظل الإعلام الغربي يصور ضحايا التفجير الإجرامي للطائرة المدنية، ويعرض صور المغدورين، ويجري مقابلات مع أهاليهم، ويطلق كاميراته الحديثة لتأخذ صورًا قريبة وبعيدة للقرية، وتظهر لنا أيضًا حيوانات القرية التي حفظنا أشكالها، وتبيّن لنا التقارير كيف أذهلها الانفجار، وأذهل العالم، وقد تم إلقاء القبص على ضابط المخابرات الليبي عبد الباسط المقرحي، في حين تمت تسوية الأمر مع من أصدر أمر التفجير وهو الديكتاتور الليبي معمر القذافي، وكان البترول الليبي كله مسخّرًا لخدمته ولخدمة عائلته، مثلما أن البترول السعودي مسخّر اليوم لخدمة الصفقة التي سيتم إنجازها مع قتلة خاشقجي، وطبعًا لم ولن يكون رأي الشعب الليبي، ولا رأي الشعب السعودي، ولا رأي الشعب السوري، مأخوذًا في الحسبان إبان عقد هذه الصفقات السوداء، التي تغطي على مجرمين يستمتعون بالقتل.

انشغل الإعلام العالمي بجريمة خاشقجي، وقبله بانفجار لوكربي، لكن ألف ألف انفجار في سوريا لم يعد يذهل العالم، ولم يعد يأبه لضحاياه أحد، وصارت مهمة الإعلام العالمي تغطية الاجتماعات بين المسؤولين الذي يحاولون إيجاد صفقات مرضية لهم، ولرؤسائهم. ولا بأس من التفاوض المفصل، بينما الطائرات الأسدية ترمي البراميل المتفجرة، والروس يجرّبون أسلحتهم الفتاكة، في محاولة من قبل صانعيها للبرهنة على فاعليتها، رغم أنها لا تزال تصنع بشكل بدائي تعوزه الدقة والتطور الإلكتروني الذي فات روسيا، ويعوزه أيضًا، الشرف العسكري الذي تبخر لدى العسكريين الروس، بعدما قضوا نصف قرن ينادون بالسلم العالمي، وينددون بالغرب المتوحش، في حين أنهم أثبتوا بهيميتهم في القتل، وفي التفاوض، عبر تفجير المستشفيات، والمدارس، والإصرار على تهجير السوريين للضغط على الغرب وأمريكا بالمهاجرين، غير عابئين بكل ما يتكشف من جرائم النظام الذي يدعمونه في التعذيب وفي تدمير البلاد السورية.

تختلف جريمة قتل غياث مطر، وعشرات الآلاف غيره من المعتقلين، بل ومئات الآلاف من المدنيين العزل، عن جريمة قتل خاشقجي، وعن جريمة تفجير لوكربي، فغياث مطر، والشعب السوري الذي من ورائه، ليس لديهم ثروات نفطية للابتزاز، وبالتالي فلا ثمن لدمائهم، ولا لتهجيرهم، اللهم إلا تهدئة الوسواس الإسرائيلي في الأمن، ولو كان الثمن سحق شعب كامل، وتهجيره، ليبقى الأسد الذي حمى إسرائيل حسب زعمهم، فهم يريدون الأمن والسلام من المجرمين، ومن القتلة، ومن ضباط التعذيب، وليس من الشعب السوري الذي يضمن السلام لهم إن قبلوا الحق والعدل والاحترام المتبادل، فالرعيل الإسرائيلي المؤسس، والذي كان آباؤه وأجداده، ضحايا للجرائم النازية في أوروبا، عكس مظلوميته على الشعب الفلسطيني، ولاحقًا على الشعب السوري، وتصرّف بمحاكاة مذهلة ومفجعة للنازيين والفاشيين في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية.

يتفرغ العالم اليوم لسماع التسريبات والتحليلات عن القتل البشع للصحفي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في اسطنبول، في الثاني من هذا الشهر تشرين الأول 2018، وينشغل المسؤولون الكبار خلف الكواليس بعقد الصفقات المجزية، والقيام بأدوار الابتزاز المشين، بينما يتم قتل المعتقلين السوريين كل يوم، ويتم تهجير السوريين بالقصف الروسي المتواصل، والمتخصص بالأسلحة الكيماوية، بالإضافة إلى الخردة السوفياتية التي تنهال على مدننا وقرانا، بعدما كنا نهتف طوال أكثر من نصف قرن:

-عاشت الاشتراكية، والنصر للاتحاد السوفياتي الصديق!

نعم لقد انتصرت أسلحة الاتحاد السوفياتي الصديق ووريثته روسيا، انتصرا على أطفال سوريا، وعلى مدنيي سوريا، وعلى مدن وقرى سوريا، وجابت غازاته الكيماوية أنحاء بلادنا، لتهجرنا إلى مشارق الأرض ومغاربها، وانتصر ملالي إيران بتكتيكات التعذيب والحصار والحقد الطائفي، بينما الغرب الأمريكي والأوروبي ينادي بحقوق الانسان، ويتباكى على خاشقجي، تمامًا مثلما تباكى السفراء الغربيون في دمشق على القتل المشين للشهيد غياث مطر، ولكنهم لم يحركوا ساكنًا بوجه النظام الذي يحاولون استصلاحه اليوم، من أجل بازارات مقبلة!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة