تعا تفرج

عيد ميلاد فيروز

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

بعد أيام، وبالتحديد يوم 21 من شهر تشرين الثاني، يصادف عيد ميلاد فيروز؛ فيروز التي تتربع، الآن، على قمة صرح فني إنساني حضاري شامخ.

في سنة 1950، كانت الفتاة الصغيرة “نهاد وديع حداد” تذهب إلى مدرستها وهي تحمل كتبها ببراءة، ولا تعرف ما يخبئ لها المستقبل من نجاحات. سلسلةُ نجاحاتها بدأت عندما اكتشف الملحنُ اللبناني محمد فليفل عذوبةَ صوتها خلال جولة له على المدارس بحثًا عن أصوات يضمها إلى فرقة الإنشاد. وأما المكتشِف الثاني لصوت نهاد حداد فهو الموسيقار حليم الرومي صاحب الألفي لحن الذي اختار لها اسمًا من عالم الأحجار الكريمة: فيروز.

نقل المؤرخ روبير صفدي في كتابه “أعلام الأغنية اللبنانية” عن خاله حليم الرومي قولَهُ: اكتشفتُ صوت فيروز مصادفة، خلال حفلة أناشيد مدرسية كانت تقدمها فرقة الأخوين فليفل في الإذاعة اللبنانية. وعلى الفور أدركتُ أنني أستمع إلى صوت غير عادي، فاستدعيتُها، وطلبت منها أن تُسمعني صوتَها وجاهيًا، فغنت، بخجل واضح، موال المطربة اسمهان “يا ديرتي ما لِكْ علينا لوم”، ثم أغنية فريد الأطرش “يا زهرةً في خيالي”، فتأكدتُ، عندئذ، أن صوتها جديد ونادر. حليم الرومي، بالمناسبة، هو الذي أقنع الفنان الصاعد عاصي الرحباني بأهمية صوت فيروز التي أصبحت، في سنة 1955، زوجته، والركيزة الأساسية في مشروعه الفني العظيم.

يروي الناقد عبد الرحمن سلام، (في مجلة الكفاح العربي 28/1/2014) أخبارًا وحكايات عن الشخصيات الفنية والأدبية العربية الكبيرة التي أعربت عن إعجابها بشخصية فيروز، ومنهم المطرب عبد العزيز محمود الذي ذاع صيتُه في الأربعينيات والخمسينيات، وقد حضر يبحث عن فيروز، وحينما التقاها وعرض عليها فكرة العمل معه في السينما، اعتذرت بالقول: بعدين، لما أكبر. ثم جاء نجم شباك التذاكر، أنور وجدي، من القاهرة إلى بيروت خصيصًا ليقابلها، ولم يتمكن من ذلك بسبب انشغالها بدروسها.

أصيب عاصي الرحباني في سنة 1972 بنزيف دماغي. كانت العلاقة بين عاصي وفيروز تقوم على نظام عَمَلي صارم، فهو يمثل شخصية القائد المكلف بعمل عظيم يتألف من شقين، الأول هو استكمال بناء الصرح الأدبي والفني الرحباني، والثاني صناعة النجمة “الأيقونة” فيروز. وكانت هي تدرك هذا وتحس به، لذلك كانت، رغم قوة شخصيتها وعنادها، تُطيعه، وتُسلمه قيادها.

وكانت الفترة الممتدة بين مرض عاصي 1972 ورحيله 1986، بالنسبة لفيروز صعبة ومضطربة، جربت خلالها العمل مع زكي ناصيف، وفيلمون وهبي، ومنصور الرحباني، وابنها زياد، وقد حققت الكثير من النجاحات في كل هذه التجارب، بل إن تجربتها قد تلونت واغتنت، وبزعمي أن أغانيها مع الثنائي جوزيف حرب وفيلمون وهبي تحتل مكانة خاصة في ذائقة محبيها ومتابعيها حتى اليوم.

إحساس فيروز بالوحدة والفَقْد، بعد رحيل عاصي، بقي مستوليًا على ساحة لاشعورها، حتى إنها في إحدى الحفلات كانت تغني “سألوني الناس”، ووصلت إلى عبارة “لأول مرة ما منكون سوا” فبكت.

أخيرًا: هذه تحية للنجمة فيروز في ذكرى ميلادها، وأما الحديث عن مجمل التجربة الرحبانية فيحتاج إلى مجلد، والمجلد سيأتي قريبًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة